رمَــادِي 06

10.8K 787 371
                                    

أستـغفِر اللّـه العظِيــم وأتُـوب إلَيــه

🥀

الوَجعُ لا يحتَاجُ حدِيثًا، أحيانًا تكونُ نبرةُ الصّوتُ
أبلـغَ ماقِيلَ في الكلاَم، قلبُـها يصرُخ صرخةً يُمـزّقُ بها
ضُلوعَها، هل تبكِي وَجعًـا، أم تنَامُ لِغدٍ أجمَل، أتُراها
تُعاتِبُ نفسَها أم تبُوح لِغريبٍ بأنّها تتألّم؟!

تشتَاقُ إلى نَومِ طفلٍ لا يعلَمُ معنَى الحُزن
وَلا يقرَع رأسَهُ الصّدَاع، لا يَدرِي ماهوَ التّفكير ولا يفقهُ
معنَى الخَوف، ومَع ذلك، فلن يقتَنعُوا بأنّها تتألّم
حتّى تمُوتَ أمـام أعيُنهِم.

مُنزَوِيةٌ على نفسِها والدّمعُ أعدمَ بصرَها، أتبكِي على
ألمِ قلبِها الذي إفتعلهُ الغُرابِيّ بِها، أم على جَسدِها الذِي
باتَ مُشوّهًا تكسُوهُ النّدُوب، نُدوبٌ نُحتَت بِأنامِلِ زَوجةِ
أبِيها، نُدوبٌ دَنّست نقـاءَ وصَفوَ رِقّةِ أدِيمِهـا.

ومـازَادَ إمساكُ الفِتية لهـا مُنذُ قلِيل إلّا وجَعًـا
لِدرجةِ أنّها لاتزَالُ تشعُرُ بِقبضَتِهم العنِيفة علَى ذِراعَيها.
وكَونَ الألمِ لَديهَا عادَة، جعلَ الألـمَ غيرَ ألِيـم. تُناظِرُ
شعرهَا المُتنـاثِر مِن حَولِها بقلبٍ يخشى الوَجع، مَن
يُخبِرُها أنّ الخَوف مِن الوَجع أشدّ سُوءًا
مِن الوَجعِ نفسِـه!

إستَقامَت مِن مكَانِها تُكفكِفُ دُموعَها بِكمّ
قمِيصِها، ثمّ على عِجالٍ شقّت طرِيقهَا ناحَ الحمّـام تُغلِقُ
البَاب ورَاءهَا بِهِستِيرِيّة، كانَ المـكانُ يخلُو مِن إنسِيٍّ
غَيـرِها، كَون السّاعة الآن الثّانِية عشَر وخمسٌ وعِشرونَ
دقيقة، مايعنِي أنّها تخطّت مَوعِدة العَودَة
للفصل بِخمسِ دقـائق.

لطالَما إعتادَت النّظر في المِرآة، حتّى تُعزّز حُبّها
لذاتِها، وتعقِدَ إتّفاقًا معهـا على التّحلِي بِالصّبر، وإن لَم
يكن لأجلِها، بل لأجلِ شقِيقِها الصّغيـر، لطالَما إعتادت
إبصارَ ندُوبِها، حتّى تتعاطَف معَ نفسِها ولاتبُوح
بألمِها لأحد، وإن كانت بينَ الناسِ وحيدة
فقد كانت لِنفسِها جمِيع النّـاس.

لكن! اليَوم، وعلى خِلافِ سائِر الأيّام تراهَا تتجنّبُ
مواجهَة المِرآة، رُبّمـا لأنّ صبرَها قد نفِذ، أو رُبّمَا مخافَة
أنّ وجهَهـا قد إسوّد، بهُت، وذبلَت ملامِحُه فأضحت أرضُه
قاحِلـة غيرَ قابِلةٍ للإبتِسام! تقِفُ مُرتجِفةً والدّمعُ جفّ
على سطحِ وجنتِها، لا تعرِفُ للخُروج مِن المَوقفِ
طرِيق، وبَينمَا هيَ بينَ هذا وذاك قُرِعَ الباب.

رَعشةٌ إقتنصَت أوصالهَا جعلَت الدّم يتجمّدُ
بِعُروقِها، علا وجههَا الشّحُوب واصفّرَ لَونُها تسألُ
بِصوتٍ مُضطرِب معطُـوب

Grayحيث تعيش القصص. اكتشف الآن