اسرار الموت العظمي الجزء الخامس

592 7 0
                                    

أسرار الموت العظمي... الحلقة الخامسة

* مشهد (1)
- بتاريخ الخميس ٥ مارس ٢٠٢٠
- التجمع الخامس

أم محمود.... سيدة سبعينية تبيع دائما منتجات الألبان الخاصة بالمزارعين وقاطني الأرياف علي حدود التجمع ..
تأتي في موعد أسبوعي ثابت .. تجلس علي رصيف أعرفه منذ سنوات .. أحبها كثيرًا... ويبدوا أنها تبادلني نفس الشعور ..
تبيع ما معها من جبن وألبان.. ثم تغادر.. ولسانها يلهج بالدعاء طول الوقت لمن يشتري منها ومن لا يفعل ..
أحب الجبن الفلاحي كثيرا .. توقفت امامها بسيارتي .. نزلت إليها بوجه مبتسم كالعادة... وبعض المغازلات المعتادة التي طالما اعتدت مشاكستها بها .. في انتظار هجمة دعائها والذي لفرط بساطته يخترق القلوب ..
استوقفتني عينيها الحمراوين، ووجها الشاحب بلون أصفر بدا مثيرًا للشفقة وهو محاط بلفة طرحتها السوداء ..
- في إيه يا ام محمود؟... مالك؟
= قالت من بين دموعها.. محمود مات
- لا حول ولا قوة الا بالله حصل ازاي ده؟
= كان اكبر ولادي.. في تالته معهد فني صناعي.. كان كويس خالص ومكانش عنده أي تعب.. وعملتله العَشا وبعد ما اتعشا قالي انا صدري واجعني... وقطع النفس في ثواني.. جريت ناديت على اخواته.. جابوا الإسعاف.. الإسعاف قالوا دا مات.
- إنّا لله وإنا اليه راجعون.. الله يرحمه ويغفرله
= والله يادكتور ما كان فيه أي حاجه .. ولا عمره خد برشام حتي
- كان مُدَخن؟
= اه بس عادي يعني مش كتير
- الله يرحمه.. اصبري يا ام محمود واحتسبي دا لله.. ده كفيل يدخلك الجنة
= طب هو مات ازاي يا دكتور!!.... نفسي اعرف
- هي بتبقي غالبا أمراض قلب يا ام محمود غير مكتشفة وفجأة بتؤدي للوفاة
= طيب ولادي التانيين يادكتور... انا خايفة لايروحوا مني..
- ولادك اعمليلهم فحوصات علي القلب واطمئني عليهم ويبعدوا عن التدخين تماما.. ربنا يعافي الجميع منه.

أعطيتها مايناسب هول الموقف... ثم مضيت في شرود ...
توجعني بشدة أي أم عندما تفقد وليدها... أم موسي عليه السلام عندما تركت ابنها في اليم بعد وحي إلهي.. و كان عندها توقع مسبق لخطر مُحدق و أيضاً احتمالية كبيرة لنجاته بحماية ربانية.. و رغم ذلك يصفها الله قائلا : " و أصبح فؤاد أم موسي فارغاً"... خرج قلبها من مضمونه و وصف الله مدي وجع قلبها بالفراغ.. رغم الوجود اليقيني داخلها لاحتمالية نجاته... فكيف بمن مات ابنها علي يدها بينما كان سليماً معافي... و غسّلته بنفسها... و طيّبت كفنه بعطرها... و بلّلت وجهه بدموعها... ثم أدخلته قبره بنفسها؟!!... ما أقسي هذا الوجع... لكِ الله يا أم محمود... و أم كل فقيد.

مشهد (2)
- بتاريخ الإثنين ١٠ أغسطس ٢٠٢٠
- التجمع الخامس

أُطالع الفيسبوك... يبدو أن أحد الـ (figures).. في السوشيال ميديا يُدعي (مصطفي حفناوي) كان يحتفل بنجاحاته في افتتاح مطعم رابع.. ذهب للجيم في موعده المعتاد.. تناول بروتين بناء العضلات.. أنهى فقرة التدريب.. وذهب إلي المنزل.. اشتكي من آلام في البطن.. تم نقله الي المستشفى الجوي العسكري بالتجمع الخامس ..
يبدو من المنشورات أنه دخل في جلطة دماغية.... ثم وفاة صادمة لاحقة ..
تعاطفات كثيرة.. لم أكن أعرف ما هو المحتوي بالضبط الذي كان يقدمه المرحوم حقًا.. ولكن كإنسان... بديهي أن تحزن علي كل حالة وفاة.. خاصةً لشاب في العشرينات لم يختبر الحياة بعد.... ولم تختبره الحياة ..
في وقت لاحق... أصدرت المستشفى تقريراً طبياً يبدو منطقيًا.. وكان محتواه تناول المتوفي بروتينات بناء العضلات بجرعات كبيرة وترامادول وسيالس ومواد أخري.. مما ساعد علي حدوث عملية الوفاة.
قرأت منشورًا مؤثرًا لأحد أصدقاء الراحل كان يعدد فيه مآثره ونجاحاته وخططه المستقبلية .. تأثرت حقاً
دائماً ما يوجعني موت البعض أثناء فرحتهم بنجاحاتهم... كلما تذكرت طلال مداح و رمضان البرنس و عمرو سمير و ميرنا المهندس و غيرهم... و الذين اختطفهم الموت أثناء احتفالاتهم بنجاحهم... قلقت نفسي حقاً... ولا أزال أردّد قوله تعالي:  ﴿يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور﴾

 أسرار الموت العظميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن