الفصل الرابع

2.7K 189 1
                                    

..#_فلاش_باك..
ترجل من السيارة بفرحةً لا توصف لينظر إلي الدمية اللطيفة بحقيبة الهدايا التي بين يده ثم أمسك القلادة المُزخرفة بروعةٍ رقيقة كحبيبته وذلك الفستان الأخضر القاتم لتزداد ابتسامته حماساً..لقد قدمَ علي وظيفةً بشركة عالمية مُرتبه أضعافا مُضعفةً ما يجنيه من محل والده وقُبل بها..لذلك أتي حامل هدايا بقلبٍ ينبض بحماسٍ حقا ستسعد بذلك الخبر حين تعلمَ..
رأي والده بداخل المحلَ مع والدته ليركض نحوهما ضاحكاً فهو قد ابلغهما من قبل ليقف أمام والده صارخا بضحك _ اتقبلت بالوظيفااااا
توسعت عيني والده فرحاً وتهللت أساريره ليعانقه سريعا مرددا بكلمات حامدةَ الرحمن بينما وقفت والدته عن جلستها تطلق زغروتة عالية تبتسم بفرحة له ، ابتعد والده عنه يسأله _ انت مقولتش لمراتك يالا صح ؟!
ضحك حمزة غامزاً بعينه بسعادة _ خليتهالها مفاجأة لحد ما اتقبل والحمدلله أهو حصل..هطلع ربقا افرحها..
لثم رأس والدته سريعاً ليركض أسرع لداخل المبني يتخيل ردة فعلها بحماس ، رأي شقيقته التي أغلقت باب شقتها حيث تسكن بذات المبني مع زوجها ليقترب منها بسرعة مبتسماً_ سمسمة..
رفعت"سمر" حاجبها بحذر من هيئته الفرحة لتصرخ بعدم تصديق _ اتقبلت فى الوظيفة صح ؟!
اومأ برأسه بتأكيد لتقفز نحوه تعانقه ضاحكةً بسعادة بادلها إياه ضاحكاً بمودةً ليبتعد عنها بغيظ حين فتح الصغير "سيف"باب شقتهم يمد رأسه بغيظٍ _انتي يا ولية يااللي بتتنططي زى العيال خرمتي ودني من الصراخ اتهدي بقا..
ضغط حمزة علي شفتيه بغيظ من لسيط اللسان ذلك _ وانت مالك انت يا زفت خُش ذاكر..
رفع " سيف" حاجبه ببرود _ايه ده انت بتأمرني يا حوزو طب مش مذاكر هاه..
هرول لأسفل قبل ان يتحرك حمزة بغضبٍ لتجذبه"سمر" بسرعة ضاحكة _ خلاص خلاص سيبه..
زفر " حمزة" يسألها _ الواد جاسر جوزك فين مش شايفه ؟!
تنهدت"سمر" بتذمر _ صاحبك ده هيجنني من اسبوع كل يوم يروح شغله الصبح ويرجعلي متأخر ع وش الفجر يادوب بشوفه لحظة قبل النوم..
أجابها حمزة زافراً _ معلش ما انتي عارفة شغل الشركات صعب ازاى..
تبسمت بتهكم تربت علي كتفه _ اهو بكرة تبقي زيه وتجنن مراتك أكتر..
لثم وجنتها رافعاً حاجبه باستفزاز متجها لأعلي نحو شقته_  لاااا انا ومراتي حالة خاصة..
دخل إلي شقته يبحث عنها ليراها تقف أمام النافذة تنظر للخارج بشرودٍ ..وضع ما بيده علي الأريكة ليقترب منها يعانقها من الخلف مسنداً رأسه علي كتفيها _ الجميل سرحان فى ايه ؟!
انتبهت"شيرين" له لتحاول الابتسام متنهدة _ مفيش بفكر شوية..حمدلله ع السلامة..
نظر حمزة إليها بتعجبٍ ليديرها له يسألها _ انتي كويسة ؟!
اومأت مبتسمةً بخفة ليتنهد حمزة ثم التفت يجذبها معه نحو ما تركه مبتسماً
_ تعالي بقا عشان عاملك مفاجأة وجيبتلك هدية..
نظرت شيرين للفستان تتلمسه بيدها تردف فى هدوء به لمحة سخرية _ حلو أوي...وياتري بقا جبته بكام ؟!
ضمَ حمزة بين حاجبيه متعجباً لسؤالها بل ولطريقة قيله _ جبته بكام يعني ايه ؟!
عقدت ساعدِيها بتهكم _ يعني جبته بكام ؟!..١٠٠ ! ٢٠٠ ٣٠٠ ؟!
ازداد تعجبه واستفزته طريقتها ليهتف بحدة _فيه ايه يا شيرين مالك ؟! من امتي وانتي بتسأليني السؤال ده ؟!
فردت ذراعيها علي أخرهما بسخرية _ فيه اني زهقت يا حمزة.زهقت من العيشة الضيقة والمسؤلية دي ومبقتش قادرة استحمل..
تراجع للخلف يرمقها بدهشةٍ وتشتت _ قصدك ايه ؟!
ابتسمت بضيق بادي علي وجهها لتشير إلي ما بيده _ انت عارف الفستان اللي في ايدك ده ييجي ايه قصاد اللي كنت بلبسه قبل الجواز ؟!! تقريبا ميجيش حتي ربعه لأن أقل لبس عندي ميقلش عن ٤٠ ألف جنيه ولا العقد ده مثلا اللي أخره ب ٢٠ جنيه ده يسوي ايه قصاد المجوهرات اللي كان يجيبهالي بابي من أغلي الماركات فى العالم ؟! ، الشنط والملابس والأحذية والعربيات كل ده وحشني يا حمزة ونفسي أرجع له ، نفسي أطلع من الحارة دى بقا وأرجع زى ما كنت بدل الخنقة المقرفة دي...
الآن باءت صدمته مهولة بجانب الإهانة التي مزقت قلبه بقسوةٍ لم يكن بمخيلته أنها ستشتاق لحياتها القيمة والتي أعتقد أنها ولتَ لتصدمه الآن.حقاً..الآن بعد مرور ثمانِ سنوات ! ، نظر إليها بتشتت يغمغم _انتي بتقولي ايه ؟! ، شيرين انتي واعية لعقلك ؟!
رفعت رأسها بجمود متجاهلة صدمته مردفة_ بابي ياما نصحني إني متجوزكش لأننا مش من نفس المستوي ولأنه عارف إني هسيب الهنا والدلال اللي كنت فيه وهتعب في حياتي معاك بس أنا عارضته لاني حبيتك وأختارت أكمل حياتي معاك بس للأسف بابي عنده حق .كان عارف إني هشتاق لحياتي ولسفرى معاه ..كان مستني أنزل الشركة معاه وأبقي سيدة أعمال مشهورة بس أنا سيبته وغلطت لما سلمت حياتي ليك ومشيت ورا الحب اللي خنقني ...أنا عايزة أتطلق يا حمزة..
جذب ذراعيها يرجها بجنون صارخاً بصدمة _ انتي بتقولي ايه ؟! ما انتي كنتي راضية بعيشتك معايا ومش بتقولي حاجة ..بعد كل السنين دي جاية تقوليلى زهقتي وعايزة تطلقي ! طب وابننا اللي بينا !؟
دفعت شيرين يده صارخة بغضبٍ وقد فاض بها الكيل _ ابننا ده انا هاخده معايا أربيه..هدخله أحسن مدارس وهسفره العالم كله..هيدرس في افضل الجامعات ويطلع حاجة أتشرف بيها..مش هسيبه وسط الحال ده يدمر مستقبله..
جاء ذو الثمانِ سنوات من داخل غرفته حين احتد الصراخ ليقف عند عتبة الباب بخوفٍ وهو يرى والدته بعد ان نادت بإسمه تتجه نحوه تجذبه معها ليمنعها حمزة صارخا بحدة _ ابني مش هيتحرك من هنا انتي سامعة ؟! ، عايزة تمشي غوري اهو الباب يفوت جمل لكن ابني لااا..
ضحكت بسخرية لتترك يد ابنها مردفا _ خليهولك يومين اشبع بيه بس اتأكد إني هاخده منك حتي لو بالقانون..بابي مش قليل في البلد وأكيد هيساعدني أني أخد ابني وأتطلق منك واسيب الحياة الفقيرة دي..
هز حمزة رأسه وهو يشعر أنه أمام شخصاً آخر ليس زوجته الحنونة بالمرة ليكتم غضبَ جرحَ كرامته رامقاً إياها باحتقار يغمغم_حقيرة..
ضحكت بتهكم ليهتف حمزة بجدية _ انتي طالق يا شيرين..
رفعت رأسها بإرتياح لترمقه من أعلي إلي أسفل بإهانة ثم إلي ما ملقي أرضاً قبل ان تلتفت نحو الخارج _ اشبع انت بقا بالحاجات دى..مبقتش تليق علي شيرين العزازى..
تسارعت أنفاسه وهو يشعر بقلبه يتمزق إلي أشلاء لكنه بقيَ صامداً بل جلدَ قلبه عن الشعور بشئ اتجاهها حتي باتَ قلبه مُتجمداً..ف من يُخذلنا لا يستحق منا سوا التجاهلَ بأمره..
....#_باك..
فاق من شروده علي يدٍ تنكز كتفه وصوتٍ يهتف _ بابا..بابا..
تمالك حمزة ذاته يسأله بحدة وهو يدفع يده فهو يمقت تلك الحركة_ فيه ايه ؟!
تراجع كريم قليلاً بتذمر _ فيه ايه انت بقالي ساعة بنده عليك وانت سرحان ؟!..مجاوبتش علي سؤالي..اتطلقتوا انت وماما ليه ؟!
زفر حمزة يُدلك بين عينيه بيده بتعبٍ_ ابقي خليها هي تقولك يا كريم ..
زمّ"كريم" شفتيه بغيظ _ ليه ما تقولي أن..
قاطعه حمزة بنبرة لا تحتمل النقاش _ خلاص يا كريم كفاية عايز تعرف تسألها هي انتهي..
تأفف كريم يرفع نظارته لعينيه ليتنهد حمزة ينظر إلي الليل الذى حلَ من حولهم بجدية _ كفاية كدا انت لازم ترجع البيت عندك مدرسة الصبح..
زفر برجاءٍ _ بس انا..
قاطعه نظرته الحادة ليتأفف بمضض _ خلاص هروح بس انت كمان لازم ترجع دلوقتي الواد سيف زمانه مستنيك..
تنهد حمزة بهدوء ليسيرالاثنان معاً ويردف _ خلاص تعال أوصلك وأرجعله..
* * *   
فتحَ باب الشقةَ ليتعجب من الظلام الكاحل بها ، أغلق الباب يهتف باستغراب متحركاً بحذر من أن يكون خدعة ما _ سيف !...ولا ؟!
انتفض بفزع من تلك المفرقعات النارية التي انفجرت بالأرض حوله ليضع يديه علي قلبه ثم أذنيه ورفع رأسه بذعر حين أِنيرت الأضواء وقفز ذلك المشاكس يركض نحوه صارخاً بمرح مُطلقاً الزينة فوقه_كل سنة وانت طييب يا حوزوووو..
وضع يده علي قلبه متنهداً بيأسٍ والآخر يطلق المضمار المزعج _  يابني هو انا ناقص ضغطي يعلي..حرام عليك قطعتلي الخلف.
ضحكَ"سيف"وهو يعانقه بحرارة _ كل سنة وانت طيب يا حمزة..عقبال مية سنة وتجوزني وتربي عيالي معايا يااارب.
ابتسم حمزة بيأس من تغيره فهو لم ولن ينسي يومَ ميلاده وهو يبادله العناق يلثم رأسه ثم ابتعد وهو يري"سيدة"تقترب مع زوجها مبتسمة _ كل سنة وانت طيب يا حمزة..
هتف زوجها مبتسماً _ ربنا يحفظك للمجنون ده..ده من الساعة ستة الصبح كان هيهد علينا البيت عشلن يأكد علينا نعلق الزينة.
ابتسم"حمزة" بمودة وهو يضرب رأس من بجانبه برفق _ أنا آسف بجد ليكم أكيد الحيوان ده تعبكم..
نظر إليه سيف بغيظ _ ده بدل ما تقولي شكرا علي الزينة الحلوة دى اللي انا دافع فيها دم قلبي وواقف من الصبح أعلقها ؟!
هتف حمزة ساخراً _ بفلوسي..
صاحَ بغيظٍ أكبر بوجهه _ وأنا وأنت ايه يعني مش واحد ؟!
نكزه حمزة بخصره بغيظ متمتماً _ مش قدام الناس أخرس..
أقتربت مهرة بتردد مع ابنة عمتها التي هنئت حمزة بابتسامة ثم نظرت إليه مبتسمة خفوت _ كل سنة وانت طيب يا استاذ حمزة..
رمقها"حمزة" بهدوءٍ يخفي الكثير مردفا بخفوت _ شكراً..
أمسك سيف يده يجذبه نحو الطاولة حيث الكعكَ _ تعال بقا عشان نطفي الشمع قبل ما يسيح..
تحرك معه حمزة ليلمح بعينيه بعيداً البلالين ليهتف بغيظٍ _ مين يالا اللي جاب بلالين انت ؟!
أوقفه بجانبه يهمس بغيظ _ خلي الخناقة بعدين وأخلص هنطفي الشمع..
ليبدأ بالغناء عالياً معهم وهو يصفق بحماس تحت نظرات حمزة له المغتاظا وهو يشعر بنفسه أنه طفل صغير بينهما وهذا يجعله يتحمحم بإحراج لكن سعادة الأخر الذى يجاوره وهو يغني جعلته ينسي ما حوله ويبتسم بحنان..
بينما تختلس تلك المُهرة نظراتٍ عاشقة له وهي تلفظ اسمه مع الأغنية ببطئ وهمس لتبعد نظراتها عنه بسرعة حين نظر إليها حمزة ولم يعلم لمَ قد شعر بها وقد صدقَ قلبه تنهد بحرارة ليبتسم حين أحاطه سيف من الخلف وهو يكمل غنائه بضحكَ..
ابتسمت مهرة وشاركها الآخرون وسيف يطعمَ خاله الكعك ويجبره علي انهاء القطعة وحمزة يزمجر بغيظ..
انتهي الحفل الصغير ورحل الجيران من الشقة ليغلق حمزة الباب مسنداً رأسه عليه يتنهد بحرارة وحنق ونظراتها لا تغيب عن عقله ، التفت يعود للداخل ليراه يقف بجانب الطاولة ومازال يأكل الحلوي بتلذذ ، اقترب منه يضرب رأسه بغيظ _ ارحم نفسك شوية..
ترك سيف ما بيده مبتسماً بغيظ _ ياعم جعان وبعدين ده انت لو كنت اتأخرت شوية كمان مكنتش هتلاقي التورتة دي اصلا..
جلس يريح رأسه علي الطاولة متنهداً _ وانت هتفضل كل سنة تعملي عيد ميلاد كده ده انت ذات نفسك مبتفتكرش عيد ميلادك اصلا..
بدأ ينظف ما بالطاولة ضاحكا بمرح _ ياعم وانت عيد ميلادك يتنسى !؟ ده انا بحسب الأيام بالجدول عشانه وعلي الأقل أحمد وأشكر ربنا إنه خلق ليا خال قمر زيك..
ابتسم "حمزة" يضع يده أسفل ذقنه قائلاً بلا وعي _ ده انا يالا لو أبوك مش هتعمل عشاني كده..
تلاشت ابتسامته ليحاول الابتسام مجدداً لكنه فشلَ ليكمل ما بيده بصمتٍ بينما ضربَ حمزة جبهته بندمٍ لما قاله ، رفع عينيه نحوه ليرى هدوءه النادر والذى اكتشف أنه بات مزعجاً له ليزفر بنية مشاكسته ثم وقف بجانبه باستغراب_ بقولك ايه هات كده الطبق اللي فيه كريمة ده..
جذبه سيف له بصمتٍ ليشهق بصدمةٍ حين الصق حمزة الكريمةَ البيضاء بوجهه ليغرقه بالكامل ليضحك وهو ينفض يده ثم ربت علي وجنته باستفزاز _ كده احلي بكتير يا سوسو..
ازالها سيف بيده بصدمةَ لينظر إليه بوعيدٍ وشر _ انت ميت النهاردة..
تراجع حمزة للخلف ضاحكاً بحذر والآخر يتقدم إليه _ بس يالا خلاص..ولا اهدي ب..
قاطع كلماته حين قفز سيف عليه لتبدأ المعركة الساحقةبكلَ ما تطوله الأيد تصاحبها ضحكاتهما التي أضافت للحظة بهجةً وإشراقاً..
* * *  
أغلق " جاسر" حقيبته ليجلس علي فراشه متنهداً وبداخله يزداد شوقاً للعودة إلي بلده الحبيبه ، أمر بالدخول لمن طرق باب غرفته ليدلف هادي للداخل مردفا بجدية _ العربية جاهزة..
التفت إليه بهدوء زافراً ليرتدي سترته بيما اقترب هادي متساءلاً _ بما اني شغال مع حضرتك من سنين وعرفتني عنك حاجات كتير واعتبرتني في حكم صاحبك تسمحلي أسٱلك السؤال ده وتجاوبني بصراحة ؟
هتف جاسر يكمل سؤاله وهو يهندم سترته دون النظر إليه _ هو أنت نازل مصر عشان تستلم الشحنة اللي ممكن بمكالمة تخلصها ولا نازل عشان ابنك ؟!
ضحك هادي بخفة _ مع اني عارف الإجابة بس عايز أتأكد..
استدار جاسر إليه متنهداً _ أنا اتخليت عنه نص عمره يا هادي..عشر سنين مشوفتهوش ولا سمعت صوته وأظن آن أوان اسمح لنفسي لمرة واحدة أشوفه..عارف أن مواجهته هتكون صعبة بس أنا أستحقها وأستحق أى ردة فعل منه مهما كانت قساوتها..
لمعتَ عينيه بدمعٍ لكنه تماسك وهو يكمل بألم _ عارف أنه مش هيسامحني أبداً..حتي لما يعرف الحقيقة واللي عملته ده هيمحي أى ذرة جواه أنه يفكر حتي يسامحني..
رمقه هادي بحزن هاتفاً _ كلنا بنغلط..احنا مش جايين الدنيا عشان نعيش حياتنا صح...احنا مش ملايكة...لازم نغلط عشان نتعلم..بس قبل ما نتعلم لازم نعرف ازاى نصحح الغلط ده..
فاضَ به الكيل ليصرخ بألم _ بس في غلط مبيتغفرش..غلط بيتصلح بغلط أكبر...غلط ممكن يغير حياة بحالها ويدمرها...كل ده ميستحقش السماح والرحمة ، أنا غلطت وبعاقب نفسي ببعدي عنه..بُعدي عن ابني الوحيد اللي من لحمي ودمي...ابني اللي بعتبره كل حاجة في حياتي بعدت نفسي عنه...أنا أستاهل الوجع ده..
اقترب هادي منه يردف بحزن _ بس هو ميستاهلش...انت غلطت لما سبته ف اكتر وقت كان محتاجك فيه من غير ما توضح ليه ، سبته لحد تاني يربيه عنك ويعيش معاه وأنت تجلد نفسك وتتعذب ببعدك عنه وبدل ما تصلح غلطك وترجعله تقف جنبه لا زودته وبعدت أكتر...هو ميستاهلش منك ده..
فرتَ دمعة من عينيه تهرب من جحيم ألم قلبه وهو يشعر بنبضه يتزايد بصخبٍ...ينبض بألم ..ندمَ...وخوفٌ من مواجهة صغيره حين يعلم حقيقة ما اقترفه بحق والدته !؟
* * *  
كان يتمدد علي فراشه يتاورى خلف الغطاء إلا من رأسه وذلك الضوء الخافت أظهر شروده وتلألأ دمعاتٍ علي حافة حدقتيه الحمراء تتمرد أن تهبط وتحرق وجنتيه..
دخل" حمزة " غرفته ليجد حاسوبه النقالَ علي فراشه ف عَلم بأن الآخر قد فتحه..بل ورأي صورةَ والده معه !؟ ، خرج من الغرفة متجهاً إلي آخرى ليفتح الباب فيراه علي تلك الحالة ، تنهد مقترباً منه حتي وقف بجانب الفراش بهدوء _ لسه صاحي ليه يا سيف ؟..
رمقه بنظرةَ صامتةَ ليعود ويشيح بوجهه عنه ، زفر حمزة بصبرٍ ليجلس بجانبه ثم جذب يده يضمها بين كفيه تحت نظرات الآخر يردف في صدقٍ _ ..أنا عارف إني مهما عيشت معاك عُمرى ما هقدر أعوضك عن غيابه..لأن غياب الأب مبيتعوضش بس أوعدك..إني هعمل أي حاجة أنت عايزها ف سبيل سعادتك..هفضل جنبك لآخر نفس في عمرى..بس عشان خاطري نفذ ليا طلبي ومتتجاهلوش..
رمقه كطفلَ صغير تائه بتساؤل ليمسح حمزة علي خصلاته متنهدا ببسمة حانية _ متخفيش عني حزنك..زى ما بتشاركني فرحتك في كل حاجة شاركني حزنك...حتي لو مقدرتش أخفف وجعك بس علي الأقل ترتاح من الكتمان...صدقني لو فضلنا نكتم في وجعنا عن اللي بنحبهم هنتعب أكتر...عايز تزعل..تبكي..تصرخ..تعال عندي وأعمل اللي أنت عايزه...أنا مش عايش في الدنيا عشان نفسي..أنا حرمت نفسي من كل حاجة عشانك لأني عايز أعيش معاك انت وبس...والمفروض عليك في المقابل تعملي اللي أنا عايزه وأنا بقولك أهو...أرجووك طلع كل حزنك قدامي ومتخبيش عني حاجة...ممكن ؟!
تنهيدة حارةَ أخرجها سيف وهو يومأ برٱسه بحزن هامساً _ حاضر..
مال حمزة يلثم جبينه طويلاً بأبوة صادقة دائمة للأبد..يعلم اشتياقه لوالده مهما جاهد لكتمه وذلك يؤلمه لأنه لا يقوَ علي التخفيف عنه بل ولا يقوَ علي إرجاعه...فما فعله بشقيقته قبل وفاتهاَ بحادث السيارة لا يُشفع له عنه ، جلس حمزة بجانبه أسفل الغطاء ليعتدل سيف وهو يريح رأسه بين أحضانه بينما أحاطه حمزة بحنان وهو يمسح علي خصلاته برفق ضاحكاً بخفة هادئة _ تعرف يالا...رغم كل الضغط اللي بلاقيه برا البيت في الشغل وحياتي..إلا أني لما بدخل البيت وأشوفك وأحضنك كل الهم والضغط بيروح..
تبسم رغم حزنه متمتما بضحكة _ اشمعني ؟!
ضربه علي رأسه برفق مغتاظا _ لأنك دوايا يا حمار...والواحد مهما لف ودار وتِعب البيت هيبقي راحته وآمانه الأول...مع الناس اللي بيحبهم..اللي ملهوش غيرهم في الدنيا ومهما طال العُمر معزتهم عمرها ما تقل..
نظر إليه برفع حاجب بغباء _ ايه ده يعني أنا ناس مش واحد ؟!
جذب رأسه بغيظ إلي أحضانه مجدداً _ نام يا حمار نام..
ضحكَ سيف وهو يندس بحضنه أكثر هامساً بتنهد متجاهلا تلك الغصةالمؤلمة بقلبه_ بحبك يا حمزة..
لثم رأسه مجدداً متنهداً وهو يُفكر بداخل عقله بمكالمته إليه المُريبة متساءلا لما يتصل بعد تلك السنين !!..تُري هل فاق وسيعود !؟؟...

ضغط خالي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن