الفصل الثاني

20.8K 2K 132
                                    

نوفيلا "نوتفكيشن"

الفصل الثاني

تجاهلت "ميرا" رنين الهاتف حين سطع اسم "زيدان" فوق سطح هاتفها الملقى بإهمال على المقعد جوارها، فابتسمت وكأنها تشفي غليلها بتجاهله متمته:

-أنا هوريك الطاعة يا "روحي".

مطت حروف دلاله الشهير لها والذي يستفز حواسها، زفرت حانقة عندما عاد الرنين من جديد لكنها همت ترفعه بأصابع مرتعشة ما أن قرأت اسم والدها.
اختفى المرح من على محياها ولبرهه كادت تنهار طقوس استعداداتها النفسية التي تستغرق من يومها ساعات طويلة حتى تكسر قوقعتها وتتمكن من مواجهة العالم الخارجي.
كادت تستلم لمشاعرها الحقيقة التي حرصت على دفنها عميقًا وتنهمر في البكاء حسرة على غياب هذا الوالد من حياتها، كان يتملكها رغبة كبيرة في الانتقام منه وعقابه على إهماله لها شهرً كاملًا دون أن يجري اتصالًا واحدًا يطمئن فيه على أحوال فتاته.
لكنها كالعادة وجدت نفسها تنساق وراء رغبة الطفلة الصغيرة المفتقدة لصوت والدها، فتنهدت في استسلام متأكدة أنه سيختلق أي سبب لانتقادها إلا أنها أجابته على أي حال:

-أيوة يا بابا.

-اسمها أيوة؟ هو ده الاحترام اللي امك بتعلمه ليكي عشان تتعاملي بيه معايا،
المفروض أني بتعب وأبعتلك آلالافات كل شهر تعيشك ملكة، عشان في الآخر تتكلمي معايا بالطريقة دي؟

-أسفة مكنتش أقصد، حضرتك فهمتني غلط.

رددت سريعًا في لهجة غلب عليها الحيرة والارتباك لا تصدق سرعة التقاطه للنقد وكأنه يتصل فقط لتوبيخها، قطع "شريف" أفكارها بصوته الغليظ:

-خلاص مش عايز اتكلم في الموضوع ده، على العموم أنا حبيت أقولك أن مصروفك اتحول على حسابك، وأن مصاريف الجامعة وصلتلهم،
وحبيت كمان أطمن عليكي بس واضح أنك كويسة.

انقطعت كلماتها المتلهفة ورغبتها في تبرير الموقف بصوت "جلال" مساعد والدها الشخصي الذي صدح بجواره يعلن وصول أحد السفراء ثم اتبعه صوت والدها المنشغل:

-مضطر أقفل حاليًا، وبطلي تقابلي شوية الفاشلين اللي ملموه عليهم، مش كل مكالمة هكرر تحذيري ليكي.

ارتعشت شفتاها السفلى غير قادرة على التنفس ما ان أغلق المكالمة، هربت دموعها الحارة لدقيقة مرت عليها طويلًا قبل أن تمرر أصابعها بعنف فوق وجهها تجففها.
تكره ضعفها وعدم قدرتها على مواجهة أبيها بمشاعرها وهو بؤرة علتها، فبرغم أنها على الطريق الذي رسمته لنفسها من أجل التمرد والتحول من خامة مثيرة للشفقة والتنمر إلى أخرى عبارة عن كتلة من الثقة قادرة على سرقة الانتباه والاهتمام ممْن ترغب في اهتمامهم .... إلا إنها تفشل في عبور هذا الجسر مع أهم شخص هي متعطشة لاهتمامه.
شعرت بدمائها تغلي لأنها متأكدة ان ما دفعه لمحادثها هو رغبته في تحذيرها من أجل عن اصدقائها، سببًا أخر لتمردها وتعلقها بهم فكرت في سخرية فكلما تمردت نجحت في جذب انتباهه المسروق عنها.
حركت رأسها تشعر بالخيبة لا تصدق أن له عين للمطالبة بابتعادها عنهم، بعد أن وجدت نفسها بينهم وشعرت أخيرًا أنها إنسانة طبيعية، بعدما عانت لأعوام كثيرة وتخبطت وحدها بين اضطراباتها النفسية والجسدية وانطواءها عن العالم الخارجي، بعد صراع مضني مع الرهبة والخجل من البشر وصراعً أشرس ضد نحافتها المفرطة والتي كانت عامل اساسي في وضع هذا الحاجز الوهمي بينها وبين التعاملات الانسانية بشكل أصبح شبة مرضي.
وفوق هذا وهذا كان عليها تحمل فراق والديها اللذان لم يتواصلا مع بعضهما البعض لأكثر من تسعة أعوام، من يصدق أن شخصان تزوجا ولديهم أبنه من تلك الزيجة قادران على بغض أحدهم الأخر بهذه الطريقة لدرجة عدم قدرتهم على التواصل الصوتي!
وفي النهاية كانت هي ضحية تلك الفجوة العميقة بينهما، والآن يريد أن يتذكر أنه والدها كي يتمعن في إفساد فرصتها لاستعادة الذات، بإبعادها عمن أصبحوا محور حياتها ولم يبخلوا عليها بالاهتمام والانتباه لما يقرب العام، هؤلاء من كانوا حافزًا لها كي تتسلخ من قشرتها القديمة.

-هينفعني أصل هو وقتها.

تمتمت مغتاظة من عجرفته، رافضة الخضوع لأنها فقط من ستتضرر، فقد ذاقت وحدها مرارة محاولاتها الفاشلة في لملمه شتات النفس المبعثرة دون اللجوء لطبيب نفسي لأنها لا تحتاج سببً جديدً للتنمر، هي قوية قادرة على مواجهة الحياة، بللت شفتيها تسترجع عصارة الفيديوهات والقراءات السرية التي وصلت لها عن طريق الأنترنت وساعدتها في الوصول إلى ضالتها المنشودة وساعدتها في المرور من تلك المرحلة.
فهي الآن قادرة على الادعاء بأنها شخصًا أخر، أكثر ثقة، قادرًا على لفت انتباه من حولها في طريقة تغذي طاقتها الإيجابية.
أخرست بشكل كلي ذلك الصوت القلق والخافت داخلها بأنها تغرق في دائرة أوسع مما كانت عليه وقت اضطراباتها، حركت رأسها لتوازي حركة سبابتها المشيرة بالنفي للهواء أمامها، فهي ليست مريضة وترفض التفكير بكونها مريضة بأي مرض سواء نفسيًا أو جسديًا.
لا ... هي مجرد فتاة متعطشة لاهتمام أبوين غارقيين في الأنانية ورغباتهم الشخصية معتقدين ان كل الأمور تحل بالأموال، هي متعطشة للحياة وتجربة كل ما ضاع منها، كما إنها اكتسبت ما يقارب من العشرون كيلو جرامات فوق وزنها الضئيل،
فعن اي مرض تتحدثين!
أنتِ محاربة نجحت في إيجاد الذات .. نعم هذا هو الأمر تمامًا.
هكذا رددت داخل عقلها أكثر من مرة منهيه اضطرابها اللحظي بهزة مؤكده من رأسها فأن كانت مريضة إذا كل الممثلون مرضى!
جذبت أنفاسً عميقة متتالية وهي تتمتم لنفسها بكلمات تغيبها عن تخبطها الغير محسوب، ومرت دقائق عليها قبل أن تستعيد شتات نفسها ناظرة إلى المرآة أمامها تعاين احمرار عيناها المنتفخة ووجها، فتحت حقيبتها على عجلة في غضب لأنها لم تنتبه لبكائها المستقر، أخرجت مناديلها الورقية تجفف بقايا دموعها وحمدت الله على استخدامها مساحيق التجميل المضادة للماء فقد حسبت حساب قضاء اليوم على حمام السباحة مع رامي وريناد.
مررت نظرها على وجهها مرة أخيرة ثم أومأت رأسها راضية عن الشكل النهائي لها، ترجلت من سيارتها توصدها وتوصد معها ما حدث للتو.
وفي لحظة أسرع من طرفة العين كانت منتقله إلى عالمها الخاص بشكل درامي وكأن شيء لم يكن، عدلت حقيبتها الحمراء المتماشية مع لون ثوبها البسيط السماوي وأزراره الحمراء، ابتسمت لنفسها في ثقة فرغم توترها من تلك التجربة الجديدة التي على وشك السير فيها والتي سينتج عنها ظهور معظم جسدها النحيف للجميع عندما ترتدي ثوب السباحة الجديد المكون من قطعة واحدة، والتي كانت حريصة على توفيق لونه مع لون أزرا ثوبها الحمراء كنوع من الأناقة.
عدلت صدر الثوب كي لا تظهر بذلة السباحة منه وقد اقترحت عليها "ريناد" ذلك أثناء رحلة تسوقهما سويًا، ابتسمت سعيدة انها وجدت شخص يهتم بها فعليًا متذكرة كيف نصحتها بضرورة التأقلم وإثبات تواجدها داخل دائرتهم لأنها أصبحت امرأة ناضجة وعليها خلع بقايا الطفلة الخجلة بداخلها فهي على مشارف عامها العشرين ولا تزال بلا تجارب في الحياة خاصة العاطفية منها!

-أنا حلوة ونضجت.

تمتمت تحفز نفسها على الإقدام مسترجعه رد فعل "ريناد" المنبهرة حين رأتها بثوب السباحة ومديحها لها بانها تشبه إحدى عارضات الأزياء ولكن بالطبع دون السيقان الطويلة.
ابتسمت ابتسامه بلهاء فهي قصيرة بالفعل وتعتبر أقصر أصدقائها، كما انها أقصر من "زيدان" بطوله الكبير الفارع مقارنة بها، فهي بالكاد تصل لحافة كتفه حتى عندما ارتدت الكعب العالي يوم لقائهم في الأسبوع الماضي، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهي تتذكر عيناه الناعسة في نعومه رغم حده ملامحه لكنها تفضل ارجاعها إلى ذلك النسيم  الطفيف الذي يداعب طرف ثوبها المستقر أسفل ركبتيها كما تفضل معظم أثوابها.
وقفت لحظة كالبلهاء متسائلة لما بحق السماء تفكر في ذلك الوغد المتكبر؟
حركت رأسها مرات متتالية كي تستعيد انتباهها للحاضر رافضة التفكير في ذلك المجنون الذي بات يحاصرها منذ دخل حياتها ويحادثها عشرات المرات يوميًا وكل هذا في أسبوع واحد ومبرره الوحيد هو التعرف عليها لاستكمال كذبتهم الخاصة.

-شكلك هتكون أخطر كدبة وقعت فيها.

غمغمت مخاوفها للهواء ثم التفتت حولها في خجل خشية أن يسمعها أحد ويظنها مجنونه تتحدث مع نفسها.
دلفت "ميرا" داخل أحد أشهر الأندية في القاهرة والتي تمتلك عضوية دائمة به، مكان لطيف تستمتع بوقتها كثيرًا بين جدرانه فرغم أنه ليس النادي الوحيد الذي لديها عضوية به، لكنه الوحيد الذي نادرًا ما يرتاده رجال السياسة والسلك الدبلوماسي أمثال والدها ووالد صديقها رامي وحال معظم أباء أصدقائها.
جلست على أحد الطاولات الفارغة أمام بركة السباحة بعد أن جالت بعينيها باحثة عن رفاقها ولم تجدهم، رفعت هاتفها لمحادثتهم فصدح اسم "زيدان" من جديد، زفرت في حنق وهي تنهي الرنين الاستفزازي، وكادت تجذب شعرها في جنون حين أتاها صوت اشعار جديد تعلم هوية مرسلها، تنهدت وهي تقرأ كلماته:

-مش بتردي ليه، أنتي فين؟
حركت أصابعها فوق الشاشة مقررة الإجابة والانتهاء من فضوله:

-في المحاضرة مش عارفة أرد.

بللت شفتيها وهي تعيد قراءة كذبتها الصغيرة ولكنها لن تسمح لشخص لا تعرفه بالسيطرة عليها والتحكم بها، وضعت الهاتف من يدها حينما لم يصلها رسالة منه راضية بأنه ابتعد عنها اخيرًا.

****

وقف "زيدان" يتابع تلك الجالسة أمامه دون أن تنتبه لوجوده، لكنه أبعد نظره عنها لحظة والتفت للرجل اللطيف غليظ الفهم والذي أضاع من عمره ساعتين، شرح فيهما تفاصيل العقود بين النادي وشركة الخطوط الهاتفية التي يعملها بها كمندوب بشكل مؤقت حتى يفتتح مطعمه الخاص.
أعاد نظرة نحوها من جديد وارتفع حاجبه عندما لاحظ الفاتها كثيرًا حولها وكأنها تنتظر شخصًا ما، ضاقت عيناه في شك ثم رفع هاتفه يحادثها، وقبض فكيه بقوة عندما أنهت المكالمة دون إجابه وسرعان ما اتبعتها برسالة:

-في المحاضرة مش عارفة أرد.

خرجت منه ضحكة صغيرة غاضبة خالية من المرح ولكنه قرر تركها وشأنها للآن فقد رأت منه ما يكفي طوال الأسبوع الماضي، حافظ على ابتسامته الماكرة أثناء تحركه للمغادرة.
اه لو تعلم ما اوقعت نفسها به حين طلبت منه المساعدة... ابتسم لنفسه متمتمًا في سره ... هي طلبت المساعدة والمساعدة بالتأكيد سيمنحها على طريقته الخاصة!
عاد للواقع عندما لمح "رامي" يدلف من باب النادي وشعر بالدماء تغلي في عروقه،
المخادعة الصغيرة تتحايل على شروطه إذًا!
توقف "رامي" بمنتصف الطريق بينما يخبط كفه فوق رأسه وكأنه نسى غرضًا ما واستدار متجهًا  للخارج، بالتأكيد نحو سيارته فكر "زيدان" وهو يعود أدراجه للداخل مقررًا إنهاء تلك المهزلة.
ضري الأرض في خطوات كبيرة ثابتة يحاول من خلالها إفراغ شحنة كبيرة من الغضب الذي يتملكه، وفي لحظات قليلة كان يقف أمامها، تابع صدمتها حين اتسعت عيناها وكادت تخرج من مقلتيهما لرؤيته، كان ليبتسم على رد فعلها بكن النار المشتعلة في صدره تعوقه.

-زيدان، أنت بتعمل أيه هنا؟

-المفروض ده سؤالي، مش كنتي في محاضرة تقريبًا.

جاء رده سريعًا محمل بالسخط مع صوته الرخيم، فتلعثمت مبررة وهي تفرك خصلاتها السوداء خلف أذنها:

-أه محاضرة .. ما هي خلصت... وأنا جيت أخد قهوة من هنا.

حك ذقنه في خيبة أمل على محاولتها الفاشلة في المماطلة، واستمرارها في اختلاق الكذب لكنه يمد كفه نحوها قائلًا في نبرة جادة لا تقبل النقاش:

-قومي معايا من سكات، قبل ما يجي لأن ساعتها رد فعلي مش هيعجبك.

راقب طرف أسنانها تتعلق بشفاها في حيرة وتوتر يتناقض مع حمرة الغضب المغطية وجهها ولكنها كانت ذكية بما يكفي لان تذهب معه دون مقاومة.
جذبت "ميرا" حقيبتها ساخطة عليه لكنها تركته يضم كفها الصغير بين أصابعه الخشنة دون مقاومة مقررة تأجيل ما تشعر به من غضب للوقت المناسب ، ارتبكت وهدأت حركة خطواتها حينما اقتربت من المخرج وتقابلت عيناها مع عيون رامي المتسائلة والتي تظهر صدمته جلية بسبب وجود "زيدان" فقد كان حريصًا على إخبارها برغبتهم في الاجتماع معها دونه لأمرًا هام.
كادت تبكي من شدة الإحراج حين تحرك زيدان في خطواته الواسعة مجبرًا إياها على استكمال الحركة شبة الركض خلفه دون أن يقف مجرد لحظة واحدة اعتبارا لوجود "رامي"، رغم أنها علي يقين من تواصل أعين الأثنان في تحدى ذكوري بحت وكأنه يصك ملكيته عليها بدون أي حق!

-عربيتي اهيه.

هتفت عندما دفعها نحو سيارته ولكنه تجاهلها وهو يجبرها على الجلوس بالمقعد قبل الابتعاد والتوجه لتولي عجلة القيادة.

-ممكن أفهم اللي أنت ليه مُصر تدمر حياتي؟

هتفت ما أن تحرك بالسيارة ولكنه اكتفي بأن وضع أصبعه فوق فمه في هدوء وكأنه لم يفقدها ماء الوجه للتو أمام أصدقاءها!

-أنت إنسان مستفز بلوة وبليت نفسي بيها!

-حلو لو تحبي ممكن أرجع حالًا وأقول لحبايبك الكلمتين دول.

وضعت كفيها فوق وجهها في الوقت المناسب كي تخفي دموع الغضب التي تفر من عيونها رغمًا عنها، لا تصدق ما يفعله هذا المخلوق بها وبجدرانها المشيدة حول نفسها وكأنه ينبش لإخراج شخصها الحقيقي!
نظرت بعيدًا عنه تخفي وجهها الباكي مقررة الصمت وتجاهله على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريبًا.

*****

شعرت ببعض الخوف عندما جرها خلفه أمام أحد المولات ومنها إلى مبنى بوابته مغطاه بأقمشة يبدو وكأنه تحت الإصلاح فتساءلت في ريبة:

-أيه المكان ده؟

-ما تخافيش مش هقتلك.

-ظريف جدًا، ممكن أفهم أيه المكان ده وبنعمل أيه هنا؟

قالت مدعية الهدوء بينما قلبها ينتفض من شدة التوتر والخوف فالحقيقة انها لا تعلم عن "زيدان" الكثير سوى إنه من مشاهير التواصل الاجتماعي نسبيًا، فربما هو قاتل متسلسل أو مغتصب دنيء يختبئ أسفل وسامته وعيونه الناعسة!
شهقت خارجة من عبث أفكارها حين اغلق الباب خلفهما والتفتت تواجهه وجهًا لوجه وكأنها تخشى أن توليه ظهرها بينما تتحرك للخلف متسائلة:

-أنت بتقفل الباب ليه؟

-وهسيبه مفتوح ليه؟

سألها في ملل وكأنها حمقاء فتشدقت معلله:

-عشان ما يصحش!

-لكن يصح أنك تكذبي على جوزك؟

سألها وهو يتقدم منها في خطوات بسيطة لكنها ارعبتها فهتف في إصرار:

-أنت مش جوزي!

-مش هتفرق وأنا حذرتك أن طول ما اسمك مربوط باسمي يبقى ممنوع تقابلي راجل غريب من غيري حصل ولا لا؟

-أنت عارف أن رامي مش راجل غ ...

-أنا عارف أنه مش راجل المهم أنتي تعرفي.

قاطع باقي جملتها في سماجة ملصقًا ابتسامته الصفراء فوق فمه فتأففت حانقة على تصرفه الطفولي وودت لو تمحي تلك النظرة المنتصرة فأردفت مستهجنة فعلته:

-أنت بتلاعبني بالكلام ليه؟

-عايزة ألعبك ازاي وألاعبك؟

همس وهو يمرر نظراته الوقحة فوق تقاسيم وجهها، فجذت على اسنانها تخبره:

-يا سيدي لا تلاعبني ولا ألاعبك!

استكمل في نبرته المشاكسة وهو يقترب منها متعمدًا إثارة خجلها بنظراته الجريئة:

-لا احنا نلعب.

-زيدان اتلم.

رفعت سبابتها في تحذير أثناء هروبها للخلف بعيدًا عنه وكأنها تخشى قربه بالفعل، تلك الفتاة تثير جنونه بالتأكيد فهي تتنقل من الفتاة الوقحة عديمة الأخلاق والتي يرغب في صفع بعض الأخلاق داخلها إلى فتاة أخرى خجلة تخفي من القيم القليل بين سواد حدقيتها وكأنها ترغب في إخفاؤها عن أعين الجميع، خرج عن مسار خيالاته وهو يراقبها تبتعد عنه بذعر فهمس ممازحًا:

-يا ستي أقعدي هو في حد هيبصلك بشنطة الخضار اللي أنتي مسكاها دي!

-شنطة خضار!
دي شانيل مخصصه للبحر وحمامات السباحة.

-انشانتيه مدام شانيل، فرصة سعيدة.

دوت ضحكته الساخرة المكان ما ان انهى جملته ورأى كيف رفعت حقيبتها وكأنها ستقذفها في وجهه لكن وقوع أنبوب واقي الشمس أنقذه منها ، نظرت له "ميرا" في حقد ومالت تلتقطها إلا ان ابتسامته اختفت عندما صفعة أخر فسألها في لهجة حادة:

-أنتي كنتي نازلة حمام السباحة بأيه؟

-ب swimsuit طبعا!

جاءت إجابتها سريعة وهي تنظر له وكأنه غبي، فرد مسرعًا يكاد يبكي من الورطة الذي اوقع نفسه فيها:

-اللهم صلي على الحبيب النبي، قوليلي أن شنطة الخضار دي فيها مايوه شرعي!

-يعني أيه مايوه شرعي؟

-اصلًا ... أفتحي الشنطة يا ميرا واشجيني بالمايوه اللي كنتي نازلة بيه!

-لا طبعا، دي خصوصيات.

-خصوصيات؟
ده نص الشعب المصري كان هيشوفه النهارده.

عقدت ذراعيها في خجل بسبب صحة كلماته لكنها أردفت غير متخليه عن عنادها:

-ما تتعبش نفسك هو مش في الشنطة.

قضب "زيدان" حاجبيه في بلاهة يحاول تحليل كلماتها ثم اتسعت عيناه في إدراك وهو يطالع الطرف الأحمر المطل من صدر ثوبها السماوي في تمرد وتلقائيًا غامت عيناه سوادًا في مشاعر مختلطة خاصة عندما رفعت أصابع يدها الصغيرة تغطي صدرها عن عيناه وكأنها تستمع لمخيلاته الوقحة، ثم سمعها توبخه في لهجة مهتزة:

-بلاش قلة أدب، أنا همشي!

تركها تتحرك لتتجاوزه لكنه قبض على معصها مقربًا لها نحوه هامسًا بنبرة خشنة تحمل خطورة مشاعره المختلطة بين الغضب والإثارة:

-وريني !

-أأ...أفندم؟

ردت "ميرا" في تلعثم وقد جف حلقها من النظرات الخطرة التي يُصُوبها نحوها أو ربما الخطر يكْمُن في تلك العيون الناعسة!
تأوهت في هلع حين جذب جسدها الرفيع نحوه حتى كادت تلتصق به تمامًا، ثم قال:

-ما تخلنيش أشوفه بنفسي.

طالعته بعيونها السوداء المتسعة في ذعر غير قادرة على تحريك لسانها لتوسل الرحمة منه، لكنه لم يعطيها فرصة للتفكير ومد ذراعه يقبض على خصلات شعرها المرتمية حتى أسفل ظهرها بإهمال ثم جذبه حتى مالت رأسها عنوة للخلف هامسًا في قسوة:

-انا ما يفرقش معايا مين أبوكي أو أمك،
يمين بالله لو اتكررت تاني وفكرتي حتى تلبسي حاجة كده تاني، تصرفي ساعتها مش هتتخيليه في أسوأ كوابيسك، أنتي سمعاني؟

حركت رأسها في سرعة أو حاولت تحريكها بالقدر الذي تسمح به قبضته القوية على خصلاتها، ولم تشعر أنها تبكي حتى مرر أنامله الأخرى فوق وجهها ماسحًا عبراتها بملامح متحجرة لا تصرح عن محتواها.

-هتكسري كلمتي من تاني؟

-لا.

خرجت نبرتها خافتة متقطعة فترك خصلاتها وابتعد للخلف خطوتين، راضيًا بينما يتابع محاولاتها في السيطرة على عبراتها فأخبرها بنبرة هادئة:

-أنتي زعلانه من الشخص الغلط، أنا عايز مصلحتك.

كادت تصرخ في وجهه بانه لا يعرف عنها شيء كي يتصنع كل هذا الاهتمام بشأنها لكنها ظلت صامتة تعدل خصلاتها للخلف تارة وتفرك الألم الخفيف في فروة رأسها تارة أخرى لا تصدق إنه عنفها بتلك الطريقة فهي لا تذكر أخر مرة عنفها والديها سوى بالتعنيف اللفظي.
شعر "زيدان" بالخجل والندم للحظات من فعلته ويكره إنه كلما نظر إلي عيونها السوداء كالبئر رأى ضعف ولمح حقيقة تحاول اخفاءها.
مرر كفيه على جانبي رأسه مستجمعًا ذاته فكلما أقترب خطوة من هدفه تراجع عنه في الخطوة التالية عشرات الخطوات، فقد كان يخطط للاقتراب منها وفهم دواخلها وتحليل دوافعها كي يستطيع مساعدتها ويساعد ضميره اللعين سبب مصائبه في الارتياح.
فهذا التناقض الجذري في شخصها يجعله يشك في وجود خطب ما بها وبرفاقها، فشتان بين تصرفاتها مفردها وجنونها معهم، لدرجة أنه أصبح لديه هاجس بأن أحد هؤلاء الحمقى يضغط عليها ويجبرها على التواجد معهم ممسكًا أمرًا خطيرًا ضدها، وربما هنا تكمن مهمته لأشعارها بالقدر الكافي من الثقة التي تجعلها تعترف له بما يؤكد تلك الهواجس.
راقبها ترتب تحرك أصابعها في توتر بين ترتيب خصلاتها في صمت وبين تمريرها فوق ثوبها قليلًا فأقترب على بعد خطوتين منها ثم مد أصابعه يربت في خفه فوق خصلاتها هامسًا:

-أنا أسف، مكنتش أقصد صدقيني.

كان يعلم من نظرتها وحركه رأسها السريعة بالموافقة بانها تجاريه للانتهاء من الموقف حنى تتمكن من الفرار لكنه قرر المماطلة وهو يدور مشيرًا للمكان في محاولة ساذجة لتغيير محور الحديث:

-ما قولتليش أيه رأيك في المكان؟

نظرت للمكان حولها قبل ان تجيبه في نبرة خافتة بينما تسترق نظرات نحو البوابة وكأنها تتمنى الهروب:

-الdecoration  جميل وغريب شوية.

-المطعم italian food  المفروض يكون مختلف.

-هو ده مكانك؟

سألت أول ما جال في عقلها تحاول الحصول على معلومات أكثر عن حياته كي تتمكن من إيجاد بعض الهدوء النفسي وتسيطر على توترها:

- مكاني أنا وأصحابي أنتي عارفاهم اللي كانوا في المنشور إياه كمان الافتتاح قرب.

أخبرها وهو يدور حول المكان يتفحص بعض الرسومات التي لازالت قيد الإنشاء والتفت يطالعها عندما سألت مستفسرة:

-أنت مش قولت إنك شغال مندوب في شركة اتصالات.

-أيوة ده مشروع خاص، ولا هو عشان مندوب مينفعش يبقى عندي حاجة خاص بيا؟

لا يدري لما شعر بالغيظ من سؤالها وكأنها تراه أقل منها لكنه مرر كلماتها وقرر المضي في مخططه الذي يتابع في خرقه مع كل منحنى معها، فوجد نفسه يخبرها في اعتيادية:

-أنا عارف انك مخضوضة مني وحقك أنا ذات نفسي بتخض من أفعالي شوية،
بس لازم تفهمي إني راجل أكبر منك ب سنين مش مجرد شاب في سنك تقدري تتعاملي مع قراراته وكلامه باستهتار.

صمت ثم اتجه يمسك أصابعها عادة خاطئة أصبح لا يسيطر عليها قبل أن يجذبها للجلوس مستكملًا في رضا عندما شعر بانتباه كل حواسها إليه:

-وفاهم ان الموضوع بالنسبة ليكي لعبة، ومش هجادلك لكن لازم كل واحد منا يحترم شخصية التاني ورغباته.

حركت رأسها دون أن تنطق حرف وارتعشت رموشها في ارتباك عندما قرفص أمامها ممسكًا بكفها الصغير ورفضت عيناها التنحي عن لقاء عيناه الناعسة التي تشع بالسيطرة وتأسرها بالإكراه وكأنه يجبر عدستيها على عصيان أمرها بالتمرد فتظل متعلقة به دون أن تجد القدرة على كسر تعويذته عليها!

-وعشان نحترم بعض والاتفاق ده يمر بسلام لازم نقرب من بعض ونفهم بعض أكتر،
ولو فكرتي في كلامي هتلاقيه في صالحك وهنقدر نقنع أصحابك بحكاية الجواز ده بشكل أسهل.

دار بؤبؤي عيناها داخل مقلتيها في تفكير جدي وكاد ينفجر ضاحكًا لولا تعلق عيناه بحركة شفتيها التي تبللها بطرف لسانها، أجفل عيناه مرتين وفي لحظة علت دقات قلبه داخل صدره معبرًا عن مشاعر غريبة نحوها والتي تتفاقم مع كل ثانية تمر بينهما.
سعل في خفة وهو يستقيم مبتعدًا عنها وابتسم عندما صدح صوتها الرقيق:

-أنا موافقة بس بشرط، زي ما انا هسمع كلامك في حاجات أنت كمان لازم تسمع كلامي في حاجات تانية.

ارتفع حاجبة الأيسر في إعجاب فللحظة ظن أنه كسر تمردها وامتلك دواخلها، تنهد مقررًا مجاراتها ومنحها بعض السيطرة بما يكفي لإنجاح خطته فردد:

-هدنة؟

مد كفه أمامه منتظر كفها وكبت ابتسامه ساخرة حين لاحظ ارتباكها اللحظي قبل أن تقترب منه وتصافحه متمته:

-هدنة.



أنا مش هعاتبكم ولا هتكلم على التفاعل الضعيف اللي أحبط حماسي، لكن على العموم أنا مستنيه رأيكم في الفصل بالتعليقات❤🥺

نوتفكيشنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن