قبل مواقع التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية،
قبل الحياة السريعة وحركة النسوية الحديثة،
قبل انحدارِ الذوق العام، وقبل شعور الفتاة بالخجل من إظهار أنوثتها وقبل شعور الشاب بالخزي لإبراز رجولته،
عاشت هي.
رواية قصيرة تقع أحداثها في فترة الخمسينات الم...
"هيا عزِيزتي، هيا أسرعي حتّى لا تفوتكِ الحافلة." حثتّها كوثَر بينما تضع بحافظة طعامها الجلدية زجاجة مياه مع فطائر الجُبن وتُناولها قُبعتها لتحتمي من الشمس.
"حاضِر يا كوثَر، ولكِن لمْ أقُم بتحضير الفطور لأبي!" قالت زهرَة بقلق بعدما توقّفت واستدارت لكوثَر. "لا تقلقِي يا زهرَتي، فطور والدكِ سيصله حتى طاولة الطعام." غمزَت لها كوثَر مما جعل زهرَة تهز رأسها بيأسٍ.
استندَت زهرَة برأسها على نافذة الحافلة تُفكر بكَم المرح الذي ستحظَى به مع زميلاتها. خطَرَ ببالِها الأستاذ بَدر وحديثهُما بالأمس، رغم أنّها كانت مُحادثة قصيرة إلّا أنّها استمتعت بحدِيثه. ولكنّها تعجّبت، كيف كان لطِيفاً ومُهذباً معها بينما يكُون هادِئاً وجاداً بين الطُلاب. تنهّدت تُبعده عن أفكارها وأخرجَت كتاباً للشعر العربِي لتقرأه.
نظرَت للجانِب بذهُول لترى الأُستاذ بَدر واقفاً بجانب مقعدها، بعدما استرَدّت تركيزها، لاحظَت أنّها كانت تستنِد بيدها على المقعد الذي بجانبها، لذا لمْ يتمكّن من الجلوس.
"هل سنتحدّثُ بأبياتِ الشعر الآن؟" نظرت نحوهُ بمكرٍ لطِيف ولكن لمْ تتمكّن من التخلُص من حُمرة الخجل التي كسَت وجنتَيها.
"سيُسعدني ذلك، فـلو على الشِعر، لدَي من الأبيات الكثِير لوصفِكِ يا زهرَة." كان ينظُر لعينيها مع تلك الابتسامة التي لاحظَت للتو أنّها تُذيب عظامها فتغدو هُلامية، أبعدَت نظرها عنه لتنظُر خارج النافذة نحو كُورنيش النهر الهادِئ في وقت الصباح.
بعد دقائق كانوا قَد وصلوا للجامعة حيثُ تجمّع الطلبة في انتظار الحافلة التي ستقلهم. أسرعَت عزِيزة نحو زهرَة تسحبها من جانب الأُستاذ بَدر، ولم تسلَم زهرَة من مُضايقات عزِيزة لها ولِما وصلَ كلاهما معاً.
وصلَت الحافلة أخيراً إلى المُنتجع وتوجّه الجميع إلى الحديقة العامة لإقامة نُزهة، أخذَ الجميع يفرِش الملاءات على العُشب القصير وتُرتب الفتيات الطعام والفاكهة. كانَ الجَو عليل وأوراق الأشجار تتراقص بخفّة مع النسيم، لحُسن الحَظ لمْ تكُن الشمس حارة للغاية حيثُ أنّ الطقس كان خريفاً.
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.