الفصل الثاني
*****
بالحي التي تقطن به أسيف وبغرفتها.. كانت تبكى بشدة واضعة كفيها على شعرها.. فقد أُرهقت من تلك الحياة.. أُرهقت من تحكم والديها ومن خدش حيائها.. تمنت لو ولدت في بيت أطهر من ذلك.. ولكن لا.. فقدرها قذفها هنا....
طالعتها الفتاة التي كانت تنام على الفراش المقابل لها وكفها يوضع على بطنها البارزة.. فوقفت واتجهت لفراش الأخرى وجلست بجانبها.. مدت يدها تمسد على ساق أسيف قائلة بمواساة :
- لا تحزني حبيبتي.. ألم تتعودي بعد على أفعالهما.. ما الجديد إذًا.. .نظرت لها أسيف بانكسار وعيون ممتلئة بالعبرات المُتألمة قائلة بصوتٍ واهن متألم :
- تعبت يا نهى.. تعبت ومللت من أمي وأبي وحياتي.. وكرهت هذا.. .أنهت جملتها موجهة سبابتها على جسدها .. هزت رأسها بألم وهي تضيف بغصة :
- أتمنى أن أحيا كأي فتاه محتشمة.. فتاة كل من يراها يحلف بأخلاقها.. أن أكون عفيفة ذات شرف.. أن أسجد لله وأنا طاهرة.. لا أريد الحياة هكذا.. لا أريد خسارة عفتي نهى.. لا أريد أن يصل بي الحال مثلكِ.. .
ندمت على أخر كلماتها حال أن نطقتها، فصمتت لبرهة تمسح دموعها بظهر كفها.. ونظرت لبطن نهى المنتفخة وهي تقول بهدوء مصطنع :
- أترككِ مني الأن وأخبريني ماذا قال سامي عن طفلكِ.. .سحبت نهى يدها من على ساق أسيف ووضعتها على بطنها وقد ظهرت ابتسامة سعيدة على ثغرها قائلة :
- أخبرني أنه سيتزوجني وينتشلني من هذا المكان اللعين.. ولم يوافق على إجهاضه.. بل يريده في حياتنا القادمة.. .ابتسمت أسيف على سعادة صديقتها وأختها التي لم تنجبها والدتها وقالت لها :
- اسعدك الله دائماً حبيبتي.. سامي رجل ويحبك للغاية.. يكفي أنه يريدك بعدما علم ماضيكِ.. .بادلتها نهى بابتسامة أكثر اتساعًا وهي تردف :
- شكرًا حبيبتي.. لا حرمنا الله من بعضنا .. وينقذكِ من هذا الوقر الملعون.. .تهجم وجه أسيف بمرارة وقالت بسخرية :
- أُنقذ من هنا!!.. أخبريني بشيءٍ آخر غير ذلك.. أنا مكتوب علي أن أظل هنا إلا أن يحين موتي.. .امتعضت نهى من كلام أسيف.. فهي دائمًا متشائمة.. لا تتفاءل أبدًا.. فلوت شفتيها تعنفها :
- كفاكِ تشاءم يا فتاة.. وما رأيكِ أنكِ ستهربين من هُنا.. والليلة أيضًا.. .جحظت أعين أسيف وهي تحدق بها بدهشة ثم قالت مستنكرة :
- هروب ماذا.. والليلة أيضًا لقد جننتِ يا نهى.. هل تعتقدين أن الأمر بهذه السهولة.. .حركت نهى عيناها بنفاذ صبر ثم نظرت لها قائلة :
- ليس لكِ دخل.. ألستِ تريدين التخلص من تلك العيشة؟!.. .اومأت أسيف موافقة ومازال ملامح الاستنكار تحتل وجهها لتكمل نهى :
- إذن افعلي ما أقوله لكِ دون أي تدخل.. أتفقنا.. .زفرت أسيف بضيق تهمس بدعاء أن يحصل هذا حقًا وتتخلص من تلك الحياة القذرة التي تغضب ربها عليها.. .
*****
بعد عدة ساعات في مكتب جاد...
يجلس على مكتبه وأمامه ملف قضية ما يدرسها باهتمام حين دخل عليه رجلٍ ذو وجه وقور مبتسمًا تخطى سنوات عمره الخمسون.. فوقف جاد فور رؤيته لرئيسه.. حياه جاد باحترام وجعله يجلس ثم جلس هو الأخر.. نظر له جاد منتظرًا منه الحديث فتحدث سيده :
- لقد أخبروني أنك هنا منذ يومين ولم تخرج من المكتب للأن.. فماذا يحدث معك جاد؟!.. .
أنت تقرأ
أرتويت بغيثه
Romanceقلوبًا جفاها القسوة والجحود فكانت أشبه بصحراءٍ جرداء لا يصلها الماء ولا الهواء... لا يوجد بها حتى نبتة واحدة.. وإن كان يوجد فستكون ذابلة أرهقتها سكرات الموت.... ولكن عصف فصل البرودة والمطر صحرائهم وروت إحداهم بغيث آخر... وهذا الآخر صعقه شعاع رعدي شح...