مارك يكشف خفايا جديدة

32 4 0
                                    

- وصل بعد لحظات من التفكير إلى منزل كان قد دفع أجرة كرائه و استقر به على الأقل ريثما تهدأ الأمور و تستقر على وضعها الطبيعي . لمح من بعيد رجلا قوي البنية ،  يضع وشما على جسده و قد تبدو على وجهه أمارات الانفعال الغير الطبيعي، وقد بدأ يحدق بمارك عند إدراكه لشروده.
- علم هذا الأخير أنه رآه في مكان ما و لكن لا يتذكر أين. سمع تاجرا يناديه بفاون فسرعان ما فطن إلى أنه مستشار الكونت القديم. تعرف عليه من خلال وشمه و الصورة المعلقة على المكتب . فتوجه إليه في ذهول.
- مرحبا سيد فاون، أيمكنني أن أتحدث معك؟
- من أنت ؟
- ليس هناك وقت للأسئلة و الاستفسارات. أريدك أن تأتي معي لدياري ، أرجوك إنه أمر مهم و جاد للغاية.
وضع فاون يده على رأسه لحظة ثم أومأ برأسه إيجابا.
- ليس لدي مانع.
ثم رافق مارك إلى منزله الجديد ودخلا ردهة فجلسا على طاولة مستديرة.
- اجلس. تفضل: رحب مارك به.
- أشكرك. ثم جلس في مقعد أمام الآخر و أضاف:
- ما هو الموضوع الهام الذي تنوي الثحدث معي فيه؟
- أريدك أن تستمع إلي جيدا.  فأنت الوحيد الذي يمكنه أن يخرجني من محنتي.
- أسمعك.  تحدث الآن
ثم قدم مارك نفسه إلى فاون و روى قصته مع الكونت من بدايتها حتى نهايتها.
ارتبك مارك لحظة كأن صاعقة أصابته و قد احمر وجهه احمرارا شديدا فنظر إلى الأسفل و لم ينبس بنبت شفة.
- علم مارك حينذاك أن لفاون يد في هذه القضية ، فقال له: أنا أعلم أنك تعلم شيئا عنه، فقد كنت السند الوحيد له .
- قطب فاون حاجبيه موجها نظره إليه ثم أجابه بعد لحظات قائلا بصوت مغموم :
- آسف. ليس لي شأن في هذا!
ما كاد هذا الأخير أن ينصرف حتى اعترض مارك طريقه و أضاف:
- أرجوك. أنت الشاهد الوحيد الذي يمكنه أن يقف بجانبي و يخرجني من الهاوية التي أوقعت نفسي بها. فكر جيدا ، فشهادتك ستغير مسار كل شيء، و بالتالي ستنتقم لنفسك و لجميع الضحايا الذين أفنوا حياتهم على يده . لا تضيع الفرصة ! فهي لا تتعوض أبدا.
- نظر إليه مرة أخرى شرزا ثم عاد إلى مكانه و أجابه مجددا:
- ماذا تريدني أن أخبرك به؟؟. لا أريد أن أسمع أخبارا عن ذلك المحتال. أترغب في معرفة أن الكونت خبرة في الجرائم و الاغتيال؟ أو أنني بسببه أصبحت أخشى الناس  و أعيش معتزلا بعيدا عنهم؟ ثم وضع يده على فمه واعترق جبينه فأخد يرتعش متوترا.
- ماذا؟؟؟
- نعم. لقد كنت في مثل موقفك . و لا بد في أن تقع في مصيري نفسه. لقد قتل الكونت موظفا لا يتجاوز الثلاتة و التلاتين من عمره لأنه لم يكتم أسراره ، و بذلك ألقى حتفه و قد أوقعني في مشاكل عسيرة. فبعد أن رأيت بأم عيني ما حدث و هو يتركه مطروحا أرضا. لم أستطع حتى أن أنقد الشاب المسكين و هو يتحرى على السجادة بمكتبه. فلم أتمكن من الصمود أكثر . ذهبت إلى الكونت عينه و طلبت منه أن يسلم نفسه للشرطة و إلا سأفعل أنا ذلك و أبلغ عنه. لم يجبني لكنه نظر إلي شرزا و عينيه الحمراوين متقدتين بالغضب الشديد و الانفعال. فأدركت أنه يستعد لمؤامرة ضدي . مرت ثلاثة أيام حينما كنت جالسا بمكتبي أستطلع الملفات و فتح الكونت باب مكتبي بمصراعيه وقد خطا خطوات باتجاهي في منظره الرهيب. أجفلت في تلك اللحظة  وصمدت كالثمتال المنتصب. ردد هذه الكلمات في أذني: إما أن تسلم نفسك للشرطة و تعترف بأنك القاتل أو ستكون أيام أحد أفراد أسرتك معدودة . ثم ذهب و أغلق الباب خلفه و تركني على مثل الجمر مذعورا. لم أعتقد أبدا أن يوما ما سأكون في موقف كهذا. رفضت بالطبع في بادئ الأمر، فهل ستقبل أنت بقضاء حياتك خلف القضبان بسبب ذنب شخص آخر ؟ .ظلت جملته الاخيرة تتردد في أذني كلما تذكرته. أصبح الكونت كابوسا حقيقيا. فهل سيفتك بأقرب الناس إلي حقا  أو يريد إخافتي وحسب ليوقعني في الهاوية. غادرت خلسة المكان و اتجهت مباشرة إلى منزلنا لكي أبتعد عن الكونت و أحمي عائلته من شره. رحب بي أبي و أمي ترحيبا حارا.  خصوصا والدي.فلم أعلم أن هذه هي المرة الأخيرة التى أراه فيها . بعد أن ذهبت للنوم بعد أن غلبني جفناي في غرفتي الخاصة بالطابق العلوي . قمت بجولة حول المنزل لأتحقق من عدم وجود آثار الكونت.  فلم أجده مطلقا  . اطمئننت بعض الشيء بعد أن تحققت أن المكان بأمان. عندئد سمعت صرخة.نزلت مهرولا من أعلى الدرج فوجدت أبي مطروح الأرض بلا حراك بعد نومه. أدركت كل شيء بعد فوات الأوان، و أن الكونت هو ما وراء هذا البلاء كله، فبكت بكاء مرا بحرقة شديدة .فأنا السبب لكل ما وقع لكل ما وقع لأبي  المسكين. لكن هل سأربح شيئا من البكاء و العويل؟
- ترحمت على أبي بالمغفرة و دعوت له أن يكفر عن ذنبي. لم أسمع أي شيء عن الكونت منذ ذلك اليوم السيء كأن الأرض انشقت و ابتلعته. لم أقوى حتى أن أشكو به إلى الشرطة خوفا على حياة عائلتي. أنا أعلم أنني فعلت شيئا مشينا و كتمت عن جريمته. لكن أنت تعلم أننا يجب أن نتشبت و نحافظ على ما تبقى لنا  لكي لا نقع في الأخطاء مرارا و تكرارا. حتى انتهى بي المطاف إلى هذا المكان.لم أعد أطيق مقابلة البشر، كان ليخيل إلي أنهم كلهم مماثلون على حد سواء.
- أطرق فاون صامتا و انتحب بشدة عند انتهائه  لحديثه مع مارك. وضع يده على رأسه و استسلم لأفكاره.

فاليوس جوناثانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن