4 نِيسان.

268 12 25
                                    


————————————————
1982

أنت شُعوري الأول في مَفهوم الحُب ، أنت كُل شغفي

28


كَان يوماً بارداً من أيام نِيسان بِسمائه الصافية ، وكانت الساعة تُشير إلى الواحدة بعد الظُهر ، عِندما كان لَاورد ينسّل مُسرعاً عبر الأبواب الزُجاجية لِمبنى الوريث ، ولم يحل إندفاعه السريع دون دخول دوامة من الريح المحمّلة بِذرات الغبار.

كان الممر الذي يجتازه عابقاً بِروائح الخُضروات المسلوقة والفرش المهترئ ، وعند نهاية هذا الممر عُلّقت صورة ملونة ذات حجم كبير لا يتناسب مع مثل ذلك الممر الضيق، وكانت تمثّل وجهاً ضخماً يربو عرضه على المتر، وهو وجه رجل في الخمسين من عُمره ، ذو قسمات جميلة وإن كانت لا تخلو من خشونة وصرامة، ويبرز فيه شاربان أسودان كثّان.

مشى لَاورد بإتجاه السلالم لِلصعود ، فَ المصعد نادراً ما كان يعمل، إما بسبب عُطل وإما لإنقطاع التيار الكهربائي معظم ساعات النهار ، إنسجاماً مع خطة توفير الطاقة إستعداداً لفعاليات " أسبوع الكراهية ".

كانت الشقة التي يقصدها لَاورد في الطابق الخامِس وكان عليه أن يصعد سُلماً طويلاً، ولأنه في الثانيه والثلاثين من عُمره ويشكو من دوالٍ فوق كاحله الأيمن، فقد راح يرتقي درجات السلّم بخطى وئيدة متوقفاً للإستراحة عدة مرات، وعند كُل منعطف من منعطفات السلم الخمسة ، وعند كُل محطة من محطات المصعد وبمواجهة الباب، كانت تنتصب صورة الوجه الضخم لِتحدق في كُل وجهٍ قادم.

إنها واحدة من تِلك الصور المرسومة على نحو يجعل المرء يعتقد أن العينين تُلاحقه أينما ذَهب، وكان يُوجد أسفل تلك الصورة عبارة بارزة تقول " الملك العظيم معك ".

عندما دخل لَاورد إلى الشقة سمع صوتاً يسرد قائمة أرقام تتعلّق بإنتاج الحديد الخام، وكان الصوت ينبعث من لوحة معدنية مُستطيلة الشكل تُشبه مرآة معتمة معلّقة على الحائط الأيمن، أدار لَاورد مفتاحاً فخفتت حدة الصوت قليلاً وإن ظلّ الكلام واضحاً كان بِمقدور لَاورد تخفيض صوت هذا الجهاز والذي كان يُسمى
" مِذياع الرصد " ، ولكن لم يكن بوسعه إيقاف تشغيله بِشكل تام.

إنتقل لَاورد نحو النافذة بِجسمه النحيل الذي زاد من نحيله الزّي الأزرق، وهو لِباس الحزب، وكان شخصٌ طويل القامة وشعره مائلاً لِلأسود الممزوج باللّون البني و وجهه الغير مألوف بِملامحه، أما بشرته فَكانت شبه خشنة إثر برودة فصل الشتاء الذي قد شارف على نهايته.

وعلى الرغم من أن زجاج النافذة كان مُوصداً، فقد كان الجو خارجها يبدو بارداً، وفي الشارع كانت زوابع الرياح تثير الغبار والأوراق المُمزقة المتناثرة فتتصاعد لأعلى في أشكال حلزونية، و رغم أن الشمس كانت ساطعة والسماء داكنة الزرقة فقد بدا كما لو أن كُل الأشياء قد طمس لونها بالنسبة إلى لَاورد، ما خلا تِلك الصور التي كانت معلّقة في كُل مكان، فمن كُل زاوية كان ذلك الوجه ذو الشارب الأسود يطل محدقاً في أوجه المارّة.

1982حيث تعيش القصص. اكتشف الآن