ألم ذلك الحسين

18 2 0
                                    

- انهم لن يدعوني اعيش بسلام.. انهم يريدون الفتك بي، حتى لو تعلقت بأستار الكعبة.. انهم يطلبون مني شيئا عظيما. هل رأيت النخيل ينحني أو الجبال؟ هیهات .. هيهات.
- ولما العراق؟.. أليس هناك مكان آخر؟ العراق الذي قتل أباك واغتال اخاك، وسلم المنبر لمعاوية ...
.ولم الذهاب الآن.. ألا تمكث قليلا.
- إن لم اذهب اليوم ذهب غدا، وان لم أذهب غدا ذهبت بعد غد، وما من الموت والله بد.. وإني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه.
تنبعث من الارض اسئلة.. تتفجر علامات استفهام سرعان ما تتلاشى أمام كلمات سماوية كأنها تأتي من وراء استار الغيب.
ينظرون فلا يرون سوئ بیارق اموية.. سيوفا تقطر غدرة وخناجر مسمومة.. اما هو فيرى  ينابيع تتدفق.. انهارا وسواق.. انه يرى ما وراء الآفاق.. يرى المستقبل القادم من رحم الأيام.
عجيب أمر هذا الرجل. يحاول أن يلوي القدر. أن يقهر كل شياطين الأرض. أن يهزم نظام مدججا بالسلاح.. كيف؟؟
بقافلة صغيرة.. سبعين أو يزيدون.. اطفال ونساء.. وتصغي الصحاري لكلمات متمردة ثائرة.. كلمات تختصر النبوات.. تبدأ
بسم الله مجراها ومرساها...
هذا ما أوصى به الحسين بن علي الى اخيه محمد بن الحنفية. ان الحسين يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.. جاء بالحق من عنده.
وان الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها. وان الله يبعث من في القبور.
واني لم اخرج اشرة ولا بطرأ ولا مفسدة ولا ظالمة، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي.
أريد أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر، وأسير بسيرة جدي، وأبي علي بن أبي طالب.
فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين...
انطلقت الثورة وصدر بيانها الأول. أسلحتها الصبر والمقاومة والموت. الموت سلاح.. بل حياة.. حياة.. كيف؟
اجل.. إن من يموت كريما سيحيا.. سيحيا إلى الأبد.. هكذا علمني أبي قال على شاطئ الفرات بصفين:
الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين.
قصر الإمارة يجثم فوق الكوفة.. نسر هائل جاثم على فريسته.. غراب اسطوري ينعب فتطير الرؤوس وتطيح الايدي..
ذئاب جائعة تعوي من بعيد.. وكلاب مسعورة تنبح.. وليل حالك مليء بالاسرار والغموض.. ورجل ارقط مجهول النسب اسمه ابن زیاد بن ابیه.. ابن الليلة الماجنة. الرجل الأرقط بدا مفزعة تلك الليلة.. شیطانا مريدا يفكر ويدبر، فقتل کیف فکر.. يتشبث بمخالب نسر.. يهدد بجنود قادمين من الشام.. فتطيع القبائل، وتنحني الرقاب.. وتتساقط الرؤوس...
التفت نحوهاني بن عروة، وصرخ بعصبية: | - اتيت بابن عقيل الى دارك، وجمعت له السلاح؟ قال هاني بثبات: - أفضل لك أن تمضي الى الشام، فقد جاء من هو احق بالامر منك
قال هاني بثبات:
- أفضل لك أن تمضي الى الشام، فقد جاء من هو احق بالامر منك ومن صاحبك.
وتفجر ابن زیاد غضبة - والله لا تفارقني حتى تأتيني به. وجاءه الجواب هادئا ثابتا ثبات الجبال: - والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه. - لأقتلتك.
اذن تكثر البارقة حولك. هجم الأرقط على زعيم «مراد» وجره من شعره، وسدد له ضربة هشمت أنفه.
یا کوفة.. يا مدينة عجيبة... ايتها الغانية اللعوب.. یا مومس ترید كل يوم بعلا.. لم تضيعين ابناءك؟ این مسلم ايتها الغادرة؟!..
خيول الدوريات تجوس المدينة الخائفة. الخائنة. يبحثون عن رجل مكي مدني اسمه مسلم.. مسلم حقا
- لم يبحثون عنه؟
- انه يحمل اشیاء ممنوعة.. اشياء خطيرة. يحمل سيفا علوياً.. وقلبا حسينياً
.. يريد تهريب الثورة.. - في هذا الليل والناس نيام؟! |
العيون الحمراء ترقب المدينة.. ومسلم في بيت طوعة.. رجل انقطعت به السبل، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولا ملجأ له سوی مهند في يمينه.
وطوعة.. المرأة العجوز.. تتأمل اسداًجريحا من ليوث محمد.. يقبض على قائمة سيفه. لقد طلع الفجر، و آن للنهاية ان تبدأ.
- انهم كثيرون.. مئة أو يزيدون.
- لا عليك يا أمة الله. لقد حان اللقاء. رأيت عمي امير المؤمنين - في المنام - يقول لي: انت معي غدا...
اقتحمت الذئاب منزل طوعة، ولمع السيف العلوي كبرق سماوي.. ودوی رعد مهيب له صوت مسلم
اقسمت لا أقتل الا حرا وإن رأيت الموت شيئا نكرا
الرجل الغريب القادم من رمال الجزيرة، يقاتل لوحده في المدينة المشهورة بالغدر، والرجال الذين ابتسموا له بالأمس یکشرون عن انیاب مسمومة.. ملوثة بالصديد.
وصرخ «ابن الأشعث» مستمد - الرجال.. الرجال. ويستنكر قصر الامارة:
-ويلك انه رجل واحد.
- اتظن انك ارسلتني إلى بقال من بقالي الكوفة!.. انه سيف من اسیاف محمد.
وعجزت السيوف أن تكسر سيفه.. والرجل مايزال يقاتل.. يقاتل بضراوة اسطورية.. الجراح النازفة.. الظمأ.. الاعياء.. غامت المرئيات أمام عينيه.. وتوالت الطعنات.. طعنات الغدر. الخناجر المسمومة تنغرز في جسده. وتهاوئ الجبل. الارادة الفولاذية عجز الجسد عن مواكبتها. تراخت قبضته. ولما انتزعوا سيفه بکی. وتعجب الذين حوله.. لم يدركوا سر البكاء.

الم.. ذلك الحسين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن