-٢-
مثل أي شيء، انضممت إلى ركب الاحياء في هذه الدنيا، كان ولوجي إلى الحياة روتينًا في هذا الكون الفسيح، غير أنه كان مميزًا بالنسبة لي، غريبًا ومليئًا بالدهشة، وقفت على عتبات النور الذي تسلل إليّ عبر شق صغير، خطف الذهول أنفاسي وعشت لحظة لن تتكرر، تدفقت الحياة في عروقي ودبّت في أطرافي، حينئذ خرجت من نتوء بارز على أمي الشجرة، خضراء مشرقة اللون غضة الجسد؛ كأي ورقة شجر حديثة العهد بالدنيا.
قد خطّ القدر في صحائفه لي نهاية تسمى الذبول، يتجعد جسدي ويصفّر حينًا بعد حين، أفارق أمي الشجرة مؤدية بضع رقصات في الهواء، حتى يتركني مراقصي_الريح_ أسقط على الأرض دونما حيلة.
نسائم الخريف دافئة، جسدي يتحرك بخفة من مكان إلى آخر ، على هذا الثرى وهذه الأرض التي نبتت بها أمي، كان مثواي الأخير، رقدت بأسى على التراب أراقب صديقاتي اللاتي كان حالهن حالي، مستسلمات لنهايتهن، كانت حياتي بضع أيام، فصل من الدنيا لم يصل حد الرواية، ربما كانت عادية كحياة أية ورقة شجر لكنها كانت فريدة بالنسبة لي، أحببتها بكل لحظاتها أسوأها وأجملها.
أخبرتني أمي ذات يوم أن الأشجار تحمل ذكريات الكائنات، يمر عليها الكثير من الأحياء ويتركون تخت ظلالها أثرًا، وتبقى هي راسخة في مكانها على مرِ سنين، حتى البشر يأمنونها، كم من شخص همس بأسراره تحت ظل شجرة لأنه يعلم أن الأشجار خير من يحفظ السر.وأنا ورقة الشجر التي لم تبلغ من العمر شهرًا، أود أن تبقى حياتي في ذاكرة الشجر، لا أريد أن أنسى وأنا أمُرّ على الدنيا كأي ورقة شجر عادية، أريد أن أكون مميزة ولو في الذكرى؛ لتتذكرني الأغصان، الأوراق الباقية، الأزهار الوردية، أمي الشجرة؛ أودع هذا الثرى هذه الأمنية الأخيرة لعلها تسري في جذور أمي كما يسري الماء.
^-^
أنت تقرأ
خضراء أوْرَقت
Krótkie Opowiadaniaذات يومٍ أَوْرَقت، واكتمل بهائها حين طلعت، ثم في خريفها الأول ذبُلت. _قصة قصيرة. بدأت: ٢٣/أغسطس/٢٠٢١م _مكتملة