مشكلة عويصة

93 4 0
                                    

- قضى مارك ليلة سيئة مليئة بالكوابيس و الأحلام المزعجة مذعورا مرتعبا . لم يستطع النوم بسبب ما حصل له مساء أمس . و بعد مزيد من الترددات ، صمم على أن يبلغ الشرطة لأنها جريمة يعاقب عليها القانون و لا يستطيع أن يكتمها مهما بلغ الأمر  ، لذلك استرخى وهو مطمئنا.
- في الصباح التالي، تابع أعماله كعادته . لم يكن يستطيع التركيز لا في العمل و لا في شيء آخر.  بل كل ما يشتت انتباهه هو الكونت فاليوس جوناثان. تردد مرات عديدة بخصوص قراره ، لكنه لم يرد الوقوف مكتوف الأيدي ، و لا يهم ماذا سيحدث بعد ذلك. فماذا عساه أن يفعل؟
- أخد هاتفه و اتصل:
- طلب المساعدة من مكتب الشرطة!!
- أجابه الظابط: ما الخطب يا سيدي؟
- أرغب في الإبلاغ عن جريمة قتل حدثت ليلة أمس .
- أين حدث هذا؟
- حوالي على بعد خمس عمارات من الشارع الرئيسي.
- هل يمكنك وصف المعتدي؟
-  لا داعي لذلك، فأنا قريب منه و أعرف مكانه جيدا.
- ماذا يمكنك أن تقول لي عن الشخص؟
- كل ما أعرفه أنه بالكاد قد خرج ليلة أمس متنكرا و قد أسرع إلى حانة قريبة أمام مبنى ، و قد لجأ إلى مكان مظلم صحبة الضحية عندئد حدث ما حدث .ثم أضاف: هناك ما هو أكثر أهمية ، فقد كان بمعيته شخص سانده في الجناية قدم له مبلغا كبيرا من المال يفوق ٥٠٠ جنيه.
- هل أنت متأكد من صحة أقوالك؟
- أجل تمام التأكد، فقد شاهدتهما بأم عيني.
- أين هو المعتدي الآن؟
- انعطف إلى اليمين عند نهاية الشارع مباشرة ، و اتجه إلى الأمام إلى أن تصل إلى قلعة.
- سأضع ذلك في محضر . إن تذكرت أي شيء آخر جديد . اعلمني على الفور دون تأخر.
أغلق مارك الهاتف و ارتعدت فرائصه، أحس أن الأمر لن يمر مرور الكرام . فمع أنه فعل الصواب إلا أنه خاف من أن الكونت قد يكتشف كل شيء و حينذاك سيقضي عليه لا محالة . لكنه ثبت عزيمته آملا أن يسار كل شيء على ما يرام .
كان و قت الغداء ينتقل بين أرجاء الفناء عندما لفتت انتباهه لوحة معلقة على الجدار كتب عليها : اجتماع هام و عاجل ، على الجميع الحضور له.
بدأ مارك يستكشف حقائق غريبة عن الكونت، فهو بالطبع من دبر الأمر برمته . ترى لماذا يعلن اجتماعا في غير وقته؟
على حين غرة ، و بعد لحظات من التأمل . أحس بوخز في ظهره فوجد راسيل خلفه.
- ماذا تفعل هنا؟ أردف راسيل. أليس من المفروض أن تكون في منصبك الآن؟
- أجاب متمتما: بلى، خرجت لتوي لأنني أضعت المرآة الخاصة بي. ثم أضاف مغيرا الموضوع: ما سبب هذه الدعوة؟ و قد أشار إلى اللوحة المعلقة على الجدار.
- لا أعلم بالظبط، أنا فقط أنفذ الأوامر من سيدي . أمرني أن أحرص على أن يكون الجميع بعلم بهذا الاجتماع.
- طيب. أستودعك بالانصراف.و قد انصرف إلى حيث أتى مرتبكا.
دق ناقوس خارج الممر معلنا عن خروج الجميع للاجتماع.
لجأ الموظفون لقاعة الاجتماعات بما فيهم مارك  و جلسوا عامتهم على مقاعدهم في انتظار وصول الكونت .
- دخل هذا الأخير القاعة و هو يكاد يتنفس الصعداء و قعد في المقعد الأمامي بين الحشد.ثم استهل حديثه موجها خطابه إلى الجميع:
- مرحبا. مشكور لتلبية الدعوة. ما سأخبركم به لن يكون سارا أبدا. أحتاج إلى قضاء شهور خارج الحصن . لذا ألتمس منكم أن تأخدوا إجازة شهرا كاملا حتى تتحسن الأمور ، فإن لدي بعض الأعمال يجب أن أتفرغ إليها و بعدها يمكنكم استأناف العمل من جديد.
دهش الجميع لهدا القرار المفاجئ و كذلك مارك ، فقد راح يفكر بعمق و انتصب في مكانه كالتمتال حتى يخيل إليك أنه متجمدا . فما هذا الذي يحدث؟  ، كان يشك في أن الكونت فاليوس قد استرق السمع عندما كان يحادث رئيس الشرطة و بعدها قرر الفرار لينجو بحياته. أيعقل هذا؟. ظل يتأمل بينما تابع الكونت كلامه قائلا:
- لن يدوم هذا طويلا. فقد أحتاج إلى بعض  السكون و الهدوء لأتمم أغراضي .قال هذا و العرق يتصبب من جبينه حتى إنه لم يقوى على الكلام مرة أخرى و قد أخد يدير رأسه بين الحينة و الأخرى إلى نافذة حجرة قاعة الاجتماع. ثم أضاف مجددا:
- و الآن ليذهب كل منكم إلى منصبه للاستعداد للمغادرة و جمع حاجاته.
غادر الموظفين القاعة ، لكن مارك ظل مذعورا من فكرة أن الكونت سيفر هاربا من أيدي الشرطة ، فلم ينتبه لذلك.
وقف أمامه شخص ما ليثير انتباهه . كان الكونت بعينيه!! . كاد أن  يفقد الوعي لفرط خوفه  ، لكنه ما لبث أن تشبث بمقعده و ظل يحدق به.
- ألست ذاهبا إلى حجرك؟ أردف الكونت بصوت أجش حتى إنه أفزع مارك.
- بلى، كنت على وشك المغادرة للتو.  ثم  أسرع في النهوض ليصل إلى غرفة عمله و قد تغيرت سحنته . تظاهر بأنه يجمع حقائبه فيما التفت إلى الباب ليرى إن كان الكونت قد يفعل شيئا.
- لمحه في مكتبه بالجهة المقابلة و هو يبرح الغرفة ذهابا و إيابا ثم هب خارجا من الغرفة مهرولا إلى الشارع بأقصى سرعته ، لم يستطع مارك أن يترك المكان لذا اتجه إلى نافذة جدار ردهته و شاهده و هو ينطلق إلى نفس المكان الذي قصده ليلة أمس. وضع رأسه بين يديه و ظل يتنهد و يقول  : أشم رائحة الخطر ، لا بد أن أتتبعه و أستكشف ماذا سيحدث.
- و بعد ثواني معدودة ساد فيها صمت رهيب، رأى الكونت و هو يحفر بالكهف حتى برزت الجثة التي دفنت من قبل. ارتعدت فرائص مارك و لم يعد قادرا على الترقب أكثر ، فدفع باب حجرته بقوة و انطلق يركض كالرياح صوب الكهف دون أن يشعر به أحد. كان المعمل شاغرا و لم يزل أحد هناك ما عدا مارك الذي وصل إلى الحجر المظلم. لكنه كان قد تأخر كثيرا، فلم يجد الكونت و لا حتى الجثة!!  . رأى آثار أقدام باتجاه خارج المدينة فأدرك أنه فر لا محالة . بينما دخل الكهف و لم يجد أثرا للمجني عليه كأن شيئا لم يحدث. بدأ حينذاك يشك أن الكونت فاليوس أخفاه في مكان بعيد و أخفى آثار كل شيء فيما مضى هاربا لكي لا تجد الشرطة مآلا للقبض عليه. فطن لخطر عظيم ، فماذا سيقول للشرطة؟  و بأي دليل سيثبت الجريمة؟  و ماذا سيفعل لتأكيد صدق كلامه؟ 
- وضع يده على فمه و أوشك على السقوط أرضا. لكن لن يستطيع الآن أن يضيع الوقت أكثر من ذلك. لذا عاد متعجلا بأقصى سرعته لجمع أغراضه و الانتقال لمسكن جديد.

فاليوس جوناثانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن