صافح روبن الرجل العجوز الذي تقدم الإثنين و استمر يرمق ضيوفه بنظرة تتحرى اللطف بقدر ما يستطيع بينما يحافظ على وقفته الرزينة، و أخيراً أشار لصاحب المعطف الأسود بالجلوس الى المقعد المقابل له و انتظره حتى يأخذ راحته ثم همّ الشاب بالجلوس بدوره و عدّل سترته الناصعة على سبيل التأنق، مرر يمناه على ذقنه المحلوق حديثاً و تجهمت قسماته لتأخذ وضع الجدية المطلوبة في إنجاز الصفقات، تنحنح العشريني و قال بصوته الرخيم:"آمل ألا يكون السفر قد أثر في جسدك سيد أوستروزني"، أغمض العجوز أوستروزني عينيه اللتين طغت التجاعيد على جوانبها و ابتسم قائلاً:"و كأنني أتيت على ظهر جمل"، رفع روبن يسراه بوضعية شبه مفتوحة مشيراً الى رجل كان يقف خلفه عند باب موصد،فتقدم هذا الأخير نحوه و سلمه ملفاً بغلاف أسود، أمسكه سليل عائلة غوردوست و عاد يرسم تلك الابتسامة المشرقة على شفتيه و قال بينما يقلب صفحات الملف:"غلاف أسود، تعمدت اختيار هذا اللون ليتماشى مع لون أزياء أسرتك سيدي".
تحدث العجوز بحذر قائلاً:"هل يجب علي أن استبشر بهذا؟"، رفع روب الملف في وجه أوستروزني و هزه ثم وضعه على مقربة من العجوز و أضاف:"أسود يا أوستروزني أسود، ألا يوحي لك هذا بأن هناك بنود تصب في صالح اسرتك؟"، أخذ يعدّل ربطة عنقه الحمراء مستطرداً:"ناقشت بعض الشروط الجديدة مع الرئيس و قد وافق على معظمها لكن إياك و الظن أن هذا كان سهلاً، لا يبدي ذلك الرجل مرونة عالية في المفاوضات،أجزم أنه أشد حذراً منك أوستر، لذلك استحق منصبه كزعيم لعائلة غوردوست العريقة".
أومأ اوستر بينما يعبث بلحيته المتدلية و ثبت عينيه القرمزيتين على محدثه و قال:"سأحب أن تطلعني على لمحة من تلك التعديلات قبل أن اعطي موافقتي من عدمها".
فمد روبن يده الى قدح الماء الذي كان يستقر على يمينه و ارتشف بتأنٍ مرطباً شفتيه الدقيقتين ثم أطلق تنهيدة خافتة و أعرب:"حسناً، وسعت شراكة عائلتينا في الأعمال و عرضت صلاحية لاحتلال منصب أو اثنين في مجالس الأقاليم الأربعة حسب الظروف، إنها عروض لا تقدم كل يوم لذلك لا أنصحك برفضها، و إن وافق رئيس عائلتي على منح إمتيازات بهاته الضخامة الى جهة ما فهذا يعني أنه يضع ثقته الكاملة هناك"، ثم ختم صاحب الأعين الرمادية حديثه بحركة من حاجبيه و كأنه بذلك يؤكد شدة ضخامة عرضه، بعدها سمع العجوز يضيف:"أنا ممتن لك لتكبدك عناء تجهيز هذا العرض ، لكن عرض كهذا أراه كمبادرة تؤسس لتبعية دائمة لاسرتك، و ما أعلمه أننا شركاء و لن اسمح لأي أحد من آل غوردوست أن يرانا بنظرة أقل من ذلك".
اشبك العشريني اصابعه بهدوء و اختفت ابتسامته العذبة فجأة و حدج العجوز بعينين حادتين و قال:"أنا حريص جداً على عدم إساءة فهم أي من شركائي و لهذا السبب الغضب يعتريني في هذه اللحظة، أنا غاضب لأني لا أتلقى حسن الفهم الذي انتظره بالمقابل من شركائي"، لم يعلق أوستروزني على كلام روبن بكلمة بل حذا حذو العشريني و أمسك قدحه و شرب الماء حتى القطرة الأخيرة ثم قال بكياسة:"يبدو أني جرحت كبريائك، اطلب المغفرة سيد روبن"، ثم تنحنح و أضاف:"زعيم أسرتك لا يبدي مرونةً في المفاوضات على الاطلاق و لو حتى قليلاً، لكنك على عكسه روب"، ظل روبن يحدق به بنفس التجهم الأول لبضع لحظات لكن في النهاية تراقصت ابتسامة باهتة على شفتيه ثم أشار بيده للعجوز بالاسترسال في حديثه، عندها اوضح أوستر متابعاً:"سأضطر لدراسة عرضك على مهل،لكن في الوقت الراهن..."، ثم ألتفت لأحد رجاله مشيراً له ليسلمه الملف الذي احضره معه و استطرد:"سأجدد العقد الذي يربط الأسرتين دونما تغيير في البنود"،أخرج روبن قلماً أسود من جيب قميصه و سلمه لضيفه و قال:"لا بأس بهذا حتى الآن".
حك هيروكيول فروة رأسه في حيرة شديدة و ظل يبدل نظراته بين زاك و كارل ثم قال أخيراً مخاطباً زاك:"كيف استطاع هذا الاشقر الوصول الى مطعمي؟"،كان زاك يتصفح كتيبه الصغير عندما القى صاحب المعطف الأسود بسؤاله عليه فأجاب:"الشاب أمامك لمَ لا تسأله"، تقدم كيتارو بخطوات مترددة نحو صاحب المطعم لكن النظرات التي ألقى بها صوب هيروكيول كانت مفعمة بالثقة و التحدي و اخترق الصمت قائلاً:"كل ما كان علي فعله هو التوجه نحو بيت زاك و هو تكفل بالباقي"،انهى كلامه و شعر بنظرات الحضور تخترقه، عندها بادر زاك على غير عادته فقال:"هذا الفتى هو صديق ماركو المقرب، رغم تحذيراتي له إلا أنه أصر على المجيء و لست مسؤولاً على ما سيحصل تالياً".
أنت تقرأ
المغناطيس: الشظايا
Mysterie / Thrillerتدور أحداث القصة في ارض مقسمة الى أربعة أقاليم حيث تتصراع رؤوس السلطة على مادة إستراتيجية جاءت عبر نيزك سقط منذ مئات السنين، يجد ماركو الطالب العادي نفسه في صراع متعدد الأطراف . . . . الكتاب الأول سيكون بعنوان "الشظايا"، مع العلم أن هذه النسخة ه...