الفصل السادس ( الفرج)

27 1 0
                                    

ظلّ نجم الدين في قلعة الكرك سجيناً، تحت رحمة الحراس الغلاظ الشداد الذين وكلوا به، لا تسليه سوى شجرة الدر، وكلما اشتد به الكرب ذكَّرته بالمواقف العصيبة التي وقف فيها ربه بجانبه، وأكدت له أنَّ داود لا يريد به السوء، وإنما يزيد أيام حبسه ليُغلي الثمن، ويفرض ما يريد، ونجم الدين يسمع لها ويفكر ثم رفع رأسه وقال: مضى سبعة أشهر ونحن في هذا المحبس القاسي، لا نعلم ماذا سيكون مصيرنا ، قالت في نبرات هادئة: إنَّ فرج الله قريب يا مولاي، ولا أخال داود بعد هذه المدة الطويلة إلا مرسلاً إليك، يعرض شروطه، وأرجو أنْ يوافق مولاي على كلِّ ما يطلب، حتى نتخلَّص من محبسه ونصل إلى بَرِّ السلامة .
فهزَّ نجم الدين رأسه ثم قال في أسى: ما أظنُّه بعد هذه المدةِ الطويلةِ إلا قاتِلَنا ومتخلِّصاً منَّا وقابضاً الثمن الذي يعرضه عليه العادل، قالت في ثقة: لو كان يريد قتلنا ما أبقانا هذه المدة كلَّها، ألسنا في قبضته؟! ومن الذي ينقذنا منه لو أراد بنا السوء؟ ولماذا لم يقتلنا حين أرسل إليه عمك الصالح إسماعيل يحثُّه على التخلُّص منَّا، قلبي يحدِّثني يا مولاي أنه يزيد أيام حبسه ليغلي الثمن، وليفرض عليك شروطه، وأرجو أن تقبل هذه الشروط مهما كان مبالغاً فيها.
ولم يكذب ظنُّها، فلم يصبح الصباح حتى بعث داود إلى نجم الدين، يعده بإطلاق سراحه والسير معه إلى مصر، ويشترط ثمناً لذلك ( دمشق، وحلب، والجزيرة، والموصل، وديار بكر، ونصف ديار مصر، ونصف ما في الخزائن من مال، ونصف ما لديه من الخيل والثياب وغيرها ).
قال العماد بن موسك وهو ينظر إلى وجه نجم الدين، ويرى عجبه واستكثاره لهذا الثمن الباهظ: " هذه شروط مولاي الأمير داود، فماذا يرى مولاي نجم الدين؟! ".
 تذكَّر نجم الدين رأي شجرة الدر فلم يفكِّر طويلاً، وقال مُظهراً الرضا والسرور: قَبِلْتُ، ثم وقَّع العقد بما اتَّفقا عليه، وعاد رُسُل داود إليه يُرقصهم الفرح بِهذه الصفقة الضخمة التي نالها مولاهم، واستعدَّ نجم الدين وشجرة الدر للخروج من السجن، تلوح أمامها مصر ومباهج مصر.
وما علمت ( ور المنى ونور الصباح ) بما تَمَّ، حتى اشتد بِهما الفزع فقد عرفتا أن شجرة الدر تأكدت أنَّ ما أصابَها هي وزوجها كان بتدبيرهما، فإذا وقعتا في يدها فلا جزاء سوى الذبح، فلم تعودا إلى نجم الدين مع مماليكه الذين عادوا إليه بعد الاتفاق؛ وأسرعتا بالكتابة إلى سوداء بنت الفقيه تعلمانها بِما حدث، وتحذِّرانِها من التهاون في العمل، وتخبرانِها بأنَّ نجم الدين وداود وشجرة الدر في طريقهم إليها؛ فلما بلغ سوداء الكتاب فَزِعتْ وثارت، وجمعت القواد وقالت لهم في غضبٍ شديدٍ: أرأيتم؟! اتفق داود ونجم الدين! قلت لكم أبقوا داود بمصر، ومُدُّوا له الأطماع ومَنُّوه الأماني، حتى نتمكن من نجم الدين ثم نأخذه بعده، ومضت تقول في شدةٍ : لن يُفْلِتَ نجم الدين! ولن يَنجُوَ داود! بينهما وبين مصر ما بين السماء والأرض، وسوف أضعهما بين ماضِغَي الأسد ".
ثم دعت بكاتبٍ وأملته كتاباً، وبعثته إلى الصالح إسماعيل بدِمَشْقَ، تحُثُّه على السير إلى نجم الدين لِيُطْبِقَ عليه من خلفه، في الوقت الذي تسير فيه جيوش مِصْرَ وتأخذه من الأمام، فلا يستطيع نجاةً، و لا يجد مهرباً، وملأت كتابها بالتحذير من الخطر الذي ستتعرض له دمشق إذا دخل نجم الدين مصر؛ فلم يتمهَّلْ الصالح إسماعيل وأمر جيشه بالاستعداد، كما استعدَّ الجيش المصري لتنفيذ الخطة، وحَصْرِ نجم الدين بينه وبين الصالح إسماعيل .

طموح جارية ( شجر الدر ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن