الجزء السادس

62 12 5
                                    

كان يوم مخيف أكثر من جميع الايام التى سبقته ،كان حاتم يحاول الإيقاع بي طوال اليوم ، عينيه كانت تخبرنى انه لن يهدأ و يسكن ، وعيني كانت تخبره اننى كاذبة وهناك ما اخفيه ، لا أشعر  بالذنب الكبير لما حدث ، فهذا شىء لا يجدر بأحد ان يلومنى عليه الآن ،لطالما اعتدت منهم على تلبية كل رغباتى مهما اشتدت صعوبتها ،لطالما اعتدت ان اقضي على كل من يضايقنى وان وصل الامر لما وصل اليه الان .
لطالما اعتدت ان يطمئنى والدى و يخبرنى اننى لست مخطئة ، فاشعر بالارتياح ، الان كل ما أشعر به هو الخوف ، لماذا لم يأتى والدى لضمى واخبارى اننى على صواب ابتعدت تلك السحابة من الأفكار عن عقلى حينما ابتلعت ريقي ، كنت أرى نفسي محتجزة داخل قفص حديدى ، مقيدة بأكملى يقف أمامى طارق ، معلق بجسده سكين ، نعم انها السكين ذاتها التى قتلته بها ، و الأغرب من هذا كان حاتم الذي يقف بجواره
ينظر إلى بكره و يخاطب طارق
- ها هى التى قتلتك ، اقتلها الان
بدأ طارق يصرخ بكل قوته بوجهى مستهزءا بي ردا على جملة حاتم ، يذكرنى بما حدث في ذاك اليوم ، عازما على اعادة غيمة الخوف و التوتر الى ..
- اصرخى كما تشائين ، اخبرتك لا احد سيسمعك ، تماما كما لم يسمعنى احد ، هيا اصرخى عاليا ، اصرخى
كنت استجيب لمطلبه و اصرخ معه ، عل والداى يسمعانى ، او ينقظنى احد ، لم تستطع قدمى ان تحمل ثقل وزنى مع ثقل أفكارى تلك اللحظة فهويت ارضا ...               
- اسراء ، اسراء استيقظى يا بنيتى.
نهضت بهلع كانت انفاسي متقطعة كما لو كنت اركض مئات الكيلو مترات ، في هذا الحلم المريع لم ينقذنى سوى صوت امى لكن في الحقيقة لا أدرى ماذا سينقذنى ام انه لن ينقذنى شىء ؟!
- ماذا بك يا عزيزتى لما وجهك شاحب هكذا ؟
- لا شىء يا امى
- انهضي شقيقتك وزوجها سيغادرون الآن يجب عليك توديعهم .
خرجت والدتى واتجهت انا الى دورة المياه لغسل وجهى ، كنت أنظر إلى المرآة وابكى واخفي انين بكائى ، اعتقد ان هذا لم يكن مجرد حلم ، ماذا لو كان حقا حاتم سيكشف أمرى ، كم من الوقت سأستطيع الاختباء من الجميع ، كم من الوقت سيلاحقنى هذا الواقع الذي يتجسد في هيئة حلم دائما ، أخذت نفسا عميقا وغسلت وجهى وخرجت لتوديع شقيقتى لعل زوجها يغادر و يريحنى قليلا .
                                         *****
اكره كونى طفلة مما جعله واجبا على والدى التصرف بطبيعية أمامى والا يذكروا شىء بخصوص اسراء اثناء تواجدى ، ولكونى اعى تماما ما يجرى أكثر من اى شخص آخر،  توجب على الوصول إلى الحقائق بمفردى .
بعد خروج اسراء لتودع منال كنت اقف مع عادل و ملك حين همس السيد حاتم في أذن والدى ثم نظرا إلى اسراء ، اظن ان الامر كان يعنيها ولكن لم أستطع معرفة ماهو ، غادرت شقيقتىوأسرتها  وسرعان ما اتجهت اسراء إلى غرفتها وهنا نظر والدى إلى والدتى كأن نظراته تنطق بشىء ف امرتنى والدتى ان العب خارجا بدراجتى فخرجت تاركة إياهم يتناولون أطراف الحديث الذى كانت بنيته شقيقتى اسراء .
لم اتعمد السمع ولكنى مررت بدراجتى بجوار نافذة شقيقتى فسمعتها تحدث شخصا ما وتبكى ، اعتقد انه ذاك الشاب المريع الذي يدعي هيثم ، كانت تخبره انها خائفة وأنها فعلت شىء خاطئ وستحاسب عليه ، كما أخبرته أن العقوبة لن تقتصر على اخذهم لتلك الاقراص فقط بل على كارثة اكبر كلاهم يعلم ما هى ، توقفت لوهلة بعد اندهاشي مما سمعت ثم اتجهت الى الجانب الآخر من حديقة المنزل الواسعة الخضراء ، جلست على الخضرة وبجوارى دراجتى ، كنت افكر هل على اخبار والدى ، ام ماذا أفعل !كنت اعلم ان هناك شىء بهذه الاقراص ، لا أدرى ماهو ولكن هناك شىء كبير يحدث في منزلنا و سأكتشفه بنفسي طالما ان لا احد يخبرنى بشيء .
                                                 *****
  بعد حديثى مع هيثم علمت جيدا اننى بمفردى كما أن شهيتى منعدمة منذ يومين لم آكل شىء وكانت جملته الاخيره تتردد في مسامعى ..
- إن وجد خطر فهو خطر عليك بمفردك إلا يكفيك أن الاقراص تصلك دائما ، ام تودين قتلنا جميعا ، لا تهاتفينا مجددا فنحن لا نريد أن نقع في ورطة معك .
شعرت برغبة ملحة في البكاء كما شعرت اننى وحش يخاف الجميع الاقتراب منه ،كانت الساعة تقرب الثانية عشر ظهرا،  ارتديت ملابسي وخرجت للسير قليلا لعلى أشعر بارتياح ، كانت تلك فكرة والدتى التى كانت تحاول جاهدة ان تعلم ماذا بي .
إلى أين سأذهب الآن ؟ لم أكن أدرى ، كنت اسير في الشوارع بدون هدف ، بدون وعي ، حتى بدون هاتفي وبطاقتى أو أى شىء آخر يثبت هويتى، كانت عينى تمتلئ بالدموع فامحوها ، الشمس كانت تتعامد علي رأسي كانت ساخنة حقا ، شعرت بدوار شديد ، جعلنى فقدت قدرتى وطاقتى على الحركة ، كانت الأرض تقترب منى كثيرا ، رأيت أناس تتجمع حولى ، من ثم فقدت الرؤية .
- سيدتى ؟! هل انتى بخير؟
دعونى اخبركم انى لم اعد استطع التفرقة بين أحلامى و الواقع ، اظننى نائمة الان و هذا احد احلامى ، هل حقا هذا عمر ؟! لم استطع فهم الامر جيدا و لم استطع تميز من هذا الشاب الذي يجلس بجوارى في هذا المكان الذي لا ادرى ما هو ...
- اين انا ؟
- انتى في المشفى حمدا لله على سلامتك ، كان الطبيب سيجرى لك فحصا كاملا لمعرفة سبب حدوث ....
ماذا تهزى يا رجل ؟! فحص ماذا؟! هل فقدت عقلك ام انك مجنون ! انا بخير ، اى فحص ستقومون به ، اى شىء آخر تودون كشفه ، الا يكفينى ما بي ، من أين أتيت انت لتقول هذا ، لماذا انت ؟! انك الوحيد الذي أود الارتماء بين ذراعيه و البكاء بحسرة ، اتود كشف امرى مثل الاخرون ؟! اتود ان تقسو على كما قست الحياة من قبلك ؟! آه يا فتاة ، آه لو يشعر احد مثلما تشعرين ، آه لو انك تقرأ افكارى الان فتنجدنى .كل تلك العبارات التى كنت أود أخباره بها تزاحمت في عقلي خلال زمن اقل من الثانية أو ربما اقل من الفيمتو ثانية .
- سيدتى؟!
كان يشير الى بيديه و كأنه رأى دوامة الأسئلة التى اخذتنى الى عالم اخر ، او كأنه حقا شعر بخوفي .
- لا .. انا لست بحاجة لفحص 
-  ياسيدة اسراء هذا من أجل سلامتك ، لابد أن هناك خطب ما بك- هذا هبوط لا داعى لإجراء اى فحوصات وشكرا علي مساعدتك ، سأعيد لك المال الذي دفعته اعدك..
كنت اتسأل من يكون عمر هذا حتى يعرف اسمى ، انا لا امتلك بطاقة هوية و لست شخصية عامة او مشهورة لكى يعرفنى ، اظن الان انه كان حقا يهتم لأمرى كما كنت انا افعل ، لكن هذا ليس بوقت مناسب لتفكيرى في امر من هذا النوع .
لم اكن افكر فيما اقوله فقط كان يسيطر على جميع ذرات جسدى فكرة هروبي من الفحص الذي جعلنى اصمت واقف رغم ارهاقي واتجه للخارج وفي طريقي سمعته يخاطبني..
