الفصل الثالث

102 12 11
                                    

تداخلت التكهنات و الظنون و تبعثرت الآمال، ظلت تحدق في الهاتف المحطم و انعزلت به عن العالم الخارجي، ربما يكون الوقت مبكراً جداً لتفكر بهكذا أمر لكن تشاؤمها دفعها لذلك فظلت تحدق به بذهول و قفزت تلك الخاطرة الى خلدها-قطعة من ماركو-، كانت دموعها تنهمر بغزارة على هاتف ماركو لدرجة جعلت كيتارو لا يفرق أيهما أكثر غزارة دموع السيدة نيكول أم الامطار المتساقطة.

لدقائق ظل كيتارو في حالة من الحيرة الشديدة و الذهول ظل يذرع الرصيف ممسكاً رأسه ، و فجأة رن هاتفه مصدراً أزيزاً فسحبه من جيبه بينما لم تلتفت نيكول مطلقاً و لم ينتابها أدنى فضول بشأن المتصل ، القى كيتارو نظرة على هاتفه فاكتشف أن والده هو المتصل و قد توقع حصول ذلك بالتأكيد فهو قد تأخر بما يكفي ليلحظ والده غيابه و فكر أن والدته الآن قلقة بنفس قدر غضب والده حالياً لكنه قرر ألا يرد على الاتصال و أتجه صوب السيدة نيكول بينما تنتحب بلا حول منها ولا قوة، بعد رؤيته لهاتف ماركو أدرك كيتارو أين عليه أن يبحث و هم بمحاولة لجعل نيكول تقف على قدميها مجدداً، وضع كفيه على كتفيها بلمسة حانية و قال بينما يصارع ليحافظ على رباطة جأشه:"سيدتي، لنبحث عن ماركو في مستشفى المدينة" رفعت والدة ماركو عينيها بإتجاه كيتارو و حاولت الوقوف و هي تستند عليه ثم قالت بنبرة حزن:"إنه ينتظرنا يا كيتارو أليس كذلك" فجأة غمرها الفتى الاشقر بعناق ينم عن مواساة عميقة و قال:"سيكون هناك سيدتي،و سيعتذر لك و سيعترف كم هو  أحمق و متهور" مسحت دموعها محاولة استعادة إتزانها ثم سمحت لكيتارو أن يمسك يسراها بينما تحمل هي المظلة.

كان شعر نيكول الطويل قد تشبع بالماء عن آخره بسبب التعرض المباشر للمطر و ذلك جعل دواراً طفيفاً يدب في رأسها لكنها واصلت السير رغم ذلك.
كان كيتارو يتجه غرباً صوب مستشفى المدينة بينما استغرقت والدة ماركو مجدداً في أفكارها عن ابنها و قبل أن يستميلها قلبها نحو التشاؤم المعتاد انتشلت نفسها معتصرة يد الفتى الاشقر، عندها التفت مطمئناً إياها بإبتسامة، حدقت نيكول في ملامحه و لوهلة رأت وجه ابنها يبتسم ملء ثغره رغم أن ماركو و كيتارو لا تجمعهما أدنى نقطة تشابه لكن يبدو أنها دخلت في حالة من الهلوسة، قطب الشاب حاجبيه إذ أطالت نيكول النظر في عينيه و قال مقاطعاً شرودها:"سيدتي؟!"ثم عاد يلتفت للأمام و هو يسير بسرعة،وقتها شعرت نيكول بامتنان عميق لصديق ابنها حيث استطاعت أن تلمس إخلاصه الشديد و تفانيه منقطع النظير و هذا كان العزاء الوحيد لقلبها المثخن بالهموم، خلال الطريق ظلت السيدة تصارع جيشاً من الافكار و الهواجس السيئة و المنطقية أحياناً و الشاطحة و الغبية أحياناً أخرى، تارة تنتصر و تبعدها عن نفسها و تارة تغلبها و تستسلم لهجماتها و في خضم المقاومة الضارية تلك أخيراً وصل كيتارو و نيكول الى مبنى مستشفى المدينة و هتف الشاب الاشقر بصوت أثقله التعب:"أخيراً... أخيراً وصلنا"جعلت تلك الكلمات قلب السيدة نيكول ينبض في حلقها مولداً شعوراً متضارباً يجمع بين اليأس و الأمل كلاهما يتأجج في صدرها بنسبٍ متساوية.

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن