#3

85 9 8
                                    

كيم جونميون:
”الحياة لا تمنحنا متسعا للتفكير، إنها تضعنا دائما أمام خيارات مبهمة وتترك لنا فرصة الاختيار بين طريق مغلق وطريق أكثر انغلاقا.. هكذا كانت دائما معي لم تمنحني أبدا خيارات أقل تعقيدا، إنها تمتحنني دائما بالأشياء المربكة والمجهدة، تستنزفني حتى آخر نفس ثم تتركني أصارع اختناقي وحيدا گعهدِها بي وعهدي بها دوما.

لست أدري لماذا كانت تحذوني هذا الصباح وأنا في طريقي لمقابلة الآنسة تشوي، دعواتي أن يتم إنهاء أمر هذه الزيجة نهائيا من طرفها، لأنني تعبت من محاربة أبي في كل الخيارات والقرارات، ظننت لوهلة أنها لن تكون لئيمة في حق نفسها للحد الذي ستوافق فيه على الزواج من رجل لا تعرف عنه سوى اسمه، أن تتورط في علاقة ورقية لخدمة مصالح مشتركة وهي تدعس بقلب بارد على مشاعرها وطموحاتها، وتضرب بإرادتها الحرة عرض الحائط وهي تذعن -مثلي- لطلب والدها تحت سوط المرض وخوف الخسارة.
ظننت -أنا الذي تخيب ظنوني دوما- أنها ستكون امرأة محاربة بحكم خلفيتها كامرأة أعمال، امرأة تملك الشجاعة لقول "لا"، تلك الشجاعة التي لم أعد أملكها منذ خرجت من طفولتي عاريا من كل عباءات القوة، أنا الرجل الضعيف الذي باتت تكسره ذكرى وتُفنيه عن آخره أتفه خيبة أخرى.
لكنني لم أتفاجئ مطلقا بدحضها لكل توقعاتي وتحطيم كل الآمال التي بنيتها حولها وعليها، على العكس تماما، كنت سأتفاجئ جدا وربما يغمى عليّ إن هي وافقت توقعاتي ولم تخيب ظني بها، ما كانت الحياة لتمنحني رفاهية كهذه أبدا.
الدهشة.. ترف ليس في متناولي، بحكم معرفتي بالحياة وخبرتي بها أعرف جيدا ماذا سيحدث وكيف سيحدث سلفا، أعني.. أشعر به.. هكذا.. شيء كالحاسة السادسة أو الحدس.. لست أدري، ليس تنجيما أو قراءة كف أو فنجان.. لا أبدا.. لكنه شيء بيني وبين الحياة أعرفه جيدا وتعرفه هي جيدا، اليوم الذي ستدهشني فيه الحياة بشيء لم أتوقعه سأبدأ فيه إيمانا يقينيا بوجود الله والقدر.

”تلك هي الآنسة تشوي الشهيرة إذن..“
كانت تمشي جواري وتجلس قبالتي في كامل ثقتها بنفسها، تلك الثقة التي يبدو أنها اكتسبتها من الوقوف طويلا أمام مرآتها ومحاولة محاكاة الموقف والتدرب على هذا اللقاء، أجل .. لم تكن أبدا تلك ثقةً تكتَسِبُها من الحياة، لكن.. هل كانت لتَخفَى عني تلك الرعشة التي تلبست ساقيها طوال السويعة التي قضيناها معا؟ ربما تكون قد بحثت عني طويلا وهي تحاول الوصول إلى ثغرات تتسلل منها إلي لغايةٍ في نفسها يستعسر عليّ إدراكها في الوقت الراهن، لكن ما كان بإمكانها أن تعرف أبدا كم أنا رجل يقرأ الجسد حرفا حرفا وحركة حركة، جسدٌ يفضح توترها في رعشة الساقين المتواريين خلف تنورتها القطنية الطويلة، ويكشف لي مواطن خوفها وقلقها في بحيرات الدمع الراكدة في عينيها.
وهي تحدثني.. كان الدمع على وشكٍ وكانت تداريه بتحريك خصلات شعرها تارة و بتحريك الملعقة في فنجان الشاي تارات أخرى.
لا أدري لِمَ هي خائفة تحديدا، لكنني أكاد أجزم أنّه لا علاقة لموضوع الزواج بالأمر، خلف هذا الخوف والقلق قصة أعمق ويجب عليّ معرفتها الآن.
لذلك اتصلت بتشانيول، يملك تشانيول العديد من الأصدقاء الذين يعملون في أسلاك الشرطة والإدعاء ومكاتب التحقيق، طلبت منه أن يبحث لي عن كل شيء يتعلق بها، عن تفاصيلِ التفاصيل المتعلقة بحياتها، ضحك ساخرا وهو يجيبني:
- حسنا لكن لماذا؟
- محاطة بشيء ما يخيفها ويخيفني..
- وما علاقتك بالأمر، ألم تكن ذاهبا لتضع حدا لكل شيء قد يجمعكما.
- لقد تغير الأمر..
- ماذا؟؟؟
- سنتزوج.. في أسرع وقت ممكن.
صرخ بي حتى شعرت أنه يمسك ياقتي من خلف سماعة الهاتف:
- أجننت؟ يارجل أنت محبط أنا مدركٌ لهذا، لقد كنتَ كسير علاقة منذ أشهر قليلة، أعني..أفهم جيدا أنك تريد تجاوز "آيرين"، لكن ليس هكذا يا صديقي، لا تخرج من فجوة لتعلَق في أخرى.
ابتسمتُ لاهتمامه الجميل وأنا أستمع لنصائح هذا الفتى الذي كان طائشا طول عهدي به، كيف صقلته الحياة ليصبح هكذا؟.. أجبته والابتسامة لا تزال معلقة على شفتي:
- لا علاقة للأمرين ببعضهما البعض صدقني، بلقائها.. أردت فقط أن أتأكد من أنها موافقة على هذا الزواج ليس إلا، لقد كنتُ أحارب على جبهة واحدة والآن تأكدتُ أنه سيتوجب علي المحاربة على جبهة أخرى ولا طاقة لي بذلك، سنضع شروطا وسنمضي قدما. ليس وكأننا سنموت من زواج ورقي على حد قولها.
تنهد وهو يجيبني:
- يبدو أنك أدرت الأمر في رحا عقلك حتى طحنته، وأنت بصدد عجنه الآن؟
- تماما..
- مبارك يا صاحبي.. آمل أن تجد ضالتك أيّـاً ماكانت هذه المرّة.
ابتسمت مجددا:
- شكرا لك..
وقبل أن أغلق الخط تذكرت فجأة الموضوع الأهم الذي اتصلتُ من أجله، صرختُ بتشانيول لأدركهُ قبل أن يغلق:
- مهلا..
- ماذا؟
- جِدْ لي بيكهيون إن كنتَ متفرّغا، أتصل به منذ ساعات وهاتفه مغلق، جدْه وأحضره إلى المقهى، لدينا ضيف ستسعدكم رؤيته.
- من؟؟
- دعني أفاجئكم به هذه المرة.
ضحك خلف سماعة الهاتف:
- المفاجآت لا تأتي فرادى
ضحكت بدوري:
- إنها المصائب أيها الأحمق.
- أليست مفاجآتنا كلها مصائب أساسا؟ الأمر سيان إذن..
ضحكت مجددا:
- أنت محق جدا هذه المرة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 29, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Penser !بانسيهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن