صوت المذياع يحف المكان بآيات من الذكر الحكيم تنزل السكينة على قلوب الجالسين (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)وقفت بشموخها و كبريائها المعتاد تتلقى العزاء في جدها الكريه كما كانت تلقبه، و لكنها استطاعت رسم معالم الحزن على وجهها بدقة بالغة، فهي امام العامة، و من المفترض إنها حفيدته الوحيدة _و التي سترث من خلفه الملايين_ لذا فيحب عليها أن تجيد التمثيل لبعض الوقت .
اتى اليها رجلًا في نهاية العقد الخامس تقريبا قصير القامة بشوش الوجه ملامحه مألوفة بالنسبة لها، و لكنها لا تتذكر اين رأته، فمعارف جدها كثيرون ، و يبدو إنه أحدهم بدأ الرجل حديثه بنبرة هادئة حزينة ، قائلًا:
_البقاء لله يا أنسه سارة المرحوم كان غالي عندي جدًا، كان أكثر من أخ و الله.
أمسكت رأسها تصطنع الحزن ، لتجيبه و هي تجفف دموعها الوهمية:
_كان غالي علينا كلنا، سبحان من له الدوام بس اعذرني انا مش فاكره حضرتك خالص.
ابتسم الرجل ابتسامة حزينة، مجيبًا اياها:
_اكيد طبعا مش فاكراني، اخر مره شوفتك فيها كنتي في إعدادي لسه، انا فاروق محامي جدك الله يرحمه.
اومأت له بخفوت، و عقلها يعمل في جميع الأتجاهات، وجود محامي جدها يعني الكثير و الكثير من المال، و هذا كل ما تحتاجه الآن، حاولت بقدر الإمكان ان يخرج صوتها حزينًا، مكسورًا، أومأت له بتفهم، و هي ترافقه نحو غرفة المكتب، قائلة:
_ الوصية و الورث صح؟!.
_ بالضبط هو ده اللي انا عايزك فيه بس الموضوع أكبر من كدا و مينفعش يتأجل.
لم تستطيع منع عينيها من اللمعان ببريق الفرحة، فهذا ما تتمناه هي، و لكنها 'سارة القاضي' لا تُبدي ما تشعر به، فتحت باب المكتب بهدوء، لتشاور له بالدخول، لتقول بإرهاق لوصيفتها:
_تمام اتفضل معايا، ام محمد انا مع الاستاذ في المكتب و اي حد يسأل عليا قوليله إني تعبانة، اتفضل حضرتك.
دعت فاروق للجلوس بحماس مخفي، فهي تمنت هذه اللحظة منذ زمن، لحظة تعويضها عن كل شيء فقدته بسبب جدها، همست لنفسها بنفس ذات الحماس 'هانت يا سارة هانت '، جلست امام المكتب بعملية تليق بها ، هي سارة القاضي أصغر سيدة أعمال في المنطقة، و الأغنى، أرتدت نظارتها الطبية التي تلائمها تمامًا، فتجعل مظهرها فاتنًا مع خصلاتها البنية، و عيونها السوداء، تحدث بنبرة باردة لا تمت لحزنها المزعوم بصلة، قائلة:
_ تقريبا انا الوحيدة اللي باقيه في العيلة كلها يعني أنا الوريثة الوحيدة صح؟؟ فيه ايه بقا؟.
أنت تقرأ
نوفيلا /الوصية الحمقاء
Short Storyهي: المعنى الحرفي للغرور و التكبر ترى الناس من أسوار عالية. بينما هو على النقيض تمامًا فهو مهندس فقير يسعى لستر شقيقاته و والدته فقط، تجمعهم الوصية مرة أخرى ليعيشوا قصة عجيبة، تُرى ماذا سيحدث معهما؟!