الفصل الثاني (مفاجأة)

131 4 0
                                    

وثقت شجر الدر العلاقة بين زوجها نجم الدين وبين قومها الخورزمية واصبحوا عونا قويا له في حروبه
وبينما كان نجم الدين منهمكا في مواجهة الاعداء علي احد الثغور،  اقبلت الية الانباء تعلن وفاة ابية الكامل في الثاني عشر من شهر رجب سنة ٦٣٥ من الهجرة، واتفاق الامراء علي:
تولية سيف الدين ابن سوداء ملك مصر والشام باسم العادل
ان ينوب عنة في دمشق ابن عمه الجواد مظفر الدين يونس بن مودود
اما نجم الدين فيبقي كما هو اميرا علي الثغور بالشرق.
وقع هذا الخبر علي نفسة وقع الصاعقة ليس لانه فقد ملك مصر، ولكن لما ينتظر هذه الدولة المترامية الاطراف من تفرق وتمزق، فهؤلاء الامراء الايوبيون سيهبون مسرعين ليحققوا اطماعهم، ويمزقوا الدولة بينهم، منتهزين ضعف الملك الجديد، وضعف الادارة التي تتولي امره. وسوف يضعف ذلك مصر، ونحن نريدها قوية لنواجه بها الروم والتتار.
ثم اخذ يستعرض جيشة، وقدرته علي مواجهة تلك الصعاب، ومنازلة  هذة الاخطار، ولم ينس عدوه اللدود (بدر الدين لؤلؤ) امير الموصل، ولا غيره من كل طامع يعد للعصيان .
ولما ضاق صدره بهذه الفكر، استدعي (شجر الدر)، فاقبلت مسرعة اليه وانحنت امامه تحييه ثم قالت في صوت رقيق: "صباح الخير يا مولاي !".
فنظر نجم الدين اليها، ثم قال في الم شديد :"اعلمت يا شجر الدر بما كان؟! ملك مصر (لسيف الدين ابن سوداء)، ودمشق للجواد (مظفر الدين يونس)...وانا هنا علي الثغور. هذا تدبير سيودي بنا جميعا !
اتفق الامراء علي هذا الاثم ليثبوا خلفه الي مطامعهم القاتله واذا طال بنا الوقت ولم نصنع شيئاً مكنا الاعداء من رقابنا وسلمناهم مقاتلنا.
وقد رأيت ان انسحب من حصار (الرحبة) وادعها حتي اتفرغ لحل هذه المعضلة.
فاسرعت موافقة علي الانسحاب قائلة :"خير تصنع يا مولاي، ذلك افضل من ان نحصر في هذا المكان، فما نمضيه في الحصار دون جدوي ننفقه في عمل مجد".
وفي استار الظلام كان نجم الدين يمضي في طريقه مبتعدا عن (الرحبة) ولم يبعد به السير حتي احس بحركة في الجيش وسمع مناديا يأجر بصوتة يطلب الاسراع والا وقعوا في ايدي الخوارزمية.
وكانوا قد اختلفوا مع نجم الدين بسبب مطامعهم الواسعة وبيتوا امرهم علي الانتقاض عليه فلما سنحت لهم الفرصة انتهزوها وشقوا عصا الطاعة واسرعوا اليه عندما علموا بانسحابه وهاجموه وتغلبوا علي رجاله وهموا بالقبض عليه فتمكن من الافلات منهم واسرع بما بقي من جيشة الي (سنجار) ليمتنع منهم تاركاً لهم الأموال والاثقال ومعه شجر الدر .
ولم يكد يستقر في (سنجار) حتي كانت جيوش (غياث الدين الرومي) تحاصر آمد اعظم مدن ديار بكر علي نهر دجلة وفيها (توران شاه بن نجم الدين)
وكان بدر الدين لؤلؤ قد اسرع هو الاخر بجيشه والتف حول قلعة (سنجار) مهددا متوعدا مقسما علي الا ينصرف الا اذا قبض علي (نجم الدين)  وعلي (شجر الدر) .
فاشتد الامر بنجم الدين وجلس يفكر وشجر الدر بجانبه ثابتة لا تفارقها ابتسامتها الواثقة، تحدثه وتقول له بصوتها الحنون: "لا بأس علي مولاي مما يري ! هذا خطب يسير بجانب عزم مولاي وحيلته الواسعه !" فصاح وهو يهتز من شدة مابه قائلاً: "لم يبق عزم ولا حيلة يا شجر الدر !
لم يبق إلا أن يقبض علي (بدر الدين)، ماذا اصنع يا شجر الدر؟!
تخلي عني اقاربك الخوارزمية وخذلوني في ساعة العسرة، وصوبوا الي سهامهم، وكنت اعول عليهم في الشدائد !"
_ فاسرعت في هدوء قائلة "ايتفضل مولاي ويترك لي تدبير هذا الامر، فلعلي انجح فيه؟".
_ "لك ما تريدين يا شجر الدر، فماذا انت صانعة مع تلك الذئاب العاوية ؟ !".
_ قالت بصوتها الرقيق:"أيأذن لي مولاي باستدعاء القاضي (بدر الدين الزرزاري)قاضي سنجار؟".
فامر باستدعائه، فاقبل مسرعا ووقف امامه وحياه، فأذن له بالجلوس، ثم اشار الي شجر الدر.
_ فقالت في ثبات "تعلم يا شيخ بدر الدين مانحن فيه، وقد رأي مولاي نجم الدين رأياً ينقذنا ويفك اسرنا، ويخلص الناس مما هم فيه من الضنك والعنت من هذا الحصار، لكن التنفيذ يحتاج الي حرص ودقة وجرأة ومهارة وحسن تصرف، ولم يجد مولاي من يحسن القيام به سواك، فماذا تري؟"
_ قال القاضي وهو يضغط كفه اليسري براحته اليمني: "امر مطاع يا مولاي، نحن انصارك واحباؤك ورهن اشارتك".
_ قالت شجر الدر:"يريد مولاي ان يبعثك الي الخوارزمية، لتستميلهم بلباقتك وقوة بيانك وحسن مدخلك، تعدهم وتمنيهم، وتمحو من نفوسهم كل شئ يغضبهم من مولاي، ويمنعهم من نجدته".
_ فرفع القاضي رأسه ونظر الي نجم الدين، فاسرعت تطمئنه وتقول في ثبات: "لا تخف ايها القاضي الشجاع، فلن تخرج من باب القلعة الذي يترصد فيه الخطر، بل ستربط بالحبال وتدلي من السور في حالك الظلام، من مكان بعيد عن عيون الراصدين، ايمكن ذلك ايها القاضي الذي ملأ الأسماع بقوه جنانه، ووقوفه بجانب الحق، متحديا كل تهديد؟!".
_ فهوم القاضي براسه، وهو يقول في صوت خفيض :"يمكن يا مولاي" ثم مس لحيته باصابعه، فابتسمت شجر الدر.
_ واسرعت قائلة :"وتستغني عن هذة اللحيه مؤقتاً يا بدر الدين، حتي تنتهي المهمة فلا يعرفك احد ولا ينتبه اليك انسان".
_ فاسرع القاضي موافقا قائلاً في سرور:"حل موفق وفكرة رائعة !".
وفي جنح الليل والناس نيام، كان القاضي يدلي من القلعة في بطء وحذر، حتي بلغ الارض، ففك الحبال وانطلق الي مضارب الخوارزمية، ومعه كتاب شجر الدر تقول لهم فيه: _ انتم اهلي وعشيرتي ومحط امالي ومعقد رجائي لم يبق لي في الحياة سواكم اعيش علي اصواتكم واحس طعم الحياة بانفاسكم فإلي من الجأ ان تخليتم عني؟
أإلي التتار الذين مزقوا دولتنا وقضوا علي زعيمنا وشتتوا شملنا وحرمونا عظمتنا وسلطاننا، ام الي الفرنج الذين يعيثون في البلاد فساداً ويهددون بإبادتنا؟! اسرعوا الي ابنتكم وادوا حق ابوتكم واخوتكم ولكم عند الامير نجم الدين ما تشاءون، وانا ضامنة لكل ما تفرضون ".
ولم يكد القاضي يبلغ مضارب الخوارزمية ويتحدث معهم ويقرأ عليهم الكتاب حتي دوي الامر بالنفير فقفز الفرسان علي صهوات جيادهم وانطلقوا مسرعين الي (سنجار) والتفوا حول جيوش بدر الدين واخذوها من كل جانب وعلا صليل السيوف وارتفع صهيل الخيل ونشبت معركة ضارية نالت من جيوش بدر الدين كل منال، ثم اشرق النهار وهو ينهب الارض بفرسه هاربا وخلفه من استطاع النجاة من اصحابه.
ولم يضيع نجم الدين وقته فبعث الخوارزمية الي "آمد" ليخلصوها من غياث الدين الرومي، وينقذوا ابنه ( توران شان) من حصاره فنازلوا جيش الرومي، واوقعوا به، وفكوا الحصار .

طموح جارية ( شجر الدر ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن