هل قالوا أن للأعين حرب !....نعم هي كذلك فكان كل منهما يقف صامتاً لكن عينيه تقودَ جيوشاً من المشاعر تُهاجم عينيّ الآخر..عتاباً قابله ندمٌ...غضبٌ صدّهُ شَجنْ..عتابَ صَديقان مُنذ الصغر لم تفرقهما لحظةً وكانا معاً بكل شئ..
أصواتٌ عالية...صراخٌ..عِراك ساحقٍ بينهما انتهي بَفَرهما للمشفي ليتلقا صدمةً كالرعدَ علي مسامعهما بِفُراق الأحباء الذين لُقوا حتفهم بحادثٍ سيارة.. ..وقوفهما معاً بصوانَ العزاءَ أسفل المبني للعائلة التي لطالما جمعتهما سوياً..أحدهما ينظر للآخر بغضبٍ وكُره وعينيه كالجمر من كثرةً دموعه المريرة..بينما الآخر يخفض رأسه ينظر بالفراغ بشرودٍ ودموعٍ جارية علي وجنته تحكى مدى ألمه الداخلي الذى يِمزق قلبه يشعر بأن ذلك ذنبه..وهو بالفعل..
مرَ شريطاً لكل هذا أمام أعينهما كأن الأحداث لازالت حدثت بالأمس لكن بفرقَ هيأتهما الآن بعد أن كَبِرا بالعُمر ويقفان الآن كالأغراب بعدان كانا أفضل الأصدقاء علي الإطلاق...ياللسخرية..
ابتسم حمزة بسخرية مريرة..لقد توقع مجيئه بعد تلك المكالمة لكن لم يتوقعً صَدقَ ظنه ، رمشَ جاسر قليلاً يشيح بوجهه عنه ليعود وينظر إليه متمتما بشوقٍ يفرُ بين كلماته _ وحشتني يا صاحبي..
وابتسم مجدداً يهز رأسه نفيا بسخرية وقد أشاح بوجهه عنه ينظر بعيداً متنهداً بحرارة ثم نظر إليه أخيراً بعد عناءٍ قضاه بكبتَ زمام نفسه التي تحثه علي لكمً ذلك الوجه المُتحدث أمامه رادفا باستهزاء وبرودٍ باسماً _ كنت عارف..كنت عارف إن اللحظة دي هتيجي وهشوف وشك تاني رغم كل تحذيرى ليك إني ألمحه بس لكنك عاندت وجيت..مع إنها متأخرة..بس احسن من مفيش...
اهتزت عيني جاسرَ هامساً بحزن _ مش هتقولي أدخل ؟!..
شهقَ حمزة بخفة مُصطنعاً الدهشة يشير بكفه إلي نفسه_ أنا مقولكش أدخل ؟ ازاى ! ، بقا معقولة يا راجل بعد كل السنين دي تزورنا في البيت وتمشي كده من غير ما تاخد كلمتين حلوين يعدلوا مزاجك..ده حتي تبقي عيبة في حقك.
اقترب جاسر منه وبصوتٍ يكاد يُسمع من ندمه _ ٱنا عارف ان ابني مش هيتقبل وجودي بعد اللي عملته بس أنا جيت عشانه وعشان أحاول حمزة أنا..
" مين يا حوزو " قالها سيف ضاحكاً بتعجب الذى لاحظ تأخر وقوف خاله ٱمام الزائر متجهاً نحو الغرفة التي بها كريم ليقترب وهي تواجه باب المنزل لتتلاشي ابتسامته بصدمةً حين رأي من يقف أمام الباب من الخارج بنفس اللحظة التي خرج بها كريم من الغرفة حين استمع لأصواتهم ليقف بجانبه باستغراب ثم ما ان لبث لينفرج ثغره بدهشةً حين رأي من تخطي عتبة الباب ليقف بجانب والده لكن دهشتهُ بالطبع لا تُعادل من يجاوره الذى نبض قلبه بصخبٍ وغضب وألمٍ وحقدٍ جعلت أنفاسه تعلو بشدة حتي باءت مسموعة وعينيه ثابتة عليه لا تنحاد ولو لثانيةً ، أغلق حمزة الباب ليعقد ساعِديه يُقرب وجهه من أذن الآخر الذى يتأمل الشابان بتوترٍ وعيون مهتزة يغمغم بسخرية وهو يردى تشتته بينهما _ قولتلي جاي عشان ابنك مش كده ! ، ياتري عارف ابنك مين من الاتنين دول ولا تحب أشاورك عليك !...
هل يسأله !...بالطبع لقد عرف من هو..فيكفي صدره الذى يعلو ويهبط وعينيه المُسلطة نحوه التي اشتعلت غضباً يكفي لإحراقه لينبض قلبه بقلقٍ من تلك المواجهة وخوفاً من نهايتها...
فاق كريم من دهشته قليلاً ليرفع اصبعه يشير إليه بصدمةً _ عمو...عمو جاسر !!..
تطلعَ حمزة لذلك الغاضبٍ بصمتٍ ومن داخله يبتسم برضا وشماتةً لما سيتلقاه العائد من الهجران من صغيره....اااه كم انتظر تلك المواجهة..
أشار برأسه لوَلده ثم تحرك وهو يعقد ساعِده ليمر من جانب جاسر الساكن متمتماً له بسخرية _ أحُصد ..
جذب إبنه المُندهش معه إلي غرفته ليدخلا معاً ثم أغلق الباب منتظراً سماعَ صراخُ العَتاب منه أو صِراخ الآخر من بُرود كلماتٍ إبنه والتي بالطبع قد ورثها عن خاله..
............
صمتٌ وصمتٌ وصمتٌ...لو كان أحداً يجلس معهم لكان صرخَ بهم بأن يتحدثوا بدلاً عن ذلك الصمتُ المؤلم الذى تهللت أساريره حين صدحت ضحكات سيف العالية متجهاً إلي الأريكة ليتهاوي بجسده يريح ظهره للخلف ومازالت ضحكاته دائمة حتي ادمعت عينيه ..لقد أتي..نعم لقد أتي !<<
جاسر يرمقه باستغرابٍ وحذرٍ مؤكداً أن وراء ذلك الضحك انفجاراً نارياً لكن لم يحدث ذلك..ابتسم بحنو وهو يري ضحكات صغيره الوسيم الذى يشبهه لقد أحبها من اللحظة الأولي..لكن تجهمت ملامحه مجدداً باستهجام لذلك الضحك الذى لا يتوقف رغم أنه يقل تدريجياً
اقترب منه حتي وقف ٱمامه ...تفصل بينهما طاولةً زجاجية..نظر إليه بتمعن بهد هدأت ضحكاته مردفا _ عامل ايه ؟!..
مسح سيف دمعاتٍ ضحكه مردفا وهو يرفع قدمٍ فوق الآخري باسطاً ذراعه علي حافة الأريكة ببرود ضاحكاً_ أنا الحمدلله تمام وانت عامل ايه ؟!..
تفحص جاسر حركته الوقحة التي لم تعجبه البتة ليزفر بحنق هاتفاً _ مش عايز تمدد جسمك شوية أحسن! ، ما هو واضح ان حمزة مش مربيك إنك تحترم اللي أكبر منك...
هز قدمه ذو الحذاء الرياضي مبتسماً بلامبالاة رغم ثورة قلبه المُشتعلة التي يكبحها بصعوبة من الانفجار بالصراخ المُتعب ليردف من بين ضحكته _
والله حمزة مربيني علي حاجات كتيرة حلوة فعلا..لكن لما انت مضايق من الحركة دى مرجعتش ليه عشان تربيني زيه وتعلمني معملهاش هاه ! ..
دسَ جاسر يديه بجيبي سترته متهكماً _ واديني رجعت يا استاذ سيف والايام بينا كتير وهعرف أربيك كويس...متقلقش.
ابتسم سيف بسخرية ليميل بجذعه يستند بمرفقيه علي ركبتيه هامساً باستهزاء وبطئ _ يا بجااحتك ياخي...حقيقي يا بجاحتك ، يعني حتي بعد اللي عملته فيا واقف قدامي من غير ذرة ندم واحدة ! ، كلمة آسف تقيلة عليك للدرجادي !!..
سأله جاسر بتهكم _ ولو قولتهالك هتسامحني ؟...
نفي برأسه ببساطة _ لا طبعا..
رفع جاسر كتفيه _ يبقي أقولها ليه ؟!..
زفر سيف مصطنعاً التذمر ببرود _ تعرف..حمزة حكالي عنك قبل كده وقالي انك عنيد..عنيد حتي في الغلط وبتكابر عشان متقولش انك غلطان وفعلا عنده حق من اللي انا شايفه قدامي ده ..بس مكنتش اعرف انك بارد كمان.
كلماتٍ سيئة آخرى من فمّ بُنيه تُلقي علي مسامعه ومازال صامتاً ينتظر انفجاره الأكبر...إن كان في موقفٍ آخر لصفعه علي الفور لكن الآن الوضعَ مُختلف..الأب هو الخاطئ وصاحبٍ حُكم العقاب الإبن...يعلمَ أنه يستحق ذلك منه وسيتحمل قليلاً...سيحاول أن يصمت عناده الذي يحاول الاعتراض ويخرج من هذا المنزل ليعود أدراجه للخارج لأنه مُتاكدٌ أنه لن يسامحه مهما تحدث أو أعتذر...لكن القلب العنيدّ يآبي ذلك فهو اشتاق بشدة لمن يجلس أمامه كالحاكم يحكم علي سجينه بالعقاب المُستحق...حرفيا أشتاق إليه ولن يتحمل الابتعاد عنه مرة آخرى....إذن ف عليه بالمحاولة..سيجعله يُسامحه ولو بعد حين ..حتي إن كان إجباراً...
.........
أرتشف حمزة الماء بعد ان ٱخذ دواءه لينزل الكأس الزجاجي يقبض عليه بعنفٍ يكاد يهشمه ..ملامحه يحتلها الغضب كلياً من كل مما يحدث وهو يجاهد لتهدئة ذاته لكنه فشل ليلجأ لحبة دواءٌ مرة آخرى لكنّ دون جدوي ، هوي بالكأس علي الأرضية مزمجراً بغضبٍ ليتهشم الي فتاتٍ مُصدرة صوتً حادا مزعجةُ ،كور قبضته يلكم المرآة بعصبية حتي تكسرت لينتفض كريم الجالس علي الفراش يراقب حالة والده بحذر وقلقٍ لكن حين اشتد غضبه وقف بإرتباك وهو يرى يده التي تنزف _ بابا آآ.
التفت له يرفع يده مشيرا بإصبعه المغرق بالدماء متمتماً بعيني بها هالة حمراء أثر الغضبٍ يغمغم_ هششش...كلمة واحدة منك وهطلع كل غضبي من الكائن اللي برا ده فيك...مش عايز أسمع نفس.
جلس كريم مجدداً متأفف بحنق متمتما _ يتعصب منهم هما ويطلع عصبيته فيا.
رفع حمزة حاجبه بحدة _ عندك مانع ؟!..
نفي برأسه غيظ ليصمت للحظة ثم لم يعد فأشار إلي يده _طب..طب إيدك بتنزف جامد وممكن..
صرخ حمزة بحدة وهو يدور ذهاباً وإياباً _ ملكش دعوة..
وقف كريم متجهاً إلي المرحاض صائحاً بغيظ _ لا بقا انا مش هستحمل الجنان ده ..
خرج يمسك عُلبة الإسعافات الأولية ليتحرك نحوه ثم جذب والده نحو الفراش بعنادٍ ليجلس حمزة زافراً بمضض ، اثني كريم ركبته يجلس أرضاً أمامه ليبدٱ بتعقيم يده بتوترٍ من الدماء فيما أخفي حمزة بسمةً حانية كادت بالظهور لمظهر صغيره القلق ومن ثانية لآخرى يرفع نظارته التي تنزلق بإصبعه ثم يكمل ما يفعله ، كرر الفعله حتي تلخطت النظارة ببعض الدم ليزفر حمزة يرفعها بيده اليسري يسندها لكي لاتنزلق هاتفاً _ خلاص دعكتها.
هتف كريم زافراً _ هنضفها بعد ما أضمدلك الجرح..
ضم حمزة كفه بعد ان انتهي الآخر الذى ذهب للمرحاض مجدداً يِنظف نظارته ، بينما وقف حمزة يتجه نحو الشرفة ليرفع رسغه يستند علي بابها ينظر للخارج بشرودٍ فيما مضي...جاء كريم يرتدي نظارته ليراه شارداً ليس كعادته غاضباُ..حتما السبب هو من بالخارج ، وقف قبالته يديه خلف ظهره الذى أسنده علي الحائط ليتكلم بعد وهلةٍ من الصمت متمتماُ _ بابا..
بهدوءٍ دون حديث نظر حمزة إليه ليهمس كريم بإعتذار _ أنا أسف..
تنهد حمزة في هدوءٍ _ مكنتش هتقولي لو سيف مكنش طلب منك ده..مش كده !!..
دارت عينيه بالغرفة ليتنهد بحرارة هاتفاً بحيرةٍ _ مش عارف..
همهمَ حمزة بهدوءٍ مردفا _ مش عارف..ولا مش عايز تديني مكان في حياتك بعد اللي عملته !.
فتح فمه كاد بالحديث قبل ان يقاطعه حمزة بانفعالٍ وقد فارتَ أعصابه _ أنا مبقتش فاهمك يا كريم..مبقتش عارف أنت عايزني ولا لا..مسامحني ولا لا...
انا حاسس انك معلقني فى الهوا لا طايل سما ولا أرض..لا عارف أتعامل معاك بطبيعتي كأبوك ولا أتعامل معاك زي الغريب....طب انت بتحبني..بتكرهني ! ، مش عارف اي حاجة عنك ولا أنت سامح ليا حتي إني أحاول..هنفضل علي الحال ده لحد امتي !؟..
اثني كريم فمه ببسمة ألم هامساً _ وأنا لو بكرهك كنت هفكر حتي اسأل عليك ولا أزورك طول السنين دي ! ، بابا أنا بحبك ومقدرش أعيش من غيرك ، بس لما أنت سيبتي وبعدت عني أتوجعت..كنت فاكر إني غالي عندك وهتحاول بدل المرة ألف ترجعني أنا وماما ونعيش مع بعض..لكن أنت أكتفيت بمرة واحدة ، بس رغم كده أنا مسبتكش وكنت بأصر علي ماما تخليني أزورك من فترة للتانية لأن مهما كان أنت أبويا وبحبك...لما بدأت أفهم الوضع أحترت..مبقتش عارف أرجعلك لأني مش قادر علي بُعدك...ولا أستقر مع ماما في القصر والدلع اللي عيشتني فيه...كنت أناني ..مش عايز أسيب حياتي الغنية معاها وبنفس الوقت عايز أعيش معاك لأني حاسس إنك عملت كده لسبب ، كنت محتار ومتردد ومش عارف أثبت علي حاجة وشوفتي لعلاقتك بسيف زودت حيرتي وأفتكرت إنك خلاص مبقتش مهتم بيا لأنك لقيت اللي يعوضك عني..
هز حمزة رأسه نفيا يتمتم بألم يجد صعوبة فى كبته _ مفيش حد بيعوض مكان التاني مهما عاش معاه ، مهما عمل وسوي ومثل علي نفسه إنه بيعوض مكان غيره بس الحقيقة هو مبيعوضش ، أنت شوفت الظاهر بعلاقتي بسيف وقد ايه هو قريب مني زي ابني..لكن هو مش ابني ومش هيكون ، أنت مشوفتش جوايا ايه ولا مشاعري ايه وأنا شايف إنك بتبعد عني درجة بدرجة عشان تحكم عليا إني أقرب لسيف منك ، مفكرتش تبص للصورة من زاوية تانية..تشوف ازاى سيف بيعتبرني زى أبوه اللي هجره من يوم وفاة مامته ومفكرش حتي يكلمه يتطمن عليه...بيعتبرني أبوه..لكن هل أنا أبوه ! ، عارف أعوض مكانه !..كله هيشوف كده لكن الحقيقة غير كده خالص ، ده أنا كنت بسمعه بيبكي طول الليل من كتر اشتياقه لٱبوه.محتاج ضهره وسنده يرجعله وهيسامحه بس بعد ما ياخد جزائه ، كان غيران منك لأني معاك رغم الخلل بينا بس جنبك ومعاك ، مقدرتش أعوضه عن أبوه ولا هقدر ، وبعد كل ده شايف إنه عوضني عنك !..
أخفض كريم رأسه بحزن بينما أكمل حمزة بحدة وقد اكتفي من ذلك الألم _ عايز تعرف اتطلقنا أنا وأمك ليه هحكيلك..
سرد إليه ما حدث لتتحول ملامح كريم من الصدمة إلي الدهشة استحقار وتشتت أجفله جعله تائهاً بين تلك المشاعر المؤلمة..
********
مازال يضع قدمه فوق الآخري ببرود هاتفاً _ إطلع برا..
رمشَ جاسر بعينيه باستنكار _ أفندم !..
نظر سيف إليه بتهكم ساخراً ببرود _ أقولهالك تاني..إطلع برا.
تطلع حوله بأرجاء المنزل هاتفاً في هدوء _ والله أظن ده بيتي قبل منك..
رفع سيف كتفيه بلامبالاة _ شقتك تحت وحتي لو حبيت تقعد فيها مش هينفع...المفتاح معايا...يعني ملكش مكان هنا.
تجهمت ملامح جاسر بحزن يخفيه خلف قناع الثبات _ ٱنا جاي هنا عشانك.
هتف سيف ببساطة وجمودٍ _ وأنا مش عايزك...ثم فكرني كده جايلي بصفتك ايه ! أبويا مش كده...حضرتك أنا أبويا في أوضته هنا بيتكلم مع أخويا..يعني أنا معرفكش وميشرفنيش ٱصلاً...دلوقتي اطلع برا أصلنا بننام بدرى.
ٱنهار قناع ثباته ليتنهد تنهيدة حارة هامساً بشوقٍ جارف يحمل بين طياته الألم والندم معاً _ حاضر يا سيف..همشي ، بس كنت عايزك تعرف إنك وحشتني وكان نفسي أشوفك وأشبع عيني منك ولو مرة واحدة...عارف إني مهما أعتذرت مش هتسامحني وأنا فعلا أستحق ده بسبب اللي عملته زمان ، أنت متستحقش أب زيى..حمزة أفضل مني والنتيجة أهو..رباك وكبرك وأكيد علمك حاجات حلوة كتيرة ..رغم قلة أدبك وطولة لسانك اللي ورثتهم منه إلا إني عارف أنك أحسن من كده..
رفع سيف رأسه نحوه بعينين حادةً أخرسَ قلبه الذى ينبض بعنف يودَ الارتماء بحضنه للحظاتٍ ليُشعله غضباً ساحقٍ يحمل وعيداً فاق مشاعِره كُلها..حسناً وبعض القلق من تنفيذ الآخر لما قاله والرحيل بعيداً مجدداً..لكن بالطبع غضبهُ تخطي قلقهُ بسباق ٍالمشاعر ذاك..انتبه لجملةً بين كلماته ليعقد حاجبيه بحذرٍ مؤاكداً خلفها شئ...أم سبباً لرحيله..
فتح فمه كاد بالحديث ليتوقف حين انفتح باب غرفة خاله تابعه خروج كريم يركض للخارج حتي خرج من الشقة بأكملها ، نظر سيف للغرفة ليجد حمزة يخرج بجمودٍ فأحترم مجيئه وهبَ واقفاً يعتدل بوقفته ولاحظ جاسر ذلك ، اقترب حمزة منهما يكبت غضبه بصعوبةً من لكمَ ذلك اللعين ليفق من تفكيره علي سؤال سيف المُستغربَ _ فيه ايه يا خالي كريم راح فين ؟!
نظر إليه بهدوءٍ متمتما وهو يرمق الآخر بطرف عينه _كان عايز يعرف اتطلقنا
ليه قولتله..
جحطت عينيَ سيف بدهشة _ قولتله ليه أنت مش قولتلي إنك مش هتعرفه !
زمّ شفتيه بغيظ هاتفاً بحدة _ كان مسيره هيعرف يا سيف..دلوقتي أو بعدين.
رفع جاسر حاجبيه بتعجبٍ _ معقولة لحد دلوقتي لسه قايله السبب ! ، معني كده إنه مش عايش معاك.
نظرا إليه الاثنان بحدة هاتفا معاً وبدا مُتاشبهان _ دي أمور عائلية متخصكش بتدخل ليه ؟!.
هتف سيف بحنق_ أظن الزيارة خلصت يلا اتطلع برا وياريت متتكرش تاني.
نقل جاسر نظراته لحمزة الذى تقدم نحوهً ساخراً بحدة _ هو مش قالك يلا..ما تيلا !
زفر جاسر لينظر إلي سيف هاتفاً بجدٍ وهو يضع ورقةً علي الطاولة_ أنا مسافر بكرة طيارتي الساعة 10 الصبح...العنوان(----) ، لو كنت حابب تتكلم معايا..الورقة دي فيها كل أرقامي.
لم يجد ردٌ منه ليتطلع نحو حمزة الصامتً إيضاً لكن عينيه المُشتعلة كفيلة بإحراقه يهدده إن لم يذهب الآن ستحدث كارثة لن يخرج حياً من بين يديه..
فورَ خروجه من المنزل خطي سيف بغضبٍ ليغلق الباب بعنفٍ ليلتفت يتنفس بعلوٍ وغضبٍ وحيرةً وألمٌ حتي لم يعرف ماذا يحدد ليجذب خصلات شعره للخلف متأففاً باختناق ، راقبَ حمزة انفعاله ليتقدم خطوة منه هاتفاً بحذر _ لو عايزه يرجع أنا ممكن أخرج وراه حالاً أجيبه تحت رجل...
قاطعه سيف صارخاً بأنفعالٍ _ مش عايزه...مش عاييززه.
ركض إلي غرفته يوصد الباب بإحكام يسند رأسه عليه وقد تعالت أنفاسه تشقَ صمتَ غرفته المُخيف..يشعرُ بقلبه يتمزق بألمٍ وعقلهُ لا يرحمه من الغضبٌ الذى يضربهْ كمطرقةً حادة لا تتوقف يتذكر تلك اللحظات التي جمعتهما معاً بعد ابتعادٍ سنواتٍ جعلتهُ مُتخبطاً بين مشاعره..أي ألمُ هذا ..إنه ألمَ التردد والحيرة ..لا يُريده..لا يُريده..ولكن...يُريده !!..
..
أنت تقرأ
ضغط خالي
Humor...... هناك أحدٌ لا توجدُ كلماتٍ شكر تكفيه ..يُقاسمك حزنك ويُبدله لإسعادك ...يحميكَ من الأذي حتي إن تألم هو لذا عانقه واصمتُ...دع مشاعِرك تشكرهُ... النهاية