لايرجى برؤة

8 0 0
                                    

كم نحن ضعفاء امام  الحب
امام الحنين ، امام احلامنا وطموحاتنا
ضعفاء امام ذاكرتنا التي تعيدنا للحظة ذاتها حين بكاء وضحك
ضعفاء  عند المرض !! عند الأدوية .. عند الأوجاع التي ترفض المسكنات .. لااعلم كيف تتحمل قلوبنا رؤية من نحب وهو يتألم ويشكو المرض ؟! ولانفعل له شيئا  ليشفى منه ؟! وكيف لا نشعر بمن به الم  ولايشكو لأحد ؟! رأيت عجز امي وضعفها  عندما  استحوذ الشك على قلب ابي
وتدهورت  صحتة  تعقدت امور حياتنا اكثر من ذي قبل .. لم يتغير مع امي
لكن امي قررت ان تبقى معه  وتقف بجانبة
قالت له : ان اخرجتني من هذا الباب  وسأدخل من الباب الأخر .. لن اترك هذا البيت ولن اترك ابناءي .. الى الموت سأبقى هنا
تدرك امي كم يعاني ابي  انه موجوع ويتألم لكنه لايعرف لماذا ؟ وماذا يحدث معه ؟! ان كان سحراً او حسد  اصابه او عين  واطاحته  او انه العمر وكبر السن ، لااحد يعلم شي !
اصبح العكاز مرافق  له .. لكنه معنا ببصيرته وبقلبة  لن يسقط بسهولة .. اثق به
نحن في بداية موسم  الحج واجازة منتصف العام سيكون هذا العيد مشمس ودافىء كم نتمنى لو ان القرية  تحتفل بعيد الأضحى كما تحتفل بعيد الفطر !! هذا العيد للأضحية  فقط  ليتنا نفعل شي جديد ومختلف   واهالي القرية لايوزعون الحلوى ينشغلون باللحم وتقطيعة  والشوي والتوزيع للجيران والاقارب فلن يكون التجول ممتع .. سنبقى بالمنزل  ونرى مايستجد الى ذلك الوقت  فرحة العيد تغمرنا وهذا الجميل في هذه الأيام .. اصوات التكبيرات الصادرة من التلفاز ومتابعة الحجاج واخبار الحج والصيام بالعشر وشراء الأضحية والطقس الرائع  جميعها تريح النفس  وتشعرنا بالعيد القادم  والذي ننتظرة ومعه يتجدد الشعور بالفرح كل عام .. وخاصة وقت العطلة ونجاحنا بالفصل الأول !! ليس  نجاحنا جميعاً  فأحدنا اخفق في بعض المواد الا ان هذا الامر لايعكر الأجازة  لان هناك فرصة بالفصل الدراسي الثاني اما انا سعيده لأني مازلت ارى ان ابي يفرح معي ومن اجل نجاحي ..
مرت تسع ايام وتسع ليالٍ ونحن نراقب خروف العيد ونلعب معه ونطاردة ونطعمة ونواسيه .. وبيوم العيد نستمتع برؤية ابي وهو يجهز الاضحية  ويتهيأ لذبحها  اما هذا  العيد اتى ابي بعد الصلاة  وهو مريض .. وامرنا ان نخبر جدي (عم ابي )  بذلك ويأتي لذبح  عيدنا  اذا انتهى من ذبيحته وكان بمقدروه  ذلك او يتركها غداً .. ابي لايحب ان يأخرالأصحية لبوم اخر وتمنى ان يأتي جدي اليوم وهذا ماحدث اتى جدي ولم يتوانى واطمئن على ابي واخبره انه ليس على مايرام ولايستطيع الذبح اليوم .. فقام جدي بذلك وساعدته امي واخواني .. - قلقت جداً ، عندما رأيت ابي مريضاً  رأيت العيد كله مريض معه لم نعتاد رؤية ابي بهذه المناسبات الا واقفاً  ومتحضراً ومستعداً .. تظاهر امامنا بالقوة الا ان جسدة النحيل لم يسعفه .. لم يستطع الوقوف طويلاً  رائحة الذبيحة  وهي على الفحم مختلفة لم اشمها  ككل عيد حين تكون زكية ومشهية  ولون الشمس لون غروب بوسط الظهيرة .. خرج ابي للفناء ليشرف علينا  ويخبرنا انه بخير بطريقته  تارة يقف وتارة يجلس  وعندما انتهينا من كل شي  رأيته ينظر الى يدة ويقول الله الله لقد شارف العمر على الانتهاء .. اقتربت منه لأنظر مالذي بيدة ؟! ورأيت سن سقط من فمة .. - لماذا  تقول هكذا ؟! انه فقط ضعف اللثة  اذهب للمستشفى  ياابي .. - لن اذهب  لدي ادوية كافية حتى يأخذ الله امانته .. سأذهب لأستريح وانتم  تعيدوا  بالهناء والصحة ياابناءي .. عندما ينتهي الغداء سنوقظك ؟ - لا لن استطيع اكل اللحم مع هذه الاسنان وهذا الجسد المريض ، احتاج للنوم فقط  وبالمساء سأتحسن .. وهذا اول عيد نجتمع على مائدته بدون ابي ، كئيب جدا قاتم اللون مر يوم النحر وايام التشريق انتهت ولم يشفى جسده  لكنه يتكلم ويأكل ويتناول دواءة وبدأنا نلاحظ تصرفات جديدة وغريبة نوعاً ما
ابي الذي يتحدث بإتزان  وبالقليل  هذه الأيام يتحدث كثيرا وصل للثرثرة بكلام غير مفهوم  ويمدح  اناس كان لايحبهم ويطلب رؤيتهم  وعندما يأتون ينادبهم بالعبارات اللطيفة ،، اناس يحذرنا منهم  دائماً  وحرم عليهم دخول بيتنا لأنهم ضرر عليه كما يقول اليوم يريدهم  وقال ان عند شفاءه سيذهب الى منزلهم ويزورهم  وهذا امر لم يتوقعه احد
مالذي يحدث لعقل ابي
او انه شعر بالخطأ  وانه ظلمهم ؟ او انه حقاً مودع الدنيا ويريد مصالحة الجميع ؟! ابي في صراع مع المرض
قلبه وجسده وعقله  سلمك الله ياابي -اشفه ياالله واحفظه لنا .. سيتخطى  هذا المرض من اجلنا  متأكدة  انه لن يضعف ..
بقيت امي معه  تراقبه وتهتم به  الى ان استعاد صحته وغادر سريرة  لكن لم يكف عن الثرثرة ،  لكن هذا الامر لم يدم طويلاً .. فقد عاد ابي  لحالته  منع زيارات الاقارب  ويقفل الابواب ويعبث بقلب امي .. بأحد الايام ذهبت مع امي لزيارة احدى نساء القرية  بعد ان سمح لنا ابي  وبأثتاء الحديث سمعتها تكرر على امي  نصائح  تدور حول علاج ابي من السحر .. اخبرتها  ان تستعين بوالدها او عمها  ليذهب به الى الشيخ القارئ بالقرية المجاورة .. - زوجك  من السنة الماضية  وامره مشكوك فيه .. ولماذا معك انت بالذات ؟! كاد ان يطلقك لكن لم يعاونه احد من القرية  ثم اعادك للبيت من اجل ابناءك لم يتغير شيء ؟! الشك اعمى قلبه .. الشك والوسواس يمرضان القلب لايرجى برؤة الا بالقران !! لن استغرب ان عرفت انه  يراقبك الان ؟! نحن نعرفك ونثق بك وهو كذلك .. - لن افتح معه  نقاش كهذا .. اخاف منه ، هل تعتقدين انه سيتقبل الذهاب الى الشيخ بهذه السهولة ؟! سيقلب حياتي جحيم عندما  اقول له انت مريض .. كما اني لااريد ان ادخل احداً بحياتنا  سيغضب جداً .. - لقد ضربك بقسوة وامام اطفالك ؟! مالذي يجعلك تسكتين اكثر من ذلك ؟! - انا اسكت من اجل ابناءي ، حياتي لهم فقط لم يعد يهمني مالذي يفعله بي وانا اسامحه لأني على يقين  ان شيئا ما  دخل بيننا ويسعى لتفرقتنا  اياً كان عمل  من انس او جن  انا  سأصبر حتى ينتهي هذا الألم او انتهي انا .. انا كنت مدلله في بيت ابي ثم انتقلت لبيت زوجي  فجأة  وبعمر صغير ، كل مااعرفه عن هذا الرجل انه ابن عمي ومتزوج  ولديه اطفال .. اخبرني ابي ان هذا الذي يستحقك لانه رجل بماتعنية الكلمة سيحافظ عليك  وابي يحبني  سلمني لمن احببت  لن اتركه بعد هذا العمر بوقت صعيب  بقدر مايبعدني عنه هو بحاجتي .. - انا  اساعدك  لترجع حياتك مستقرة  القران علاج وليس منه ضرر ، دعيه يتعالج  لم اقل ان تتركيه .. -  هو بودائع الله  سيكرمنا الله بلطفه  ويرفع عنا هذا البلاء .. لااريد ان اتأخر علي العودة قبل حلول المغرب  وغداً سنذهب لزيارة ابنته  في الباحة  فقد رزقها الله بمولودة .. سأذهب الى امها واخبرها ان تذهب معنا .
امسكت امي بيدي ونظرت الي - لااريدك ان تكبرين  من بعدك من سيرافقني بطرقات القرية .؟
- لا ياامي اريد ان اكبر .. مملة هذه الزيارات لااحب النساء وتجمعهن بقي لي سنة واحدة  وادخل للمرحلة المتوسطة ..
- حسناً سأنجب طفله لترافقني
تراجعت عن كلامي قلت :
-لا انا لن اكبر سأبقى معك  ..
وسأذهب معك الى البيوت التي يوجد بها صغار بعمري حتى لااشعر بالملل .. طبعاً ان سمح لنا ابي مرة اخرى بالخروج !
ضحكت امي ثم قالت لا طعم للحياة ان بقيتي صغيرة ستكبرين وتتعلمين .. سالتها ؟
يعني انك لن تنجبي طفلة من بعدي .. ؟
نعم لن انجب ستبقين اصغر بناتي وسترافقيني دائماً ..لن ازوجك !!

وصلنا الى بيت عمتي ، طرقنا الباب وخرجت لنا ورحبت لكن امي قالت ليس لدي وقت فقد مررت على عجل لأخبرك اننا بالغد سنذهب الى ابنتك ان كنت تودين مرافقتنا ؟!
- بالطبع سأذهب معكم .. ولو اني قلقة من مقابلة تلك المرأة ..
- حسناً كوني متأهبه ولاتقلقي لن يحدث الا الخير ..
رافقت امي باليوم التالي مع اخوتي لزيارة اختي في بيتها ورؤية طفلتها ..
استقبلنا زوجها وهو سعيد جداً بالطفلة حيث رزقه الله بعد انتظار طويل .. وزوجته الأولى كذلك
اجتمعنا حول الطفلة وهي تبكي خائفة من اصواتنا وازعاجنا لها وجاءت عمتها التي اصبحت امها الثانية وطردتنا لاتريدها تبكي سلمنا على اختي وقالت انهم سعداء بالطفلة اكثر مني ..
قالت جدتي التي الى الان غير راضية عن الزواج
- لقد شاب رأسة ولاتريدينه يفرح بها .. اهتمي بأبنتك بنفسك لاتدعيها مع تلك المرأة ..
- لا ياجدتي هي تحبها جداً ومتعلقه بها ولقد اسميناها على اسمها .
جميعنا تعالت اصواتنا : لاااااا هذه الطفلة الجميلة تسمينها بأسم قديم جداً ..
- هم يريدون ذلك .. ولقد سجل وتثبت اسمها بالأحوال المدنية لن استطيع تغييرة ..
قالت امها : ولماذا لاتجلس معنا ؟!
- لااعلم ربما منزعجة كعادتها
- لنذهب قبل ان تنزعج اكثر وتطردنا ،
تكررت زياراتنا شهر بعد شهر وهذه الطفلة تكبر بشكل اجمل وهادئة لكنها تبتعد عن امها وتقترب من امها الثانية التي احبتها وتعلقت بها .. ثم انقطعنا مدة طويلة بسبب كثرةالمشاكل مع الزوجة الأولى وانزعاجها وكرهها لنا و لزياراتنا ..
قال ابي لانريد ان تتدمر حياة ابنتي بسببنا .. اذا كانت مرتاحة بحياتها معهم هذا مايهم وستصلنا اخبارها .. ولادة هذه الطفلة غيرت الكثير بحياتهم امتلأ البيت بالالعاب والحلويات والضحك والسعادة لقلوبهم لكن لم يتغير الامر مع اختي وعلاقتها بالزوجة الأولى وعادت لما كانت عليه تأتي الينا ايام وتعود وتترك ابنتها لان امها الثانية لاتسمح لأحد الاقتراب منها او اخذها .. قال ابي اخاف ان يكون مصيرها كمصير اخواتها السابقات انك بسهولة تتخلين عن من تحبين وكأنك لست ام انظري الى عمتك وتعلمي منها الشعور هذه المرأة التي تقول ان طردتني من هذا الباب دخلت من الاخر كل هذا من اجل اطفالها ؟!
قالت اختي وليتك قدرت هذه المرأة ؟! حتى انت تخليت عنها بسهولة .. لااعلم ان صرت اشبهك او اشبه امي التي تركتنا بطفولتنا ..
ومع عودة اختي يعود الصراخ والمشاكل مع ابي
مشاكلنا تتكرر ؟ امي وابي ،اختي وابي ،اخي ( الفنان ) وابي ..
يعتقد انه بقسوته سيغيرهم لن يستطيع نحن جيل جديد لاتنفع اساليب تربية اجدادنا معنا !؟
ومع امي امر غامض .. ينتهي بالبكاء
اننا نعيش عاصفة من النقم ومثل ماتقول امي ان دخلت  النقمة البيت اهلكتة ..
انتهت السنة الدراسية الخامسة ثم السادسة وقد تغيرنا للأسوا سنتين مرت علينا متعبة .. ومع ذلك تعمقنا بالضحك اقتربنا من المحبة ، صافحنا الرضا .. مع امي لم اشعر يوماً بالتعاسة او النقص وابل من السعادة وهي معنا اترك المظلة لأغرق .. بهذة السنتين ازداد فهمي لحياتنا فقط لكن لم يمت شعور الطفلة .. يأخذنا اللعب حيثما كان وكيفما كان .. اسرتي كل حياتي نعيش بزاوية من النور أُقتبست من ضوء القمر حتى لانعيش سواد الليل .. بعيداً عن القرية مع سلامنا الممطر بكل ساحاته تشرق الشمس ويكبر الورد ويضحك الطفل ويزهر عمره

ربيعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن