المصادفات

264 53 14
                                    

إننا في حياتنا كثيرًا ما نتعرض لصدف مدهشة تشعرنا أن الأمر قد يتعلق بالأشباح وتخطيط الماسونية، لكن في النهاية يكون وراء هذه الصدف أسباب كثيرة وعديدة ترابطت حتى نتج عنها صدفة بهذا الشكل، أي أنها من الناحية المنطقية ليست صدفة، إنما خطة مدبرة من الأسباب.

واليوم سنحكي عن الصدف في القصص، كما نعلم هناك مجموعة من القصص تسرد الصدف بشكلٍ غير منطقي دون أي سببية تُذكر، وهناك من يحشر عدة صدف بأسباب واهية لا منطق فيها.

سأشغل لكم آلة التصوير القديمة الخاصة بي، لأعرض لكم مشهدًا واقعيًا لمقصدي... ثلاثة، اثنان، واحد، وابتدأت الآلة تبث مقطعًا مرئيًا لفتاةٍ شابة تحتسي القهوة في أحد المقاهي الفرنسية الصغيرة في باريس وهي تقرأ مجلةً ما، ثم سرعان ما دخل شاب آخر للمقهى وتقدم ليجلس، فإذ به يلمحها ويسود في وجهه التعجب، اقترب منها بينما يقول: ما الذي تفعلينه هنا؟

أنزلت المجلة من يدها على وقع كلامه، وأمعنت في وجهه جيدًا حتى توسعت عيناها قائلة: ما الذي تفعله هنا، ألم تكن في برلين؟

- أجل كنت في الواقع.

- حسنًا، وما الذي تفعله هنا وأنت لا تحب زيارة المقاهي حتى؟

توقفت آلة التصوير عند هذا الحد.

عظيم يبدو مشهدًا عاديًا لاثنين يتصادفان في مقهى، الأمور تبدو بشكلٍ ما منطقية، سيرورة الحدث جيدة، لكن تم ذكر كونه يعيش في برلين وكونه لا يحب القهوة، هذه نقطة تشير لأشياء عديدة، وهي:

ما الذي قد يدفع شخص لا يحب المقاهي للتوجه لمقهى؟

ما الذي قد يدفع شخص يعيش في برلين للتوجه لباريس لشرب القهوة؟

هذا تمامًا يعتمد على الأحداث والشخصيات بشكل تام، مثلًا، لنفترض أن هذا الشاب كان يعيش في برلين بداعي العمل، من ثم انتقل لباريس بضعة أيام بسبب أخذه لإجازة، هنا حللنا سبب كونه عاد لبرلين في ذلك اليوم بالذات.

تلك الفتاة هي شابة عادية تسكن في باريس وتحب التردد يوميًا لذلك المقهى بداعي الاسترخاء، إذًا هي زبونة يومية، وهذا سبب من أسباب تواجدها في ذلك اليوم بالذات أيضًا.

هنا يتبقى لنا سبب تردده شخصيًا لذلك المقهى رغم كونه لا يحب المقاهي، ولنفترض أنه رغم شخصيته الانطوائية، شعر بحاجةٍ لأكل شيءٍ ما وتناول بعض القهوة فقط لسد حاجته من الطعام، وكان هذا المقهى هو ما تردد إليه.

من ثم سنقول لمَ هذا المقهى بالذات؟

وهنا يمكننا وضع العديد والعديد من الأسباب منها: ربما ركن سيارته هناك بالقرب، ربما سمع بكونه مقهى جيد، ربما كان المقهى الوحيد في تلك المنطقة، وأخيرًا ربما لكونه اختاره بعشوائية عن دون المقاهي والأماكن الموجودة هناك.

وهكذا تتكون لدينا صدفة منطقية مدبرة الأسباب، ما يجعلنا نستنتج أن ‏«لكل صدفة سبب، حتى وإن لم يكن معلومًا من الشخصيات ذاتها.»

إن كثرة الصدف تخرب جمالية القصة وتبطل متعتها، تمامًا كما لو حدث هذا... ثلاثة، اثنان، واحد، وبثت الآلة مشهدًا لذلك الشاب وهو يجلس على أحد المقاعد في إحدى الحدائق العامة في مارسيليا، كان يضع سماعاته في أذنيه ويستمع للموسيقا وهو يسند رأسه للخلف، وفجأة عندما فتح عينيه رأى ذات الفتاة أمامه، ليقول: أنتِ!

- ما الذي تفعله هنا؟

سألت وهي تضحك، فأجاب: شعرت بالحاجة للتمشي وحسب.

- وأنا كذلك.

توقفت آلة التصوير عند هذا الحد.

حسنًا هذا المشهد به ما يخل المنطقية، فقد قلنا سابقًا أن الفتاة تعيش في باريس، بينما هو فقط يتجول في الأرجاء في أيام عطله، فما السبب الذي دفعها هي للقدوم إلى مارسيليا والتمشي في تلك الحديقة بالذات؟

يمكننا هنا أن نرتب العديد والعديد من الأسباب، لكن، يبدو الحدث رغم ذلك مملًا، وغير مقبول، حيث سنبقى نقول، لمَ هما من بين الجميع؟

وهنا نستنتج أن ‏«الصدف الكثيرة مزعجة وغير مقبولة مهما كثرت أسبابها وكانت منطقية.»

سأغلق آلة التصوير عند هذا الحد، أتمنى أن الفكرة وصلتكم على أكمل وجه، كانت معكم الأفعى النفاثة، ليليث سيربنت.

وتر معقود |عنصر الحبكة|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن