نسور مجنونة تحوم في السماء، وريح عاصف تهب من ناحية الصحراء، وبدت اشجار النخيل کرماح مرکوزة في خاصرة الفرات.
بدا الجو مشحونة بالخطر، ومثلما تندلع الصواعق بين اكوام السحب، تدفقت سهام مجنونة تحمل في انصالها الموت.
هتف الحسين بأنصاره:
۔ قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم اليكم.
هب رجال كانوا ينتظرون على أحر من الجمر.
كيف اصبح الموت أمنية لهم؟. كيف اضحى في نظرهم خلود .. كيف تحولت الصحراء الملتهبة الى جنات تجري من تحتها الأنهار.
غاص الرجال في احراش كثيفة من رماح وسيوف. كانوا يقاتلون بضراوةة لانظيرلها.ا كما لو كانوا يريدون توجيه مسار التاريخ الاتجاهالذي ينشدون.
امتلأ الجو غبارة ودخانا، وكانت السيوف تهوي كبروق مشتعلة. وعندما غادر الغبار ارض المعركة، كان هناك خمسون صريعا يعالجون جراحاتهم في الرمضاء.. الجراح تسقي الأرض.. والدماء تروي شجرة الحرية.. شجرة اصلها ثابت في اعماق التراب، وفرعها في هامة السماء
تمتم الحسين متألم
- اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولدا، واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم.. أما والله لا اجيبهم الى شيء مما یریدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي.
هجم الأبرص على إحدى الخيام، وقد اشتعلت في عينيه شهوة النهب، وهاج شیطان يعربد في اعماقه:
- علي بالنار لأحرقه على اهله...
القلوب الصغيرة الخائفة فرت مذعورة من الخيمة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت.
صاح الحسين:. یابن ذي الجوشن انت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي.. احرقك الله بالنار.
واستنكر شبث بن ربعي الحضيض الذي وصل اليه رفيقه.
- أمرعبة للنساء صرت؟! ما رأيت مقالا أسوأ من مقالك، ولا موقفا أقبح من موقفك...
وتمتم وهو يعض على يده: - قاتلنا مع علي بن ابي طالب ومع ابنه من بعده آل ابي سفيان خمس سنين، ثم عدونا على ولده - وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية!.. ضلال... يا لك من ضلال!!
توسطت الشمس كبد السماء، والقبائل تتخطف القافلة... التفت «ابو ثمامة الصائدي» إلى الحسين. قال بخشوع:
- نفسي لك الفداء. إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك. لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك. واحب أن القي الله وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها.
رفع الحسين رأسه إلى السماء وألقي نظرة على الشمس: - ذكرت الصلاة.. جعلك الله من المصلين الذاکرین، نعم هذا اول
وقتها...وأردف وهو يجفف حبات عرق تلتمع فوق جبينه ۔ سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. هتف ابن نمير وكان فظا غليظ القلب: - انها لا تقبل! | اجاب حبیب بن مظاهر غاضبا - زعمت أنها لا تقبل من آل الرسول و تقبل منك يا حمارا
عربد الشيطان في اعماق «ابن نمير»، فأقحم الفرس نحو «حبیب» وحبيب واقف كالجبل لم يكترث بالجموع وهي تنحدر نحوه. وتخطفته سيوف القبائل... وانسابت دماؤه قانية فوق رمال الصحراء تروي لها أروع قصص الوفاء والتضحية والفداء
واسترجع الحسين كثيرة - عند الله أحتسب نفسي وحماة اصحابي. .
القبائل تموج كأنها ريح صفراء تحمل في طياتها الموت؛ والحسين وسط الإعصار يصلي بأصحابه الصلاة الأخيرة.. السماء تفتح ابوابها اللقافلة القادمة، والفضاء يزخر بأجنحة الملائكة.. ونسائم طيبة تحمل رائحة الربيع.. ربيع جنات الفردوس.
التفت الحسين إلى أصحابه وهو يشير الى مسار القافلة