الفصل الرابع

36 10 0
                                    

أخذت تقرأ وتقرأ لعلها تهدأ قليلًا؛ ولكنها كانت تفتح جروحها كلها واحدة تلو الأخرى، وهذا كان مؤلم حد الموت، كانت تظن بأنها ستشعر بأنها تقرأ حكاية خرافية؛ ولكن هذا لم يحدث....

وقد كانت هذه هي القشة التي قسمت ظهرت البعير كما يُقال..

قررت أن تبتعد للأبد، ومهما حدث هي لن تعود مجددًا؛ لذا استخدمت السحر؛ لتُذيل كل ما يتعلق بوردة من ذاكرتها، وفي هذه الأثناء الفأر ونور كانا ما يزالا في حياتها، يقضون أغلب الأوقات سويًا، يمرحون ويلعبون، ولا يفترقون إلا عند النوم.

ومرت العديد من الأيام والشهور على نفس المنوال، في سعادة وهناء، واستقرار نفسى لـ آن لم تشعر به منذ كثير من الأيام والشهور والسنين.

حتى حدث ما لم يكن على البال ولا الخاطر، لقد تشاجر الفأر ونور، مشاجرة كانت كبيرة للغاية، حاولت آن أن تصلح الأمور بينهما بشتى الطرق؛ ولكن الأمور كانت قد خرجت عن السيطرة؛ فـ قد علمت بوقتٍ متأخر للغاية، من المستحيل أن تُصلح الأمور؛ لذا قررت أن تبقى هي حلقة الوصل بينهما، وتترك الأمر للوقت ليحل ما صعُبَّ عليها.

وفي هذه الأثناء عادت آن لـ الألم والتعب، كما أن طاقتها وهنت، لقد خانت نور....

نعم.. خانته.. في نظرها قبل نظر أي أحد، هي لم تفعل أي شيء خاطئ؛ ولكنها أثرت السكوت؛ فـ لم تنبس ببنت شفه، هي حتى لم تحاول أن تتحدث مع نور في الأمور منذ أن حدث ما حدث؛ بل إنها انزوت على نفسها إلى حدٍ ما أيضًا؛ فـ هي لأول مرة كانت تشعر بالضياع، بالفشل....

وظلت آن في هذه الغفلة حتى صارحها نور بألمه منها، وهذا كان أول جرح غائر تسببه آن لنور، جرح لن يندمل مهما حدث أبدًا؛ لأنه سيُبقى ندبة تذكر نور في كل وقت بـ أن آن قد خذلته، وتركته وحيدًا، وهو في أشد الاحتياج لها.

نعم.. لقد كانت آن أيضًا مجروحة، وتشعر بأنه قد تمت خيانتها؛ ولكن هذا لا يشفع لها أبدًا، هي خاطئة مهما حدث، وربما.. ستظل تلوم نفسها على هذا الألم طيلة حياتها.

لقد كانت كلمات نور كدلوٍ مملؤ بالماء البارد، وقد وقع على رأس آن في ليلة شتاء تُمطر ثلجًا؛ ولكنها أفاقتها من غفلتها، وحاولت بكل طاقتها تعويض نور عن خطأها المقصود؛ فـ هي خافت أن تتصرف بشكلٍ خاطئ؛ فـ قررت الصمت، وهو ما كان خطأ أكبر بكثير من الحديث.

وبالتدريج بدأ نور يتحسن؛ ولكن في لحظة حاسمة اتضح المستحيل، المستحيل الذي تحقق بعد كل هذه السنين......

لقد خسرت موهبة آن؛ فـ لقد اتضح أن الفأر الصغير البرئ لم يكن سوى ثعبان متنكر.... تنكر حتى يُصيب آن ونور بالسحر الأسود، السحر الذى كانت تعلم وردة بوجوده جيدًا، وردة التي كانت أكبر مساعد لهذا الثعبان الأقرع؛ ولكنها أيضًا أثرت الصمت، لن أنكر لقد حاولت تحذيرهما، نعم.. حاولت.. ولكن ليس بقدرٍ كافٍ، وكانت النتيجة أنه ولأول مرة تخطئ موهبة آن في التفرقة بين الجيدين والسيئين.

وردة كانت تحدث كلاهما بالألغاز طيلة هذا الوقت، لم تتحدث بوضوح أبدًا، ألم تتحدث بوضوح ؟!، أم أن آن هي التي لم ترى ؟!، هي التي أغمضت عينيها بسبب الحاجز بينها وبين وردة، لقد كانت تُعاند نفسها، نفسها وليس أحدًا أخر، نفسها وفقط.....

سيظل هذا السؤال أزلي للأسف، هل وردة لم تحذرهما بالقدر الكافي ؟!، لم تحارب لتمنعهما حتى ولو بالقوة ؟!، أم أن آن هي من آثرت أن تغلق عينيها ؟!، وتغلق آذنها، ولم ترد أن ترى أو تسمع أي شيء.

من هو الذي كان يُريد لهم الأذى ؟!، لماذا تنكر لهم الثعبان ؟!، لماذا بث فيهم السُم ؟!، لماذا أقترب طالما أنه كان يُريد الذهاب منذ البداية ؟!....

لماذا أذى ثلاثتهم، أولهم وردة، ثم نور، وبالأخير كانت آن؛ فـ هو ترك الأكبر والأقوى للنهاية.

كيف لم تراه آن ؟!، كيف خدع السحر الأسود موهبتها التي لا تخطئ بهذا الشكل ؟!، كيف بحق السماء ؟!، كيف.. ؟!

الفأر الصغير لم يُكن فقط مجرد ثعبان أقرع؛ بل كان ثعبان مليئ بالسحر الأسود، وبارع به أيضًا، قام بجرح نور، ولدغ آن، ورحل سريعًا، اختفى وكأنه لم يُوجد قبلًا، ولحسن الحظ أو لسوئه جرعة السُم الأكبر كانت من حظ آن؛ فـ نور لم يكن ليتحملها أبدًا.

جرعة السُم هذه لم تقتل آن لقوتها، لقد نجت منها؛ ولكنها سببت لها شلل، ستُعالج منه بمرور الوقت؛ فـ هي لم تكن بالجرعة الصغيرة، الشكر لله أن آن ما تزال على قيد الحياة من الأساس.

لقد رقدت آن في السرير لفترة طويلة، وطوال هذه الفترة لازمها نور بلا حراك، ووردة كانت قد بدأت تعود إلى حياة آن بشكلٍ أفضل، الحاجز بينهما أخذ يُهدم بالتدريج كما بُني بالتدريج، وبدأ السُم يُسحب كذلك.

تحسنت آن بعد فترة طويلة؛ تحسنت.... نعم.. تحسنت بشكلٍ جسدى، استطاعت بعد عدة شهور أن تنهض من سريرها، وتقف على رجليها، وتتحرك؛ ولكن نفسيًا لم تتحسن بأي قدر بسيط حتى، لقد خانتها موهبتها لأول مرة، خسرت موهبتها أمام السحر الأسود، كانت محطمة من الداخل بشكلٍ كامل، من يراها يتأكد من أنها لن تكون بخير مجددًا أبدًا....

تعلمت آن السحر كي تعالج نفسها؛ ولكنها فشلت؛ لذا في النهاية استعانت به فقط لتتمكن من الظهور بمظهر المُعافاه أمام الجميع، وأولهم نور ووردة، لقد وهنت بشكلٍ لم يحدث من قبل، لقد أصبحت تُشكك في كل شيء حولها، وفي نفسها قبل كل الأشياء، ألم يكن الفأر مرآتها.. نفسها الأخرى..

مزحة.. وأيُ مزحة، إنها مزحة تُثير البكاء، الفتاة التي دائمًا ما كانت تأخذ احتياطاتها، ولا تثق بسهولة في أي حد، لم تثق وفقط؛ بل وتعاملت على أنها في إيدٍ أمنية مع نفسها، أنها مع من لن يرحل أبدًا حقًا، ولن يؤذيها مهما حدث، حقًا....

قررت آن أن تغلق على نفسها، وألا تفتح الباب لأحد مجددًا، ستظل في القصر، وستكتفي بمن فيه، وفقط....

وبمرور الأيام كانت آن تتمسك بقرارها أكثر، أصبحت تخاف وتشكك في كل شيء، وكل كائن حولها، حتى نفسها وموهبتها؛ فـ هما سبب ما حدث في البداية وقبل كل شيء.

أهذه النهاية ؟!.. ستتحول حياة الفتاة الصغيرة المرحة إلى حياة روتينية بشكلٍ آلى....

خسارة موهبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن