(( منذ نحو عشرين سنه كنت ترى بين عمال احدى المدابغ صبيا لايزيد عمره على سبع سنوات وقد لف مثلهم قطعة خيش حول وسطه وبقى جسمه فيما عدا ذلك عاريا ومعرضا لبرد الشتاء ولفح الشمس في الصيف غير انه كان يختلف عنهم وعن الغلمان الآخرين الذين كان يسمح باستخدامهم في ذلك الآوان اذا كان ابيض الوجه اشقر الشعر ناعم اليدين يدل مظهره وينبئ صوته ولهجته انه (ابن ذوات) وانه خلق لغير هذا العمل.
((والواقع انه كان قبل اشهر معدودة يعيش مع والديه عيشة رغد ورفاهيه وكان يذهب الى احدى المدارس ويؤوب منها بصحبة خادم وكان لايعوزه اى شيء مما يستمتع به أطفال الدرجة العالية من الطبقة الوسطى ولا عجب في ذلك فأن والده كان محاميا بدأ يصعد سلم الشهرة والمجد ولايقل دخله عن مائه جنيه في الشهر غير انه مات بالسكته القلبية وهو في شرخ الصبا ولما كان بطبعه مبذرا متلافا فأنه لم يخلف لولده سوى اليتم والحاجه....
(( وما لبثت الزوجة ان انتقلت مع ولدها الى بيت ابيها وكان صاحب مدبغة وعلى قدر كبير من الغنى غير انه كان قاسيا لاتنفذ الرحمة الى قلبه وزاد الطين بله انه كان يكره زوج ابنته كراهة امتزجت بدمه فانتقلت الى ولده الصغير وان يكن حفيدا له.
((وسرعان ماتبدل حال الغلام فولى التدليل واللعب وذهب العطف والحنان وصار وجه جده العبوس عوضا عن وجه ابيه الذي كان يشرق بالحب والحنو وكانما خشى الخال ان لا يكون بالجد قسوة كافية فراح يكملها بضرب الولد ضربا مبرحا لأقل هفوة او دون اى خطأ وكان الخال جاهلا كأبيه وكم كره صهره المحامي لا لشئ سوى انه على عكسه راق سخى اليد فالآن هاهو ذا ينتقم من ولده اليتيم بالعذاب.
((ولعل أول تبدل لحظة الطفل هو انقطاعه عن الذهاب الى المدرسة بأمر جده وتحريض خاله وادخاله المدبغة بدلا منها وهناك راح يعمل مع الصبيان الصغار الذين قضى عليهم سوء الطالع بأن يحملوا متاعب الحياة صغارا.
((وهكذا صار ابن المحامي صبيا في المدبغة يشتغل من باكورة الصباح الى الأصيل وهو محاط بالماء والقذارة على ان عمله الأهم هو خدمة الجد والخال خدمة خاصة اذا كان يشري لهما كل مايحتاجان اليه من السوق ويحمل اليهما ظهرا طعان الغداء من بيتهما البعيد.
((ولكن في وسط ذلك الشقاء المحيط كان ينعم بحنان امه التي كانت تتألم لحال ابنها وتبكي لشقائه وكلما كلمت ذلك اباها واخاها اجابا بكلمة واحد لاتتبدل وهي انهما لايريدان ان يجعلا منه رجلا حتى لقد يئست اخيرا من الشكوى وصارت تبيت على ألم وقد يمتزج دمعها بدمع ولدها حتى يطويهما النوم...
يتبع.......
لاتنسوا التفاعل والتعليقات الحلوة حتى استمر 😊
وشكرا 🌺🌺
أنت تقرأ
اليتيم
Short Storyولد يتيم فقد ابواه منذ الصغر وعاش مع جده لامه وخاله الذي كانوا يرونه اسوء العذاب ويعاملوه كانه غريب. اهدي هذه القصة لكاتبها الذي لا اعرف اسمه من روائع الزمن الجميل .