الم ذلك الحسين

18 2 0
                                    

ادعوك محتاج وارغب اليك فقيرا، صبرأ على قضائك يارب لا إله سواك.
الحسين ينوء بنفسه. الروح تتسرب من أفواه الجراح.. تغوص في الرمال.. تبتها اسرار توقظ فيها مدنا ثائرة.
ماذا يفعل الفرس؟ لم يدور حوله؟ يلطخ ناصيته بدمه.. يشمه.. يصهل بغضب.. ينادي: الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها.
صرخ ابن سعد بالقبائل:
- دونكم الفرس فإنه من جياد خیل رسول الله. فدارت به الخيل.. اخذت عليه الطرق. الفرس يقاتل.. يقاوم.. يتحول الى بركان. وانبهر قائد القبائل:|
- دعوه لننظر ما يصنع.. انطلق الفرس نحو مضارب القافلة، وهو يصهل عالية - الظليمة... الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها.. هبت نسوة واطفال.. لقد وقعت الواقعة. صرخت زینب:
وا محمداه.. وا أبتاه.. واعلياه.. واجعفراه.. وا حمزتاه. هذا حسين بالعراء.. صريع بکربلا.. ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل...
عندما وصلت زینب، كان الحسين يوشك على الرحيل.. يودع
الصحراء، بعد أن رواها بدمه.
القبائل مفتونة. تدور حول آخر الاسباط.. وقد زلزلت الارض زلزالها. ماذا بوسع زینب أن تفعل. الحسين يجود بنفسه.. لقد تمزق جسده.. وما تزال الروح هي هي.. شديدة البأس. زینب تحاول ايقاظ بقايا الانسان في زعيم القبائل.. هتفت بلوعة:
-اي عمر! أيقتل أبو عبد الله وانت تنظر اليه !! لقد مات الانسان في داخله أهاب بالقبائل لإسدال الفصل الأخير: - انزلوا اليه وأريحوه. صرخت زینب: - اما فیکم مسلم؟! ولا من جواب. لقد مات الانسان في عصر الذئاب والليل والعواء. - انزلوا اليه وأريحوه.
كان الأبرص ينتظر الإشارة بلهفة. التمعت عيناه بوحشية، وهو يرفس جسد الحسين الممزق.. جلس على صدره. الابن ينهش جسد السبط. يقبض على شيبته.. ويهوي بسيف غادر على رأسه. ينفصل الرأس عن الجسد.. القبائل تموج مأخوذة بهول مايجري

فوق الرمال...
الجسد ساکن بلا حراك. الكلاب تنهش.. تنهش الجسد الدامي. ويرتفع رأس ابن النبي فوق رمح طويل.. يتطلع الى آخر الدنيا، ويقرأ سورة الكهف.
انطفأت الشمس.. ومطرت السماء دم عبيطة، وبدا الافق الغربي شديد الحمرة كجراح نازفة.
وعصفت القبائل المسعورة بالخيام. فأشعلت فيها النار. وفرت النسوة والأطفال.. هاموا على وجهوهم في الرمال.
وانبرت عشرة خيول مجنونة.. خيول اعتادت السلب والنهب والغارات.. تعودت سحق ورود البنفسج وبقر بطون الأطفال... اهتزت الارض تحت سنابك الخيل وهي تمزق صدر الحسين.. وفاحت من الجسد قبلات محمد و الزهراء؛ ملأت الفضاء وامتزجت مع ذرات رمال الصحراء.. والتاريخ.
النار المجنونة تلتهم الخيام.. وصراخ الأطفال يملأ الدنيا.. والذئاب تعوي بقسوة... والليل شديد الظلمة.. الريح تذرو الرمال.. تغطي الأجساد العارية بغبرة خفيفة.. والقبائل تنهب وتسلب.. والفرات يمعن في الفرار.. ورأس الحسين فوق رمح طويل.. ينظر إلى آخر الدنيا.. إلى قوافل قادمة من رحم الأيام.

فرّت الشمس.. توارت خلف الأفق المضمخ بحمرة قانية.
وأشرق القمر دامياًكعين تنتحب.. القبائل ماتزال تعصف بالخيام
تضرم فيها النار, والنار تعد السنتها كافواه جائعة أصابها مت من
الجنون. فهي تلتهم كل شيء.
الذئاب تعوي.. تفتك بحملان صغيرة خائفة...
الشياطين تصارع الملائكة.
وصرخات تدوّي:
لا تدعوامنهم أحداًصغيراً ولاكبيرا
الذئاب تقتحم خيمة فيها فتى عليل لا يقوى على النهوض...
جرّد الأبرص سيفه.. مازال متعطشاً للدماء.. استنكر رجل من
القبائل:
-اتقتل الصبيان ؟! انما هو صبي مريض.
_لقد أمر ابن زياد بقتل أولاد الحسين.
وانبرت زينب بشجاعة ابيها:
لا يُقتل حى أقتل دونه.
ونادئ منادٍ باقتسام الغنائم, فتنازعت القبائل الرؤوس, زلق الى
ابن زياد حاكم المدينة الغادرة.

ارتفعت رؤوس مقطوعة فوق رماح. قافلة من العبالقة يتقدمها
رأس سبط آخر الانبياء.. يحمله الأبرص. سبعون رأس أو يزيدون لم
تنحن لغير الله فارتفعت فوق ذرىئ الرماح.. وكان في مقدمتها
رأس آخر الاسباط.

وكان الفتى المريض يجود بنفسه. فقالت عمته وهي تخترق
جدران الزمن:
ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخي. فوالله ان
هذا لعهد من الله الى جدك وأبيك. ولقد أخذ الله ميثاق أناس
لا تعرفهم فراعنة الارض. وهم معروفون في أهل السماوات. انهم
يجمعون هذه الاعضاء المقطعة والاجسام المضترجة فيوارونهاء
وينصبون بهذا الطفٌ علما لقبر أبيك لا يُدرس أثره ولا يمحى رسمه
على كرور الليالي والايام. وليجتهدُنٌ ائمة الكفر وأشياع الضلال في
محوه وطمسه. فلا يزداد اثره الآ علواً.
منظر الدماء والجثث المتناثرة هنا وهناك والسيوف المكسرة
والسهام المغروسة في الرمال.. تحكى ملحمة رهيبة سطّرها رجال
قهروا الموت, وفجّروا في قلبه نبع الحياة» وأماطوا اللثام عن سرّ
الخلود.
تقدمت امرأة تعدّت الخمسين من العمر الى جسد تعرفه,رعته
صغيراً وراقبتة كبيراً وشهدته ممزقا بحوافر خيل مجنونة.

جثت زينب عند مصرع آخر الاسباط؛ الجسد الممزق ساكن بلا
حراك. لقد غادرت الروح التي دوّخت القبائل. دست زينب يديها
تحت جسد أخيها.. رفعت بصرها الى السماء.. الى اللّه.. وتمتمت
بعينين تفيضان دمعاً:

-تقبّلْ منا هذا القربان... يا الهي.
وألقت «سكينة» بنفسها على جسد أبيها العظيم واعتنقته.
وغمرتها حالة من الاستغراق. كانت تصغي الى صوت ينبعث من
اعماق الرمال.. همهمة سماوية عجيبة تشبه صوت والدها الراحل:
-شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني.
أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني.
لملمت القبائل خزيها.. عارها الأبدى تريد العودة الىئ الكوفة..
و«سكينة» ماتزال تتشبت بالجسد المضمخ بالدم.
هجم الأعراب من القبائل وجرّوها بعنف وراحوا يكعونها
برؤوس الرماح حتئ استوت على ناقتها.
عشرون امرأه ثكلى. وفتى عليل. واطفال يتامى مذعورون؛ هو
كل ما غنمته القبائل في اطول يوم في التاريخ. اما الرؤوس فقد راحت
تتسابق فيها الخيل بشرئ الى الارقط حاكم المدينة المشهورة بالغدر.
غادرت القبائل شواطىء الفرات.. تركته وحيداً يتلوى في
الصحراء كأفعئ حائرة.
وغادر موكب السبايا والعيون الحزينة تتلفت الى اجساد متناثرة
فوق الرمال كنجوم منطفئة.. الى أن غابت عن البصر؛ وساد صمت
رهيب ما خلا انين خافت ينبعث من اعماق الارض المصبوغة بلون
ارجواني.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 22, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الم.. ذلك الحسين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن