الثالثة : السعي في إتقان مهنة وكسب تخصص، وإجهاد النفس فيه، والكدح لأجله، فإن فيه بركات كثيرة يشغل به قسما من وقته، وينفق به على نفسه وعائلته، وينفع به مجتمعه، ويستعين به على فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به ماله....
فإن المال كلما كان التعب في تحصيله أكثر كان أكثر طيبة وبركة، كما أن الله سبحانه وتعالى يحب الإنسان الكادح الذي يجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممن يكون كلا على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب...
فلا ينقضين شباب أحدكم من دون إتقان مهنة أو تخصص فإن الله سبحانه جعل في الشباب طاقات نفسية وجسدية ليكون المرء من خلالها رأس مال لحياته ، فلا يضيع بالتلهي والإهمال.
وليهتم كل واحد بمهنته وتخصصه حتى يتقنها، فلا يقولن بغير علم ولا يعملن على غير خبرة، بل يعتذر فيما لا يستطيعه أو يعلمه أو فليرجع إلى غيره ممن هو أخبر منه، فإنه أزكى له وأجلب للوثوق به، وليعمل عمله ووظيفته بنفس واهتمام، وتذوق وإقبال..
فلا يكون همه مجرد جمع المال ولو من غير حله،فإنه لا بركة في المال الحرام، ومن جمع مالا من غير حله لم يأمن من أن يفتح الله عليه من البلاء ما يضطر إلى إنفاقه فيه مع مزيد عناء وابتلاء، فلا غنى به للمرء في الدنيا، وهو وبال عليه في الآخرة.
وليجعل نفسه میزان بينه وبين غيره فيكون عمله لغيره على نحو ما يعمله لنفسه، ويحب أن يعمله له الآخرون، وليحسن كما يحب أن يحسن الله سبحانه إليه، وليراع أخلاقيات المهنة ولياقاتها، فلا يتشبث بالطرق الوضيعة التي يستحي من أن يعلنها، وليعلم أن العامل والمتخصص مؤتمن على عمله من قبل من يعمل له ويرجع إليه، فليكن ناصحة له، وليحذرن خيانته من حيث لا يعلم، فإن الله تعالی رقيب عليه وناظر إلى عمله، ومستوفِ منه إن عاجلا أو آجلا، وأن الخيانة والغدر لهما أقبح الأعمال عند الله سبحانه وأخطرها من حيث العواقب والآثار.
وليهتم الأطباء من بين أهل المهن بمزيد اهتمام بهذه النصائح لأنهم يتعاملون مع نفوس الناس وأبدانهم، فليحذرن كل الحذر من تخطى ما تقدم فإنه يؤول إلى سوء العاقبة وإن غدا لناظره قريب.
وقد قال سبحانه عز من قائل:
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.
وليهتم طلاب العلم الجامعي والأساتذة فيه بالإحاطة بما يتعلق بمجال تخصصهم ما انبثق في سائر المراكز العلمية وخاصة علم الطب حتى يكون علمهم ومعالجتهم لما يباشرونه في المستوى المعاصر في مجاله، بل عليهم أن يهتموا بتطوير العلوم من خلال المقالات العلمية النافعة والاكتشافات الرائدة ، ولينافسوا المراكز العلمية الأخرى بالإمكانات المتاحة، وليأنفوا من أن يكونوا مجرد تلامذة لغيرهم في
تعلمها ومستهلكين للآلات والأدوات التي يصنعونها، بل يساهموا مساهمة فعالة في صناعة العلم وتوليده وانتاجه، كما كان آباؤهم روادة فيها وقادة لها في أزمنة سابقة، وليست أمة أولى من أمة بذلك.وعليكم برعاية القابليات المتميزة بين الناشئين والشباب ممن يمتاز بالنبوغ ويبدو عليه التفوق والذكاء حتى إذا كان من الطبقات الضعيفة وأعينوهم مثل إعانتكم لأبنائكم حتى يبلغوا المبالغ العالية في العلم النافع ، فيكتب لكم مثل نتاج عملهم وينتفع به مجتمعكم وخلفكم.
الرابعة : التزام مکارم الأفعال والأخلاق وتجنب مذامها، فما من سعادة وخير إلا ومبناهما فضيلة ، وما من شقاء وشر - عدا ما يختبر الله به عباده - إلا ومنشؤهما رذيلة، وقد صدق الله سبحانه إذ قال وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
فمن الخصال الفاضلة: المحاسبة للنفس، والعفاف في المظهر والنظر والسلوك، والصدق في القول، والصلة الأرحام، والأداء الأمانة والوفاء بالعهود والالتزامات، والحزم في الحق، والترفع عن التصرفات الوضيعة والسلوكيات السخيفة.
ومن مذام الخصال العصبيات الممقوتة، والانفعالات السريعة، والملاهي الهابطة، ومراءاة الناس، والإسراف عند الغني، والاعتداء عند الفقر، والتبرم عند البلاء، والإساءة إلى الآخرين ولا سيما الضعفاء، وهدر الأموال، وكفران النعم، والعزة بالإثم، والإعانة على الظلم والعدوان، وحب المرء أن يحمد على ما لم يفعله.
وأؤكد على الفتيات في أمر العفاف، فإن المرأة لظرافتها أكثر تأذيا وتضرراً بالسلبيات الناتجة عن عدم الحذر تجاه ذلك، فلا ينخدعن بالعواطف الزائفة ولا يلجن في التعلقات العابرة مما تنقضي ملذتها، وتبقى مضاعفاتهاومنغصاتها.
فلا ينبغي للفتيات التفكير إلا في حياة مستقرة تملك مقومات الصلاح والسعادة، وما أوقر المرأة المحافظة على ثقلها ومتانتها المحتشمة في مظهرها وتصرفاتها، المشغولة بأمور حياتها وعملها ودراستها.
أنت تقرأ
نصائح السيّد السيستاني للشّباب المُؤمن.
General Fiction«فَهذهِ ثمانُ وصايا هيَ أُصولُ الاستِقامةِ فِي الحياةِ وأَركانِها، وهيَ تذكِرةٌ ليسَ إِلَّا، إِذْ يَجِدُ المَرءُ عَليها نُورَ الحقِّ وضياءَ الحقيقةِ وصَفاءُ الفِطرةِ وشواهِدُ العَقلِ وتَجارِبُ الحَياة قَدْ نبَّهت عليها الرَّسائِلُ الإِلهيَّةُ ومواع...