-٤-
قد خرجتُ من مشهد الحياة إلى مشهد الذبول، في ليلة من ليالي الخريف الدافئة، داهمني كائن فتاك كان سببًا في نهايتي.
كان غزو الديدان مخيفًا لوريقات الشجر أمثالي، ما إن حلّ الخريف حتى بدأت الديدان تزحف على الأغصان، كنت استمع إلى أخبار جاراتي اللائي فتكت بهن الديدان ويصيبني الهلع من أن أكون التالية، لم أتخيل ولو للحظة أن يحصل ذلك وبكل تلك السرعة.
كنتُ قد غفوت تلك الليلة بعد أن أرهقني السهر خوفًا على مصيري، لم يتحمل جسدي اللين تعب النهار والليل فغفوت؛ حتى أيقظتني اهتزازات أخي الغصن، كان يهتز بشدّة وكأن الريح تعصف، أفقت مرهقة بالكاد أرى ما حولي، وجدت شيئًا أخضر يقف أمامي، رؤيتي لم تكن واضحة فخِلته ورقة شجر مثلي لكن لا ورقة شجر نمت إلى جواري!
وحين أبصرت بوضوح وجدت دودة خضراء تنصب جسدها أمامي، مكشرة عن فكيها وعلى استعداد تام لتنقض عليّ، بدت جائعة وشرسة.
جزعت وأرعبني ذلك الهجوم المباغت، وفي نفسِ الوقت لم تكن لدي حيلة لأنجو سوى الانتفاض علّها تبتعد، أخي كان يهتز مثلي ويحاول إنقاذي من براثنها لكنها قوية ومثابرة ، وبعد حين من الخوف والهلع، سقطت مهاجمتي على الأرض بعيدًا عني، وأشرق عليّ الصباح وأنا مثقوبة الجسد.الخريف لا يرحم أحدًا وفي نفس الوقت يأتي ليمنح الحياة، خامس أيامه كان يومي الأخير إلى جوار أمي الشجر، اصفرّ جسدي وسرّت في علامات الكِبر، صار جسد هشًا ولا يقوى على التشبث بأمي، فسقطت، فارقت أمي الشجرة وعِشت شيخوختي باكرًا، على نفس الأرض التي أنبتت أمي ذات يوم.
لم يكن ذلكَ إلا روتينًا آخر، شيئًا ثابتًا يحصل على مرّ الفصول، تتخلى أمي عن أورقها القديمة لتحظى بالجديدة، لم يُحزن ذلك أحدًا بقدر ما أحزنني، كانوا يؤمنون أن كل شيء بحاجة للتجديد؛ لكنني لا أحب أن أكون مجرد عابرٍ في حياة أمي، لطالما راعتني تلك القصص التي ترويها لنا عن حياة البشر وكيف أنها تخلد في الكتب لتبقى، هل هم الوحيدون الذين يستحقون أن تسطر وقائع حياتهم؟ لماذا لا تخلد حيوات بقية الكائنات أم أنها ليست مثيرة لتعيش رغم السنين؟ إنها أمنية عابثة لا طائل منها سوى الأسى، سأبقى ورقة شجر عرجت على الدنيا لتؤدي غاية محدودة، ولست كالثمرة التي ساعدت حتى البشر.
وكأن أمي شعرت بحزني لحظة أن ذوى جسدي على الأرض وأوشكت الزوال، ناظرتني باسمة وانحنت لتهمس إلي: " كُنتِ ولا زلت ورقتي المفضلة، الفضولية التي تبحث عن إجابة كل شيء، حتى وأنتِ ذابلة على الأرض لا أزال أرى الحياة تسري فيكِ، أنتِ ابنتي التي أتمنى أن أراها حين بعد حين، لترقدي بسلام أيتها الخضراء "
عَمْتِ السكينة قلبي، وغادرني الأسى.《كانت أختي ورقة شجرٍ معطاء، محبة ومتعاونة، لطيفة مع الجميع حتى إذا استبدت بها غيرتها، لم تزعجني يومًا أحاديثها الكثيرة وفضولها المفرط، كانت نقية كقطر الندى الذي يزينها كل صباح، مسالمة كلونها المشرق، كُنتُ أعلم أنه في يوم ما وفي ساعة ما ستفارقنا كما فارقتنا قبلها المئات من الوريقات، جهزتُ نفسي لذلك اليوم، لكنه عندما حلَّ كان قاسيًا ومحزنًا، كانت تنبض بالحياة حتى وهي ذابلة، لم أحزن على ورقة شجر قبلها بقدر ما حزِنتُ عليها، تمنيت أن ليتها تبقى لكنها سُنة الحياة، لو أنني أقدر أن أفضيها حديث مرة أخرى فسأثرثر وأخبرها كم أنها ورقة شجر لا يكررها الزمن ولن تجود الحياة بمثلها مجددًا 》
أنت تقرأ
خضراء أوْرَقت
Cerita Pendekذات يومٍ أَوْرَقت، واكتمل بهائها حين طلعت، ثم في خريفها الأول ذبُلت. _قصة قصيرة. بدأت: ٢٣/أغسطس/٢٠٢١م _مكتملة