الفصل الأول

80 11 0
                                    

آن فتاة بسيطة تحب الحياة والناس منذ صغرها، كانت تعيش في قصرها كالأميرات بالضبط، وبينما كانت تكبر مثل الجميع بدأت تفهم الدنيا، وبدأت تخافها كذلك، وبالتدريج أصبحت فتاة منطوية على نفسها، تحزن وحدها، تفرح وحدها، وتفكر وحدها أيضًا، أصبحت مشاعرها لها، ولها فقط، أصبحت تخبئها وكأنها جريمة عليها أن تخفيها من الجميع؛ فـ عندما كانت تظهر لم يكن أحدًا ليهتم بها؛ لذا فضلت إخفاء ما بها عوض إظهاره، وجعلها تظهر بمظهر المثيرة للشفقة، لم يكن هناك سوى ظلها الذي يعلم عنها كل شيء، ويشعر بكل ما تشعر به.

وبمرور الأعوام كبرت آن، وأثناء تمشيها في حديقة القصر، لمحت ضي خافت، استطاع هذا الضي أن يحوز على ثقتها في وقتٍ قليل وسريع إلى حدٍ ما، ولم يستطع أحد أن يفعل مثله في السنين التالية، أن يحوز على ثقة آن بهذه السرعة، سوى فأر صغير استطاع أن يفعل أكثر مما فعل ضي بكثير.

في بداية الأمر كان ضي برئ للغاية، شأنه شأن آن، وثقت فيه ووثق فيها، وكانا يجلسان معًا كثيرًا يتسامران ويستمتعان بالوقت برفقة بعضهما البعض، وهذا ما أثار غيرة كل من كان حولهما، وظلوا يتساءلون أعوامًا وأعوام عن سر صداقتهم البريئة والقوية هذه، وربما هذا هو ما أصاب صداقتهم القوية بالسحر الأسود فيما بعد.

بعد عدة سنين انحرف ضي عن مساره بشكلٍ غريب ومفاجئ لـ آن؛ ولكن في الوقت نفسه ظهر نور في حياة آن، قابلته خارج أسوار القصر، في وقت كان ضي ما يزال فيه في حياة آن؛ ولكن آن بدأت تنطفئ وتنعزل بشكلٍ غير ملحوظ لأحد، حتى.. لضي؛ ولكن نور لاحظه، لقد دخل حياتها في الوقت المناسب، وقت الظلمة، البيت المهجور، والسفينة التي تغرق.

أدخلت آن نور إلى مملكتها الخاصة، وجعلته واحدًا منها؛ فـ هي قد شعرت بالآمان من ناحيته، إنها مطمئنة بشكلٍ غريب وهي بجانبه.

استطاع نور أن يُنير الظلمة، يسكن البيت، يصلح السفينة، ولو جزء بسيط منها يجعلها تتمكن من الوصول إلى البر الأخر بأمان.

لم يكن كلاهما في أحسن حالته.. آن ونور؛ ولكنهما كانا محتاجين لبعضهما البعض في هذا الوقت الثمين؛ فـ قد ساعد نور آن على التخلص من الظلمة حيث ملائها بنوره، وسكن البيت، ورمم جزء لا بأس به من السفينة التي كانت على وشك الغرق، أما آن فـ ساعدت نور على ألا ينطفئ؛ بل علمته كيف يصبح أقوى أيضًا بمرور الوقت.

ولكن برغم شعور الآمان الذي شعرت به لأول مرة مع نور، كان ما يزال بداخلها جزء خائف، ولذلك لم تستطع أن تخبره أي شيء يخصها أو تشاركه بشيء كما فعلت مع ضي الذي نال منه السحر الأسود أخيرًا، وخرب مساره، وللأسف السحر الأسود لا علاج له؛ لذا لم تتمكن آن من علاجه، أو حتى مساعدته، السحر الأسود مميت، ولم يكن نور السبب في عدم مشاركة آن بشيء معه؛ لكن ربما الظلمة بداخل آن كانت أكبر من نور الصغير؛ فـ لم يستطع أن يمحيها بالكامل، أو يقترب من آن بالشكل الكافي.

وفي هذه الأثناء، وريثما كان يتمشى ثلاثتهم في حديقة القصر، وجدوا وردة صغيرة، وردة مزهرة بارعة الجمال، كانت تعشق الحياة، وكأي وردة كان لها شوك؛ لتحمي به نفسها، ومن حولها أيضًا، أما آن فـ كانت تخاف ولا تثق بأي شخص بسهولة؛ لذا عندما حاولت الوردة أن تقترب من آن خافت؛ بل ورفضت الاقتراب منها أيضًا، وحاولت أن تبتعد، إلى أن تدخلت بينهما نور، والتي كانت إلى حدٍ ما السبب في اقترابهما.

وبعد أن اقتربا ووثقت آن بالوردة، اكتشفت الشبه بينهما؛ فـ كلاهما يشعر بالألم، ومر كلاهما بالعديد من المشاكل، منها المشابه ومنها المختلف؛ ولكن كان هناك فرق أيضًا؛ فـ آن كان لديها العديد من نقاط الضعف؛ ولكنها تظهر بمظهر قوى، كانت محطمة من داخلها، وفي غاية التماسك أمام الجميع، أما وردة فـ لم تكن تستطيع أن تخبئ آلمها، وكانت تثق في الأشخاص بسهولةٍ كذلك، وتتحدث مع الجميع عن كل شيء.

في البداية انخدعت وردة بوجود ضي في حياة آن؛ وغارت من علاقتهم المقربة للظاهر؛ ولكنها لم تكن غيرة حقودة، هي فقط أرادت أن تملك شخص مثل ضي في حياتها؛ لذا وبما أنها دخلت حياة آن في وقت متقارب ونور، أرادت أن تحصل عليه.

أحبت أن يكون أربعتهم أصدقاء؛ ولكن كما أن آن وضي مقربين لدرجة كبيرة؛ إذن لما لا تكون هي ونور مقربين بنفس الدرجة؛ ولكنها فشلت في بادئ الأمر؛ فـ نور كان قد وضع آن في مكانة النجوم، ورفض أن يساوي بها أي أحد مهما كان.

وظل نور مقرب من آن بدرجة كبيرة، يحكى لها كل شيء في حياته، وآن تساعده على المضى قدمًا في حياته، وعلى تحسينها، كما كان نور يحاول بكل طاقته ليُضئ كامل ظلمة آن، كان يسعى ليكون في مكانة مقاربة لمكانة ضي، ولم يكن يعلم بأن ضي أصبح ضوء وهمي، موجود وغير موجود، موجود للعيان؛ ولكنه غير موجود حقًا في حياة آن؛ فـ كما ذكرنا السحر الأسود مميت.

وأول مشكلة بين آن ووردة كانت بسبب أنها تثق في الجميع بسهولة شديدة، ولا تستمع إلى نصيحة أي أحد؛ فـ اقتربت الوردة من شخص مُقَنْع لم تستطع معرفته على حقيقته؛ ولكن آن كان يمكنها أن تراه بلا قناع بكل سهولة؛ فـ هي وُلدت بموهبة تمييز الأشخاص الجيدين والسيئين، وعندما حذرت وردة لم تستمع لها، وظنت أنها تكذب لأنها لا تحمل دليل على كلامها؛ ولكن عندما ابتعدت آن عن وردة، فهمت وعادت واعتذرت؛ فـ قبلت آن الاعتذار؛ فـ هي قد أحبت الوردة.

وفي هذه الفترة كان نور يحاول أن يُكمل إنارة الظلمة لـ آن، وللأسف حالما استطاع نور أن يُنير الظلمة بالكامل، وشعرت آن بأنه قد حان الأوان، وتأكدت من أن نور لن يتركها، اختفى....

اختفى فجأة وبلا سبب،و استطاعت وردة أخيرًا أن تستحوذ عليه، على نور، وتأخذه من آن بسهولة غريبة، سهولة جعلت آن تعود للانطواء مجددًا؛ ولكن وردة لم تختفي من حياة آن كذلك؛ فـ هي أرادت أن تكون حلقة الوصل دائمًا وأبدًأ؛ لذا اقتربت أكثر من آن ونور في نفس الآن.

آن جعلت وردة تشعر بالآمان، وبأن هناك من سينصرها مهما حدث، ومهما حدث لن تذهب، نعم.. حرصت آن على أن تبثها هذا الآمان؛ لأنها لم تملكه يومًا؛ فـ لطالما أرادت أن تشعر بهذا الشعور، ولما لم تستطع أن تحصل عليه قررت أن تعطيه لمن حولها، وأولهم وردة، شعرت بالمسئولية تجاه الوردة، كأي أم تشعر بالمسئولية تجاه طفلتها الصغيرة.

ولكن اتضح أنه كان خطأ فاضح من آن فيما بعد....

خسارة موهبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن