الفصل التاسع

2.3K 162 3
                                    

هتف سيف بمحاولة لتبرير خطأه _ أنا كنت عايز أمنعه من السفر ومكنش قصدي آآ..
قاطعه حمزة مرة آخري ساخراً بحدة شديدة _ قولتلك لو عايزه يقعد مش هتردد لحظة أجيبه تحت رجلك بس أنت تتكلم لكن اللي عملته ده ليه ولا عايز توضح إنك غبي وخلاص !!
لم يجب سيف ونكس رأسه مجدداً بحزن وحيرةً ليزفر حمزة يستغفر ربه غله يهدأ ثم هتف به بجدٍ _ سؤال وترد عليه بكل صراحة...انت عايزه معاك ولا لأ ؟.
حثته نفسه بأن ينفي لكن القلب لم يريد الكذب أكثر ليتمتم بخفوت متنهداً بدمعٍ_ أيوة عايزه..
هتف حمزة بحدة _ وحشك ولا لأ ؟..
رفع رأسه إليه بعدم تحمل هاتفاً بنبرة مُهددة بالبكاء _ وحشني وعايزه وكل حاجة بس مش قادر اسامحه علي كل السنين دي ، بعد كل ده رجع وافتكر ان عنده ابن يسأل عليه وفاكر ان الحياة هتمشي ببساطة بينهم...حتي لو سامحته المعاملة بينا هتكون ازاى بعد كده ! هتعامل معاه ازاى اصلا وهو غريب عني ! هتعرف عليه !!، هتعرف علي ابويا ؟
زفر حمزة وبداخله حرب ما بين الإفصاح والتكتم لكن لم يرى ان ذلك الوقت المناسب..لم يعلم متي سيأتي !..
هتف زافراً بحنق _ مش عارف اقولك ايه ، لا قادر أقولك ابعده عنك وخليه زى مكان ولا اقولك اقعد معاه واسمع له يمكن يلاقي سبب مقنع.
انكمش ما بين حاجبيه بعدم فهم _ يلاقي ؟ ، معني كده انه معندوش سبب أصلا إنه يبعد عني ؟!!
صمت حمزة ولم يجيب ليصيح سيف بحدة _ هتسكت انت كمان ؟..
تنهد حمزة بطريقة علم منها الآخر أن هناك شيئاً يكتمه _ كل حاجة هتعرفها في وقتها يا سيف.
وقف سيف بعصبية _ والله أنا شايف ان ده وقتها المناسب بس طالما انتو مش راضين تتكلموا عن اللي حصل لأمي قبل موتها يبقي خلاص اتفرض عليا اخرس ومتكلمش ، بس والله العظيم يا خالي لو فضلتوا مخبين عني لأخسرك..أنت ..وهو.
انطلق للخارج يصفع الباب بعنف فغمض حمزة عينيه وقد تعب من الكتمان..إن تابع سيخسره..وإن أفصح سيخسر سيف والده للأبد حتي هو لن يسلم من غمرة العتاب والتوبيخ حين يعلم بالأمر..
. . .    
مرت عدة أيام أصبح سيف عصبياً لأبعد حد ولا يحتك بأحداً منهم رغم محاولت كريم معه لكن دون جدوي..سئم حمزة من انفعالاته لقد بات يهرب هو الآخر من الحديث معه بينما لم يسافر جاسر بعد ومنذ ان خرج حمزة من المشفي ولم يأتي مجدداً لهم بالمنزل وانشغل بعمله واستعد للسفر مرة آخري لكنه أراد الاطمئنان عليهم لمرةً أخيرة وأيضاً لمحاولةَ أخيرة يعلم نسبتها ضئيلة بأن يتقبله سيف..
فتح كريم الباب ليدخل جاسر بصمتٍ يتنقل بعينيه بين أرجاء المنزل بحزنٍ يستعيد ذكرياته مع زوجته الراحلة وعائلتها الحنونة...هنا يجلس معهم أمام التلفاز يتحدثون..وهنا يقف بجانب المطبخ يضحكَ معها ويغازلها وهي تلكزه بحياءٍ..وهنا يتشاجر مع صديقه حمزة علي لعبة البلايستيشن لتتعال أصواتهم وتمتد الأيدى إلي بعضها بجدال حاسم وابنه سيف يصيح بتشجيع وحماس ثانية له والآخري لخاله لينتهي بهما الحال مُرتمون علي الأريكة بتعب ثم تصدح ضحاتهم الرجولية ، لعبة صغيرة يتشاجران منذ الصغر أمامها حتي بعد نضجا مازالا يلعباها دون اعتبار لعُمرِهما ، حقاً ذلك تفاهةَ كما يقول العم بكر والد حمزة دائماً كل ما أن يراهم .
ابتسامة دافئة هرولت لثغره متنهداً بداخله داعياً لهما بالرحمة وغصة كالسيف غزت قلبه آلمته ،  لينتبه علي نداء كريم له حين لاحظ شروده ، سأله جاسر عن والده فأشار كريم علي الشرفة حيث يقف حمزة يميل بساعِديه يسندها علي سور الشرفة الحديدى ينظر أمامه للشارع بشرودٍ غير منتبه لما حوله ، وقف جاسر خلفه مطلقاً تنهيدة حارة كأنه لا يجد كلمات ليقولها ، هتف بعد صمتٍ لوهلة زافراً بهدوء _ حمزة.
نداء أحدهم أخرجه من شروده فأستدار له بجمودٍ فأردف جاسر بحزن بدا في نبرته _ أنا جيت أسلم عليك قبل ما أمشي..
ابتسم حمزة بتهكم ليلتفت كما كان ساخراً _ أهرب..أهرب يا جاسر..ما أنت عملتها زمان ومش جديدة عليك..
تقدم جاسر خطوات حتي وقف بجانبه يتنهد بخفوت _ أنا لما عملتها زمان عشان خاطر سيف ، هو ميستحقش أب زيى بعد اللي عملته ، سمر لو كانت عايشة كانت..
قبض حمزة فجأة علي عنقه بعنفٍ يقطع كلماته من أن يكملها لينظر إليه جاسر بندمٍ يخفيه خلف الصمتٍ ، تركه حمزة متنفساً بحدة يرفع اصبعه هامساً بشراسة _إياك تنطق اسمها علي لسانك..
هز جاسر رأسه بدمعٍ لمع بعينيه وخار ثباته الزائف ليقترب منه بألم يمسك ساعِده _ حمزة ، سامحني..يا صاحبي أنا..
دفع حمزة يده بعصبيةٍ وهوي بكفه بصفعةً كالصخر علي وجهه _ أنا مش صاحبك ولا يشرفني إني أكون ، أنا بستحقر من نفسي إني ناديتلك في يوم باللقب ده وأعتبرتك أخويا..
أغمض جاسر عينيه بألمٍ ثم فتحهما بثباتٍ زائف وهو يهم بالتحرك :_ خلي بالك علي سيف يا حمزة..
أمسك حمزة مرفقه بعنفٍ يُديره إليه يهتف بحدة بها لمحة ألمٍ :_ أنت ايه !..مفيش فايدة فيك ،الهروب بقا أحسن طريق ليك..بدل ما تواجه وتعوضنا علي فراقك تمشي تاني ببساطة ، طب لو مش هتقعد عشاني..عشان ابنك..سيف ، ده حتة من سمر اللي محبتش غيرها في حياتك ، ليه مش عايز تقعد معاه تعوضه عنها..ليه اخترت تسيبه وتهرب لمجرد عملت غلطة شوفت انها وقفت الدنيا قدامك وهي العكس...ربنا ادالك العمر ده كله ومازال بيديك فرص تاني عشان تصلح اللي عملته..تفتكر هو راضي علي اللي بتعمله ده ولا سمر هتسامحك وهي شايفة انك بتصلح الغلط بغلط أكبر..بتعاقب نفسك في ابنك اللي بيحبك اللي ملوش ذنب.ليه؟..لييييه يا جاسر حرام عليك كفاية بقاااا حس بينا..
صرخ باخر كلماته وهو يدفعه بصدره لتهبط دموع جاسر ويندفع يعانق حمزة
بشدة يبكي بحرقةَ وهو يشدد من عناقه بينما حمزة ذراعيه عالقة بالهواء لا يعلم أيضمه أم يدفعه بعيداً ليغمض عينيه بدمعٍ وهو يستمع له يهمس بنحيب :_ وحشِِّتني...وحشِتني يا حمزة..
أنزل حمزة يديه ببطئ يضعها علي ظهر جاسر يضمه أكثر..أراد دفعه ولكن تغلب اشتياقه عليه..ما أصعب أن تُبعد شخصاً كنتَ تعزّه يوماً ما بعد أن أتاكَ يبكي نادماً يريد التسامح...فالقلوبَ مهما كانت قساوتها ستأتي لحظة وتُصبح هشةً رقيقة لا تحتملَ رؤية دمعةً تنزفها عينُ الأحباء.
ربتَ علي ظهر جاسر يتمتم بتنهيدة عميقةَ :_ ادعيلها بالرحمة يا جاسر ، هي مش محتاجة غير دُعانا..
من بين دموعه الغزيرة التي تغرق وجهه أغمض عينيه بألمٍ يريح رأسه علي كتف صديقه هامساً ببكاءٍ :_ كان نفسي أقولها تسامحني...كان نفسي تفتح عينيها وأشوفها للمرة الأخيرة..بس هي راحت ومش هترجع تاني..ليه ..ليه تروح من غير ما أقولها تسامحني..كنت محتاج لحظة واحدة والله ليييه تروح ..
هتف حمزة مبتلعاً تلك الغصة الحادة وهو يشدد من ضمه :_ هشش استغفر ربنا
بعدَ وهلةٍ هدأ جاسر من بكائه وابتعد عنه يمسح دمعاته بتنهيدةُ حارة ثم هتف بألمٍ :_ أنا عارف إني غلطت في اللي عملته وغلطت أكتر لما فكرت إن ده العقاب المناسب ليا ، بس صدقني مش عارف اصلح كل ده ازاى..
أجابه حمزة بنبرة هادئة :_ خليك..كل ده هيتصلح لما ترجع لينا ولبيتك ، سيف مهما حاول يظهر إنه مش عايزك أنا متأكد إنه لسه بيحبك ونفسه يترمي في حضنك وهيسامحك..بس أنت ترجع يا جاسر.
تنهد جاسر يومأ برأسه بخفةً ثم رسم بسمةً باهتة علي محياه هامساً برجاءٍ:_ هتسامحني !؟.
أشاح حمزة بوجهه بصمتٍ ثم نظر إليه قائلاً بهدوء :_ هحاول.
دخل سيف من باب المنزل بتجهم ليراهم علي هذا الحال فتأفف أكثر وهو يغلق الباب فأصدر صوتاً انتبه له الأخران ، نظر إليه جاسر بحنينٍ ثم أخرج من جيبه تذكرة السفر يمزقها أشلاءٍ أمام عيني سيف الذى ابتسم بتهكم ولا يعينه ما فعل ثم ذهب إلي غرفته يحاول ضبط نبضات قلبه التي ثارت بفرحةً وكادت أن تهرول إلي أحضان ذلك المبتسم لكن منع نفسه بصعوبةَ..
تنهد جاسر طويلاً فهتف حمزة :_ محتاج وقت..قليل.
رفع حاجبه بتهكم :_ تفتكر قليل بجد ؟.
اتجه حمزة نحو الأريكة مردفا بسخرية :_ أقطع دراعي إن ما كان الواد ده ثانية وهيجرى يحضنك ويزغرط من الفرحة كمان أنا عارفه.
ضحك جاسر وهو يتهاوى بجانبه بتنهيدة :_ متعرفش كنت واحشني قد ايه يا حمزة..
رفع حمزة حاجبه ثم صرخ به بعصبية أجفلته بفزع :_ أنت لسه هتقعد ! ،قوم امشي اتكلم مع ابنك..
انتفض جاسر واقفاً بغيظ :_انت لسه فيك العادة دي ، قولتلك متصرخش فيا فجأة احنا مبقيناش صغيرين..
نظر حمزة حوله عن شئ يقذفه بها بحدة :_ ده لسه هيتكلم كم...
أمسك الوسادة بعصبيةٍ بينما ركض جاسر بهلع :_ غور يالا من هنا ورا ابنك..
تأفف ثم تركها بجانبه ليلتفت لليمين فرأي كريم يقف بتصنم وبين يديه كوب ماء وبالأخرى قُرص أبيض وما أن التفت حمزة له حتي انتفض بفزع يمد يده المرتعشة باهتزاز:_ال الددواء يا باشا..
أخذهم حمزة من يده متأففاً بضيق:_شكراً.
........
#__ضغط_خالي..
__صفاء محمد..

ضغط خالي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن