بعد مرور ثلاث عشرة عاما في التنقل بين الأطباء ، و بعد أن فقدت الأمل في أن أصبح والدة طفل ما ، علمت اننى سأنجب طفلى الأول عن قريب ، لا أستطيع وصف مدى سعادتى و سعادة زوجى " جمال " بهذا الخبر .
لقد بدأ جمال في اعداد غرفة طفلتى و تزينيها ووضع بعض الألعاب بها خاصة بعد علمنا أنها فتاة ، دعونى لا أنسي أن اخبركم كم يحب جمال الفتايات حتى اننا عندما فقدنا الأمل في الانجاب قمنا بتبنى طفلة ، اسمها منال .
لم تكن صغيرة جدا بل كانت في السابعة من عمرها عندما اتت لمنزلنا ، كانت بمثابة ابنة لنا لم نشعر يوما انها وليدة التبنى ، حتى هى لم تشعر بذلك ، دائما تنادينى ب " أمى " ، الآن و بعدما ترعرعت على يداى ، اصبحت تحمل كل زمام أمورنا ، حتى اننى اظنها أسعد من الجميع لكون هناك طفلة قادمة .
أنجبت طفلتى الأولى إسراء ، لقد كانت كقطعة من القمر في جمالها ، والدها يعشق تدليلها بشدة و منال أيضا دائما ما تحضر لها ألعاب جديدة ، ازدادت سعادة الجميع بوصول اسراء إلينا ، و رؤيتها تكبر عاما بعد عام أمام اعيننا يزيد من توهج وجه والدها و فرحة الجميع .
بعد مرور أعوام لم تصبح اسراء ذات الطفلة التى كان عليه الحال منذ زمن ، أصبحت متمردة جدا ، كثيرة البكاء و المطالب ، صعبة التعامل ، و مازال والدها يدللها كالسابق بل و يزيد ، مازال يفسد كل ما اعلمه لها من عادات و قواعد ، يجيب جميع طلباتها ، حتى انها باتت تمتنع عن الطعام إذ لم نستجب لما تريده فورا ، كنت بطبيعتى اعترض عن هذا الوضع كثيرا كما ان اعتراضي كان لأجل منال أيضا ، فهذا قد يشعرها بفارق بينهم
رغم ذلك منال كانت تتحلى بعقل كبير لذلك استطاعت ببساطة كسب حب اسراء ، فأصبحت الفتاتان تحبان بعضهما بشده هذا كما تمنيت دوما ، مرت أعوام و علمت اننى سأنجب طفلتى الثانية ، كان الامر متأخرا كثيرا لكبر سنى كما انه اتى على فجأة لكن اسعدنا هذا الخبر كثيرا ، كما ان هذا اعتقده سيغير من طباع اسراء المدللة الى شخص مسئول قليلا ، ها هى أصرت على ترتيب غرفة شقيقتها بنفسها و اعطائها ألعابها القديمة ، سعادتها اصبحت لا توصف .
.
.
.
اعتقد أن اليوم من أسعد الايام التى مررت بها في حياتى ، لا استطيع وصف شعورى لكم و لكن كل ما سأخبركم به هو ان والدتى الآن في غرفة العمليات ، ستنجب لى طفلة صغيرة لتكن اختا لى ، واخيرا ستكون لى اخت صغيرة ، بعد أعوام من الوحدة و الشعور بالحزن ، بعد اعوام كثيرة قضيتها مع شقيقتى الكبرى بمفردنا سأجد من هى ثالثة لنا ، حتى ان اوقات منال مشغولة كثيرة فسأجد من هى متفرغة معى ، اشاطرها احزانى و سعادتى ، ستأتى من تشاركنى كل شىء في حياتى ، هذا الأمر مبهج إلى أقصي الحدود.
اعددت لها غرفتها لتكن مثالية كما جهزت بعض الدمى فيها ، و الكثير من العابي التى تخليت عنها و جعلتها ملكا لصغيرتى ، سأعطيها كل ما أملك ، سأجعلها تشاركنى ألعابي و عدة أشياء أخرى مثلا .. اهتمام والداى و رعايتهم ، حتى انها ستشاركنى فيهم ، لن يظلوا لى بمفردى .
لم اعتقد ان الأمر سيسوء الى هذا الحد ، فكلما ازداد عمر شهد يوما ازداد اهتمام الجميع بها اضعاف ما سبق ، حتى منال ، اصبحت تحبها اكثر منى ، الوضع أصبح لا يحتمل بتاتاً
كان الأمر في بدايته أشبه بإحدى الدمى التى لطالما بكيت لوالدى كى اقتنيها و بعد ذلك ، مللت منها و شعرت برغبة عارمة في تمزيقها ، كانت شقيقتى شهد هكذا ، أتمنى تمزيقها و القائها بعيدا ، ابعد من ان يجدها والداى مجددا
لم يكن يبعدني عن فعل ذلك سوى شقيقتى الكبرى منال ، اظن أنها ما تبقي لى بعدما وضعت تلك المزعجة يدها على كل شىء و لكن سيأتى اليوم و ابعد تلك اللصة التى سرقت منى منزلى و عائلتي و كل شىء كان ملكى .
لحظة واحدة ، فلنتوقف هنا قليل لقد نسيت ان اعرفكم من أنا ، أنا اسمى اسراء جمال كنت الابنة الصغرى قبل مجىء هذه اللصة التى جعلت وجودى في المنزل شيئا خاطئا فالجميع لا يكترثون لامرى و لكننى لست بحاجة لهم ، ابي يدللنى باستمرار بينما والدتى تفعل كل ما يخبرها به والدى لاسعادى و تعويضي عن عدم الاهتمام منهم.
.
.
.
دخلت والدتى حاملة شهد على كتفها و بيدها كوب من مشروب دافيء لها ، لقد مرضت شهد ليلة أمس فقد كان الجو باردا جدا على الجميع ، ليتها تنتهى بهذا المرض عن قريب .
جلست والدتى الى جوارى تضع المشروب الساخن في فم اللصة على جرعات قليلة ، شعرت برغبة شديدة في دفعها بعيدا عن والدتى تختلج رغبة اخرى في اطعامها هذا الشراب و ضمها الى صدرى بحنان ، كلما نظرت الى وجهها البرئ هذا ذو العينان الواسعتان اشعر اننى احبها ، و كلما نظرت الى والداى اشعر اننى اريد قتلها ، مر من عمرها ما يقرب العام ، حاولت فيه التقرب منها و لكنى لا أريد هذا ، ولا اجد اي فرصة له ، فها انا الان امسكت بملعقة الطعام التى تطعمها بها والدتى و قبل ان اقربها من فمها فإذ بوالدتى تدفع يدى و قد ارتفع صوتها ، توبخنى ، تظننى اود قتلها ، تبا لها ، تبا لكم جميعا.
ركضت الى غرفتها و مثل عادتى اخرج كل غضبي في تحطيم الدمى الخاصة بها ، التى كانت ملكا لى من قبل ، لم استطع استعادتها ، كما لم استطع استعادة والداى و حياتى ، كانت دائم ما تأتى الى منال لتجلس معى فتريحنى و يزال غضبي ، لكن الان لا اظنها ستأتى فقد خلدت للنوم قبل قليل .
ذهب الجميع الى غرفهم ليناموا كما ذهبت انا الى غرفتى لأبكى ، و بعد لحظات ليست بقليلة خرجت من غرفتى لأجد غرفة شهد مفتوحة الباب ، اتجهت اليها فوجدتها مستيقظة ، تلاعب نفسها ، اظن ان والدتى وضعتها و خلدت للنوم ، كانت هذه فرصتى العظمى ، امسكت بيد الصغيرة و انا لا اشعر تجاهها بأى شيء ثم وضعت على وجهها الوسادة لاخفي ضحكاتها بداخلها .
اتجهت لأخرج و لكن لم ينصفنى قلبي عندما بدأت بالبكاء و صوتها لا يعبر من الوسادة لذا فأزلتها عنها و حملتها مسرعة ، كانت المرة الاولى لى في حملها ، لكنها لم ترحب بي فظلت تدفعنى بقوة و تبكى كان صراخها عالى ، و لم يسبق لى ان حملت طفلة بهذه العصبية ، ظلت تدفعنى و سرعان ما سقطت من يدى لأجدها ملاقاة على الأرض صامتة لا تحدث صوتا.
.
.
ارتعشت قدماى ، لم اجد مفرا من فعلتى سوى الاختباء في غرفتى مجددا ركضت الى الخارج و نظرت اليها عن بعد ثم عدت اليها ، اظن اننى نسيت شيئا ، كيف سيبدو لهم الامر انها سقطت ؟! قمت برفع جانب السرير الخشبي الذي سقطت بجواره هكذا سيبدو الامر انها سقطت بمفردها .
استيقظت صباحا بعد مواجهتى صعوبة كبرى في النوم ، ركضت الى الخارج فلم اجد سوى منال تجلس على كرسي و بيدها الهاتف ، نظرت الى حالما خرجت ، لا اعلم من اين اتتنى تلك الجرأة لسؤالى هذا ..
- اين الجميع؟
- بالمشفي مع شهد .. لقد سقطت امس من فراشها و فقدت وعيها ، حمدا لله ان والدتى استيقظت لتطمئن عليها ، لولا هذا ما كنا لنعلم ذلك حتى الان و كان الامر يزداد خطورة .
لم يعقب لسانى بشيء بل ترك سائر الحديث لنظراتى و سائر الافكار في عقلي حبيسة لا تخرج ، عقبت منال سريعا
- لا تقلقي انها بخير سيعودوا بها هذا المساء .
ماذا؟ هل ستعود معهم مجددا ؟! لا اعلم لماذا لم يريحنى هذا الخبر بقدر ما زاد من ضجرى و حزنى ، شعرت بفشلى في ابعادها عنا ، عن اهلى و منزلى حتى عن عقلي ، ظللت افكر بها ، هل سيتجاوز الجميع الامر و كأنها سقطت بمفردها ؟! هل يصدقون هذا ؟
بعد عودة والداى بتلك اللصة الصغيرة كانت مريضة جدا ، زاد الاهتمام بها اضعاف ما سبق ، حتى انهم اغلقوا غرفتها ، تلك الغرفة التى رتبتها لها بنفسي ، ستمكث مع والداى في غرفتهم ، اظنه للابد ..! منذ سقوطها من يداى و انا لا اشفق عليها ابدا ، بل تركزت افكار اخفائها من حياتى و منزلنا في عقلي بشدة .
تمر الايام سريعا و في إحدى تلك الأيام وجدت والداى يعيدان فتح غرفة اللصة مجددا ، فقد قامت عمتى بزيارتنا و ما فهمته بعد ذلك أنه نشب العديد من الشجارات الحادة بينها و بين زوجها لذا تركت لنا ابنتها ياسمين و عادت لمنزلهم من دونها لحين استقرار أوضاعهم و حتى لا تشهد شجارتهم الدائمة ، ستمكث ياسمين في غرفة اللصة ، لم أرتبها انا بنفسي لهذه الدخيلة الحمقاء .
لستم بحاجة لتعلموا الكثير عن ياسمين تلك و ذكريات من الماضي و لكن عليكم ادراك حقيقة كونها دخيلة استحوذت على قلوب الجميع في منزلنا .
بدأ الأمر باستمرار جلوسها مع اللصة شهد و كانت شهد تحبها جدا حيث كانت تلاعبها باستمرار و تأخذها من والدتى لتحملها و تعلمها بعضا من الكلمات لتنطق بها ، تحضر لها الحلوى و سرعان ما أصبحت ياسمين الدخيلة هى مصدر الاهتمام أكثر من اللصة الصغيرة بينما كنت انا اشكو همى الى منال وانا اشاهدهم بحسرة حتى منال لم تصبح مثلما كانت سابقا ، فقد انشغلت تماما عنى و أصبحت مثل والداى .
آه يا إلهى ماذا فعلت حتى تأتيني تلك الدخيلة ؟! كانت تنقصنى تلك الكارثة الأخرى ، من أين سقطت على ؟!
في كل مرة كنت أراها تجلس مع والداى ، تلاعب شهد ، تمرح في غرفة منال كما تشاء ، كنت أشعر بالغيرة و التى كان يتقبلها والداى بإعطائى نقود أو جلب الحلوى لى حتى لا ابكى ، لا أنكر اننى كنت اختلق المشاكل لكى أخذ نقودا إضافية و أيضا دعونى اذكر ان والدى لم يكن ليرفض لى طلبا ، كما اننى كنت لا انتهى من سرد مطالبى على مسامعه
كان كل شىء متاح لى انا ، كل ما اطلب و قبل أن تنطق به شفاهى ، و عندما اذكر انه كل شىء فهذا يعنى كل شىء حقا سوى اهتمامهم و حبهم ، هذا فقط لم يكن ملكى ، و في هذا الوقت بالتحديد لم أكن أرغب بأى شيء سوى تواجدهم حولى
عدت من مدرستى لأجد شهد جالسة على الأرض في غرفة الجلوس ، اتجهت الى الغرفة بهدوء فلم أجد سوى ياسمين التى خرجت تجلب لها دمية اخرى ، و لم تلحظ تواجدى، كانت شهد تحاول اللحاق بها بينما كانت والدتى بالمطبخ و والدى بغرفته ، لذا فهذه فرصتى ، حالما تأكدت ان ياسمين صعدت الى الطابق العلوى ، حملت اللصة و وضعتها على الكرسى و تركتها ، كانت تحاول الخروج من الغرفة ، الان اصبحت تحاول النزول عن الكرسي ، لم اعرها اهتمام و خرجت مسرعة الى حديقة المنزل مجددا ، و في طريقي سمعت صراخها ، بالفعل لقد سقطت .
دخلت الى المنزل و كأننى لا اعلم شيء ، و ها انا عدت للتو من المدرسة ، الجميع يوبخ ياسمين لانها تركتها على الكرسي بمفردها و خرجت ، بينما ياسمين تنكر انها كانت على الكرسي ، لم اكن اتخيل ان ياسمين كاذبة ايضا ، هذا ما يبدو امام الجميع الان .
لم يزيد هذا الحدث الامر الا سوءا ، الاهتمام يتضاعف ، و كأن ياسمين لم تفعل شيئا ، عادوا كما كانوا بل اشد ارهاقا لقلبي و شعورى ، اتعلمون شيئا ، على ابعاد ياسمين تلك اولا ، لقد اخذوها ابنه لهم و تركونى ، حتى انهم يتناسون عمدا مناداتى على العشاء .
ذات يوم كنت اجلس في شرفة غرفتى حين جذب أنظارى والدى الذي كان يلاعب الدخيلة بكل مرح ، اذكر صوت ضحكاتهم حتى صراخها و هى تركض ، حقيقة انا لا أذكر لوالدى انه قام بملاعبتى هكذا بكل هذا المرح اتجهت تلك الدخيلة إلى المنزل و هى سعيدة بينما ظل والدى يقف في الشارع مع صديق له ، و الآن اكتشف وجودى فأمرنى بالدخول من الشرفة ، حتى أنه لم يلحظ بكائى.
حالما دخلت من الشرفة وجدت الدخيلة تلك تمسك ببعض الدمى خاصتى ، ألم تكتفي بعائلتى ؟! تريد أيضا أخذ العابي؟! لا انا لن أسمح لها ، أخبرتها ان نلعب في الشرفة سويا ، حقا لم أكن انوى على فعل شىء سوى أن يراها والدى و يغضب عليها ليس أكثر، و لكن في بعض الأحيان تأتينى أفكار لا أدرى مصدرها و لكنها شيطانية نوعا ما ، إنها تعجبنى .
كانت ياسمين تقف على كرسي خشبي و منحنية تجاه الشارع حين اتجهت انا إليها ووقفت إلى جوارها ممسكة بدميتى و صرنا نتحدث إلى الدمية بشكل طفولى و نلعب بها سويا ، هكذا ما كانت هى تظنه بينما انا كنت اشتت انتباهها ليس أكثر، و عندما سنحت لى الفرصة قمت بركل الكرسي بكلتا قدماي فسقطت الدخيلة من الشرفة ، حقا لقد انتهت اغلب محاولاتى في التخلص من شهد بالفشل ، بينما تلك الدخيلة لم اعانى في إنهاء امرها ، لقد تخلصت منها بالفعل ، ولكن صوتها مازال عالقا في اذنى صراخها يسمع البلدان المجاورة ، كيف لوالداى ألا يسمعاه ...!
أنت تقرأ
من خلف القضبان
General Fictionأن تكون طبيعة عملك تجبرك ان تخلف وعد وعدت به شخص ما ، ليس بصعوبة ان تجبر على ان تخدع أحد ما ، ليس بصعوبة ان تكون زوجا لساحرة ، لديها تعويذاتها الخاصة ، التى كان ثمنها حياتها و بداية حياتك ...