- اسراء ..!
حقا ظننت الأمر سيكون اسهل من هذا ، الن تتركنى ارحل الآن؟! أجبت بتردد وكنت أشعر أن كل جزء من جسدى يهرول إلى الخارج .
- ماذا؟
- كيف ستعيدين لى النقود ؟! لم تسألى عن اسمى حتى!
توقفت لوهلة أنظر إليه شعرت انه يبتسم رغم جدية ملامحه ، هل انت ايضا مثلهم ؟! ماذا بها تلك الاوراق يا الهى ؟! لماذا يهتم بها الجميع اكثر من حياتهم ؟! لم اكن لأظن انك تشبههم ، هنا سألت أيضا بتردد ..
- حسنا أخبرني اين تود أخذ نقودك ، سأرسله لك مع والدى
- انا ادعى عمر ، شرطى و هذه البطاقة بها رقم هاتفي و عنوان مكتبي يمكنك في اى وقت ......
شعرت بدمائى تجمدت رغم قطرات الماء التى اعتلت جبينى كدت افقد الوعي مجددا وخانتنى كل الحروف وعقد لسانى ، ماذا الآن؟  انا لا اسمع ما يقوله هذا الشخص ، هل حقا قال شرطى ام ان خوفي بدأ يسيطر على سمعى أيضا ؟ ماذا دهانى ؟ لا لم يقل شرطى ، ماذا قد يفعل الشرطى بالجامعة يوميا ..! من أين يعرف اسمى ؟! ماذا بي لا اسمع شىء من الخطاب الطويل الذي قاله هذا الرجل ؟! حتى اننى بالكاد أرى يده ممتدة لى ببطاقة ، أظنها هى التى يتحدث عنها ، اخذتها منه بيدى التى كانت ترتعش نعم مكتوب بها شرطي ،  لقد تأكدت من صحة سمعى ، و لكن اشعر اننى سأودع حياتى عن قريب ، اتجهت الى الباب حتى اخرج قبل أن يفضح امرى .
- اسراء ..!
ماذا الآن؟! هل ستلقي القبض على ام ماذا ، ايعقل ان يكون كشف أمرى ؟!
- ماذا ..؟- كنت أود اخبارك في المرة القادمة لا تتركى بطاقتك الشخصية في المنزل ، و احملى معك هاتف حيثما ذهبتى ، حتى اذ تكرر  الامر ثانية اقوم بمهاتفة شخص من عائلتك بدلا من قضاء وقت عملى بالمشفي جوارك .
- حسنا في المرة القادمة ...
أجبت بعدما بدأ توترى يقل بل يختفي ، كنت أدير ظهرت للخروج حيث سمعت ضحكاته تعلو ، ماذا الآن،  الن تنتهى يا هذا ، توقفت و لم أدر وجهى إليه فسمعته يقول " اذا انت تنوين على ان يكون هناك مرة ثانية ؟! " و عاد يضحك و عدت اكمل سيرى للخارج .
حقا لا اعلم ماذا اصابنى ، احترت الان في امرى ، إنه الرجل الذي لطالما حاولت الاقتراب منه دون جدوى ، كما انه من اخطر الناس على الان ، لو لم اكن بمحلى هذا لكنت سعدت بتلك الصدفة ، أو كنت ضحكت معه ، لكن كيف سيكشف امرى ؟! ما هذه الحماقة التى تعتلى افكارى ، لن يحدث هذا ، أظن ان القضية أغلقت منذ فترة ، زال قلقي بعد هذا التفكير الساذج ، لقد ضحكت و انا اسير بمفردى ، تماما كشخص فقد عقله للتو ، اذا هل هذا ما جعله ينادينى؟! لقد اخافنى بعد ذلك يخبرنى انه يمزح ؟ كم انا بارعة في إخفاء الأمر..
                             *****                              
بعدما علم والدى ان شقيقتى فقدت وعيها زاد الاهتمام بها ، خصوصا من قبل والدى الذى لطلاما كان يخبرنى انها صادقة دائما و الكبار لا يكذبون ، والذى إذ قررت أن أخبره بما سمعت سيظننى أتخيل الأشياء أو اختلقها لها و يلقي باللوم على الأفلام الكارتونية التي اشاهدها .
لا أنكر كونى قلقة علي شقيقتى ولكن هذا لن يجعلنى اتناسي ما كنت أفتش عنه من حقائق ، حضرت والدتى طعام لاسراء التى كانت يجب أن تكون جائعة جدا ولكنها كانت ممسكة بهاتفها و تنظر إليه بقلق بين الحين والآخر كما أنها كانت ترتعش وتتصبب عرقا .
لم يكن الأمر ملحوظا للجميع لكنى بدأت في التدقيق معها بكل شىء ، هنا وضعت أمى لها الطعام في غرفتها كما طلبت فنادتنى اسراء ، اظن انها كانت ستوبخنى لامر ما ، لكن كيف نادتنى هكذا ؟! هى دوما تنكر انها وبختنى الآن كيف ستنكر دعونى اذهب      لأعلم ما الجديد اتجهت الى غرفتها فدعتنى لتناول الطعام معها ولكن لا أخبر والداى اننى تناولت شىء ، لا أظنها بكامل عقلها ، اتعلمون! اسراء تلك تعجبنى عن ما كانت قبلها ، فهى لم تكن لتأذن لى ان أخطو خطوة داخل غرفتها ، و لم تكن تجيبنى ان حدثتها ، كيف تدعوني لتناول الطعام معها ، ام انها شعرت بأخطائها معى و تود إصلاحها اظنها مريضة الى حد خطير ، اظنها سترحل عن قريب من عالمنا !
رفضت في البداية لكونها مريضة وعليها تناول الطعام بأكمله لكنها اخبرتنى اننا سنقتسمه وهذا بالنسبة إليها يفي بالغرض لجعلها تتعافي ، وافقت على طلبها فكان الطعام له رائحة شهية جعلتنى أتناول الكثير منه بشراهة كبيرة ، لا بل اتناوله بأكمله ،بينما كانت تجلس هى في شرود ولا تأكل إلا القليل من ثم تركت الطعام واتجهت إلى حقيبتها ، كانت تبحث عن شىء ما واظن انها اطمئنت عليه وأغلقت الحقيبة مجددا .
- اسراء .. الن تتناولى طعامك؟
- كلا لقد تناولت ما يكفي
اعتقد انها خدعتنى ، دعتنى لتناول الطعام حتى يعتقد والداى انها تناولته ، ولكن لماذا ترفض تناول طعام شهى هكذا ، هل الأمر خطير إلى هذا الحد ؟!
أخذت والدتى اطباق الطعام ولم أخبرها اننى من تناولته حتى لا تغضب على ، اخرجتنى اسراء من غرفتها حتى تنام ..
- هيا ايتها الحمقاء ألم تنهى طعامك ؟! اخرجى الان ..!
- ماذا ؟! هل كنت تعامليننى بلطف لأفعل ما تقولين فقط؟!
- نعم ..! أم ظننت اننى سأتعامل مع حمقاء مثلك ، اخرجى الان .
كم انها تستغلنى ، طلبتى لتناول الطعام و حالما انتهت من غرضها اخرجتنى لتنام حسب ما قالت و لكنى لن اصدقها ، تبا لها  تلك اللعينة .
                                   *****
كنت اكمل عملى كالمعتاد ولكن سرعان ما تتسلل أفكار و احداث غريبة الى مخيلتى ،  تلك الفتاة التى وجدتها فاقدة الوعى لماذا ارتبكت عندما علمت اننى ضابط ؟! دائما ما كانت ترانى بالشارع او بالجامعة ، كانت تعبيراتها مختلفة كثيرا عن ما رأيت ، شىء ما يخبرنى انها طرف الخيط الذى لطالما كنت ابحث عنه .
كنا في منزل اللواء زين عبد الوهاب،  تماما مكان وقوع الجريمة بعد زيارات متعددة لهذا المنزل وبعد إجراءات عديدة قمنا بها قد وجدنا آثار اقدام حذاء نسائى ذو كعب عالى رفيع بجوار باب المطبخ واليوم قد أثبت أن هناك دم لشخص آخر كان على الأرض بجوار طارق ابن اللواء زين غير مطابق لدمه .
اظن اننى حقا سأنهى القضية خلال الفترة المحددة لى ، كنت شاردا قليلا حيث قاطع تفكيرى ضياء صديق عملى الوفي ..
- سيدى .. اظن ان الامر اصبح غريبا نوعا ما ، كيف سنعثر على صاحب أثار الاقدام تلك او صاحب هذا الدماء ؟ الأمر ليس يسيرا
كما يبدو لنا نحن نبحث عن ابرة بين كومة قش  .
- بل انه ابسط من هذا بكثير ، لا تقلق فأعتقد انى عثرت على مشتبه به وسأتأكد من هذا قريبا جدا .

من خلف القضبان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن