"4"

223 20 7
                                    

برفق وحرص...طرقت باب مكتبه الخشبي العتيق...
حتي جاء رده بصوت غليظ كالعادة:

-اتفضل..

فتحت الباب ودلفت منه ملقيا التحية...فنظر لي من خلف نظارته وألقى بقلمه الذي كان يمر به على بعض المستندات...ثم قال:

-ازيك يا "طارق"..اتفضل اقعد..

صمت لبرهة حتى جلست...ثم قال:

-هو..."ممدوح" اداك الظرف؟

-اه اداهوني وقريت جواب الاستدعاء اللي كان جواه...بس في الحقيقة كان في حاجة غري..

لم أكمل الكلمة حتى وجدته يقوم عن كرسيه ويذهب قاصدا الباب...قام بفتحه وأخرج رأسه منه ناظرا يمينا وشمالا كأنه يتأكد من عدم وجود شخص في الخارج قد يسمعنا...بعدها أوصد ذلك الباب جيدا وعاد إلى كرسيه...

ثم نظر لي بجدية وقال:

-أنت طبعا كنت جايلي عشان تقولي أن الجواب فيه خطأ مطبعي وان اسم المستشفى مكتوب غلط لان مفيش مستشفى بالاسم دا...صح؟

نظرت له باستغراب وقلت:

-أنا فعلا كنت جاي عشان كدة...بس أنا مكنتش فاهم هو ازاي جواب رسمي مهم زي دا يكون فيه خطأ مطبعي...وفي اسم مستشفى كمان؟!

خلع نظارته وألقى بها على المكتب ثم استند بظهره إلى الخلف وبدأ في الحديث:

-دا عشان الجواب مفيهوش أي خطأ مطبعي من الأساس!
ايوة متستغربش..."القبة" دا اسم مستشفى حقيقية وموجودة فعلا...بس محدش يعرف بوجودها الا ناس قليلة جدا يتعدوا على الصوابع...حتي انا نفسي مكنتش أعرف عنها حاجة لغاية ما جالي جواب الاستدعاء بتاعك...دا لأنها مستشفى بطبيعة سرية...جدا...

بدأت التساؤلات تطرح نفسها بداخل عقلي...

ما الذي يقوله هذا الرجل؟

أيوجد شئ يسمى مستشفى سرية؟

لماذا؟

أخذت أتساءل وأتساءل...حتى جاء رده قاطعا لكل تلك التساؤلات:

-طبعا انت دلوقتي بتسأل نفسك اية هي "القبة" دي واية السبب انها تبقى سرية كدا...هو انا في الحقيقة اللي اتقالي مش كتير...كل اللي أعرفه انها مش مجرد مستشفى عادية زي باقي المستشفيات...والحالات اللي فيها مش حالات لمرضى نفسيين عاديين زي اللي بنشوفهم كل يوم في المستشفي...واتقالي كمان ان الحالة 101 اللي انت رايح عشانها دي من أخطر الحالات اللي عندهم...
بس كدة...دا كل اللي أعرفه عن الموضوع وأديني قلتهولك...الدور والباقي عليك أنت...وطبعا انت عارف هما اختاروك انت بالذات ليه...

رمقته بتعجب وقلت ببعض من السخرية:

-أنا بصراحة مش فاهم أي حاجة من اللي انت قل..

قاطعني:

-متقلقش...هما قالولي انك اول ما تروح هناك هتفهم كل حاجة...بس أهم حاجة تاخد بالك من نفسك...لأنه زي ما هو واضح من كلامي...المكان هناك مش أمان...

قالها ثم بدأ يشرح لي عنوان المستشفي بالتفصيل...لكني في الحقيقة كنت قد شردت عنه تماما...

فعقلي لم يستطع استيعاب الأمر بعد!

ولكن على ما يبدو أني علي وشك بدء تحد جديد...يستحق التجربة...

************

في الصباح التالي...
ومن فوق منضدة غرفتي...
التقطت مفتاح السيارة والهاتف...ثم اتجهت نحو باب الشقة حاملا حقيبتي السوداء...أدخلت المفتاح في الباب ونظرت ل"سلمي" التي كانت جالسة على الاريكة تتصفح هاتفها ثم أعدت نظري مره اخرى للباب وقلت:

-أنا غالبا هتأخر النهاردة عشان عندي استدعاء لمستشفى في "الجيزة"..

قالت وهي مستمرة في تصفح هاتفها ذاك:

-ماشي بس حاول متتأخرش...ربنا يعينك..ويهديك..

ابتسمت:

-ان شاء الله.

خرجت من الشقة وكلي حماس لرؤية تلك الحالة...فحياتي قد أصبحت مملة في الفترة الأخيرة خالية من أي إثارة...ركبت السيارة وأدرت المحرك...ثم أمسكت الهاتف وحددت وجهتي على الخريطة...انه العنوان الذي تقبع فيه..."القبة"...

الحالة 101حيث تعيش القصص. اكتشف الآن