الفصل السادس

97 17 13
                                    

*        *         *           *            *            *          *        *

فتحت عيني و أخيرا , تسللت لعيني أشعة الشمس من النافذة , قمت من سريري و فتحت النافذة فاستقبلتني الشمس ببهائها الجذاب فتنبعث أشعتها لتبعث بالدفء في كل الوجود حينها تغرد كل الطيور وتصحو الورود وتتفتح كل الأزهار وتسقط كل قطرات الندى من الأوراق هكذا يبدو لنا هذا الصباح الجميل حينها يبتسم النهار بإشراقته المنعشة فتبدأ معه الحياة وتعانق خيوطه كلّ أرجاء السماء.

- عهد هل بإمكاني الدخول ؟؟       أتاني صوت أمي من الخارج تطالبني بالدخول فأجبتها :

- طبعا حبيبتي تفضلي .

- صباح الخير يا وحيدتي الجميلة , هل نمت جيدا ؟

- صباح الخير عزيزتي .نعم كأنني نمت ل100 سنة أو أكثر .

أجبتها و قد قفزت لسريري لأستلقي قليلا ..


تنحيت جانبا لتنام معي , استلقت بجانبي و غطت نفسها باللحاف , دفنت رأسي تحت الوسادة في صمت بينما هي أغمضت عينيها , و كان هذا من حسن حظي لأنني بدأت بالبكاء . هل حصل و كنتم يوما مع شخص تحبونه بشدة و تعتبرونه مصدر وجودكم و سعادتكم و فجأة قفزت لأذهانكم واقعة الحياة بأن هذه السعادة ستكون مجرد ذكرى لن تعود ... أفكر أنا أنها ستموت و هذه اللحظة الصماء الخالية من العواطف بالذات , ستكون لي كذكرى مؤلمة عندما أدخل لفراشي و أتذكرها و تعلق في أنفي رائحتها و تطن أذني بدقات قلبها الدافئة , دائما ما أحمد الله على وجود عائلتي بجانبي , فهم مصدر إلهامي و سلم نجاحي , هم أغلى ما أملك , أتمنى من الله أن يطيل في أعمارهم و يرزقهم الفردوس الأعلى ....


إحتضنتها لمدة طويلة , كان ذلك من أجمل الاشياء في أمي , عندما تحتضنها لن تتركك حتى تترك أنت أولا , تعطيك الوقت الذي تحتاجه وتحتويك بكل جوارحها , تغمرك بدفئها , تتخذ ضلوعها درعا لك لتحميك, كانت تعلم أن حضن الأم هو أكثر من مجرد أجساد تتحد ....

- هيا صغيرتي , انهضي لتتناولي معنا الفطور , والدك سيهاجمنا إن تأخرنا أكثر . قالت أمي بصوت طفولي مازح و ضحكت ...

ضحكت أنا أيضا و قد غمرتي السعادة فهو شعور جميل أن تحاط بأشخاص يهتمون لأمرك و يحبونك دون مقابل فقلت :

- حسنا , أنا قادمة ...

دخلت المطبخ و سلمت على أبي , أخذت أصب فنجانا من القهوة , تلك الحبيبة المؤنسة في الوحدة , داكنة اللون هي صنعت لتمنح الصباح دلاله ، مستقرة في فنجان أبيض على حافة شباكٍ تحاكي برودة الشتاء بدفئها ، وسماوية المطر وعذوبته بمذاقها، يراها المحبُّ دواء للهوى والحنين و الذكرى ، نكهة متجددّة ليس لك أن تملّ منها وإن أضحت عادة صباحية تمارسها كل يوم ، فهي مفتاح الصباح الذي تَكفُّ عقارب الوقت عن الحركة دونه .

كان أبي يقرأ جريدته كالعادة في صمت , لا زلنا نبحث عن عامل ليعمل في مكتبتي , لقد أفنى أبي حياته ليتمكن من شراءها لي , كانت من أجمل الهدايا و أقربها لقلبي , اقترحت عليه أن يضع إعلانا في الجريدة الوطنية و يكتب رقمه تحته ليتصلوا به في حال احتياجهم لعمل , فرحب بالفكرة و خرج على الفور ليطبع الإعلان على الجريدة . بينما أنا جلست في البيت مع أمي فهي فرصة من ذهب بالنسبة لها مدام اليوم هو يوم عطلتي , يا إلهي أفكر فيما ينتظرني من الأعمال الشاقة ...


تقاسمنا أنا و أمي أعمال المنزل فأخذت أنا أعمال المطبخ و غسل الأطباق بينما هي أخذت التنظيف و ترتيب الغرف , أكره الترتيب و التنظيف فهو شيء ممل جدا على عكس الطبخ أحس كأنه نوع من أنواع الفن و اظهارلمهارات الابداع فعندما تتقن فن الطبخ .. أنت حتماً تعرف كيف تعد مائدة حياتك وكيف تطهو رغباتك... متعتك تبدأ بالإعداد للمتعة ... من إحضار لوازم أطباقك ومد مائدة إنتظارك .

بعد ساعتين اقبل أبي فألقى التحية علينا و أخبرنا أنه أنهى عمله ووضع اعلانا في الجريدة الوطنية لكنه بدا لي مستاءا قليلا فقد سمعته يقول لأمي أنه لم يضع أجرا مرتفعا لنقصه المادي وأنه مرتاب من اعلانه بأنهم لن يتصلوا لقلة الأجر . كنت أعلم أن هذاسبب إستياءه  فشجعته و تأملنا خيرا , أنا متأكدة أنهم سيتصلون لا تقلق أبي  ...                                                          


و شاءت الأقدارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن