الفصل الخامس

383 12 9
                                    

- إيه اللي خايفة إني اعرفه!

اصفر وجه ليلى وارتبكت ميان ولكنه كان بدًا من معرفته وقتها، وقبل أن تقص عليه ميان ما حدث سبقها جمال -والذي جاء من خلف أدهم لما لاحظ ارتباكهن- ليقص الأمر كاملاً عليه، وما أن أفضى ما بجعبته حتى صرخ به أدهم باحتدام:
-ازاي!.. ازاي تعمل كده في حاجة تخصني!
-أنا قررت وانت هتنفذ غصب عنك، كفايه قرف لحد كده.
- ازاي تروح تلكمه وفحاجه زي دي كأني عيل صغير رايح تحلله مشاكلة بتفكيرك الغريب ده!
- اتكلم عدل واعرف انت بتقول ايه!، وبعدين آه صغير، لما تبقي مش عارفه مصلحتك وماشي تضيع سنين عمرك في حاجات غلط وحرام تبقي عيل ولسه مش فاهم حاجه.
- أنا اللي مش عارف أنا بقول إيه ولا انت! وبعدين دي حياتي وانا حر، انا اللي هعيشها مش انتو وأنا اللي هتحمل نتايج افعالي مش انتو وبعدين هي لعبة!.. ده جواز مش هزار وأنت روحت عشمتهم وقولتلهم جاي يتقدم عشان تحطني قدام الأمر الواقع!
- أنا مرميتكش في النار، البنت اللي انا رحت اطلبهالك دي مش هتلاقي أحسن منها.
- وأنا مالي أحسن واحدة ولا أوحش واحدة!، انا مش عايز، مش عايز اتجوزها ولا عايز اتجوز اصلاً، شغل جواز الغصب ده انتهي من قرن!!
فجلس جمال على اريكة خلفه ليقول بحزم:
- أنا اتكلمت خلاص ومش هرجع في كلامي وبعد ما الفترة دي تعدي هنحدد ميعاد.
رمقه أدهم غير مصدق بأن من أمامه هو والده الذي من دمة، لا يصدق كونه فعل به تلك الفعلة! مسح علي شعره بقوة هاتفًا بغضب:
- أنا مش فاهم بجد ولا مستوعب ازاي بتعمل كده!
ولم يقدر علي المتابعة وفقط رمقه بذهول ومن ثم غادر المنزل بقمة غضبه لتلحق به ميان تجري وراءه
- أدهم، استني
ولم يرد عليها وفقط دلف بداخل سيارته لتلحق به سريعًا قافزة بداخلها قبل أن ينطلق.
ساد الصمت بينهما بينما هو ينطلق بسرعة شديدة أخافتها لتقول بهدوء:
- بالراحة شوية
وبعد دقائق هدأت سرعته وقد هدأ قليلا ليتوقف بالسيارة بأحد الأماكن المجاورة للشاطئ عل الهواء يخفف من حدة ثورته..
رمقته ميان باشفاق هاتفه به بلين:
-هتتحل صدقني
فالتفت لها بانفعال:
-هتتحل ازاي يعني، ده راح كلمهم خلاص، وبعدين أنا مش فاهم إزاي بيفكر كده!
-أنا عارفة إنك مبتحبش حاجة تتفرض عليك بس أنت عارف أنه بيحبك و عايزلك أحسن حاجه و..
فقاطع حديثها:
- ده مش حب، ده عِند، هو بيعند معايا عشان مش عاجبه أي حاجة أنا بعملها وكأني عدوه
- طب ممكن تديني فرصة أقولك حاجه من غير ما تتعصب
فنظر لها بوجه غير مؤهل لاستقبال أي معلومة أخرى أو نصيحة لتكمل بحذر:
-ممكن تدي لنفسك فرصة مع حياة و ..
فقاطعها بغضب :
-قولت مش عايز، مش عايز!! مش فاهم إيه اللي صعب في الجملة.
فصمتت و لم تستطع التخفيف عنه أو مساندته بالكلام، تعلم أن أدهم يكره أن يفرض عليه أمرًا ما، وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا، وبالوقت ذاته تعلم أن والدها أخطئ بما فعله ولا يدري أن بفعلته تلك يظلم حياة قبل أدهم!
فأدهم متمرد لن يرضخ للأمر و سيحاول التملص منه بطرق عديدة، أما عن حياة فهي رقيقة تهتم بالجميع وتخشى إحزان من حولها .. ولا تعلم إلى الآن ماذا سيكون رد فعل حياة عند معرفتها بالأمر، ولا تقدر حتى علي التنبؤ بما ستفعله.
أوصل أدهم ميان لمنزلهما ومن ثم غادر مرة أخرى، لا يطيق الدخول للمنزل بعدما حدث ويضيق صدره كلما تذكر ما وضع به .. حاول اخراج نفسه من التفكير بتلك الدائرة التي لا تؤدى سوى لغضبه، وحاول محادثة آيلا.. مرارًا و تكرارًا يحاول ولكن لا شيء سوى الصوت المسجل المستفز
"الرقم المطلوب مغلق أو غير موجود بالخدمة"
فاضطر لمكالمة نادين ليطمئن على الصديقة الغائبة و بعد التحيات سأل عنها فأجابته:
- آيلا ما قالتلك إنّا سافرت ع لبنان، البنك كان رح يحجز ع بيتا لأنو ما بقى معا مصاري حتى تسدد ديونا
فرد سريعًا:
-و ازاي مقالتليش انها في مشكلة!، طيب أنا ممكن أوصلها ازاي دلوقتي؟!
- راح اعطيك رقما الجديد.
و فورما أعطته الرقم حتى اتصل به سريعًا لترد عليه آيلا بصوت منكسر رقيق:
- آيلا، أنا أدهم.
-أدهم كيفك..
- الحمد لله، طمنيني عليكي أنتِ، انا عرفت اللي حصل من نادين، بقالي أكتر من اسبوعين بحاول اوصلك.
- ما تواخذني أدهم وضعي كتير صعب هالأيام و ما بعرف شو رح اعمول.
- متقلقيش أنا هحل كل حاجه، اديني بس رقم حسابك في البنك و أنا هخلصلك الدنيا.
فارتبكت آيلا وهي تنظر لنادين التي تسمع معها المكالمة، و من ثم التقطتت كلمتان لتقول له:
- لا ماتّعب حالك، المبلغ كتير كبير و مارح اقدر سدده إلك
-آيلا انا مش هرجع ف كلامي قوليلي بس رقم الحساب.
فارتبكت مرة أخرى، فلا حساب من الأساس ولا دين ولا حجز علي منزل ولا سفر للبنان ولكن نادين ارشدتها بالاشارة للرد فهتفت آيلا بخجل:
- خلص ماتّعب حالك، بس إذا سمحتلي راح آخد منك مبلغ صغير ورح رده باقرب وقت..
- ماشي، اتفقنا.
وتم تحويل لها المبلغ الذي لم يكن بالصغير حيث أن أدهم نفذ ما برأسه ودفع لها المبلغ بأكمله عن طريق تحويله لحساب نادين و بذلك لم يعلم أن لا دين ولا أزمة من الاساس..
وأخبرت آيلا أدهم بأنها ستعود إلى مصر بالاسبوع المقبل واتفقا على المقابلة.
وبعد مرور تلك الفترة قابلته و فورما رأته احتضنته لأول مرة هامسة:
-وحشتني اوي
-بقينا بنعرف نتكلم مصري أهو
فضحكت بدلال و ابتعدت ناظرة له بوجهها الملائكي المميز قائلة بخجل:
- ما بعرف كيف اتشكرك عــ مساعدتك إلي..
-متقوليش كده..
فابتسمت وتلك الابتسامة كانت صادقة حيث كانت سعيدة بتأثره بها وقد أيقنت أنها اوقعت بابن البحار وصار ينفذ لها ما تحتاجه عن طواعية.
حين استقرا جالسان بأحد الأماكن علقت آيلا رامقة أدهم باهتمام:
-مبين عليك انه في شغله مزعلتك
فابتسم مربتًا علي كفها الموضوع علي كتفه:
-متشغليش بالك..
- بلى رح اشغله، احكيلي يمكن بقدر ساعدك متل ما ساعدتني.
تردد في قص الأمر عليها ولكنه سرده سريعًا، وحقيقةً فورما سمعت حتى دقت ابواب الخطر بداخل عقلها وذلك ساعدها بالتمثيل أمامه جيدًا حيث همست بحزن:
- و أنت رح تتجوزا؟
- لأ طبعًا، بس مش عارفه أخرج من الموضوع ده ازاي ..
و رسمت الخجل و الحب علي وجهها لتهمس بصوت ناعم:
- أدهم ما تتركني، أنا ما فيني عيش من دونك.
فابتسم لها فقط ولم يعقب.

انتشاء، ارتياح، ورضا
ثلاث كلمات لخصوا ما شعرت به حياة حين انتهت من مناقشة مشروع تخرجها من الجامعة لتصبح رسميًا مهندسة ديكور كما حلمت.
كان اليوم مميز لها ولصديقتها هنا..، حمدت ربها كثيرًا أنها وصلت إلى تلك اللحظة.
و بينما هي و صديقاتها يستعدن لمغادرة الجامعة، أوقفها (فارس) معيد بالكلية يتودد لها منذ فترة قريبة، وهي ترفض تقربه إليها الغير مبرر إلى الآن
-بشمهندسة حياة!
فالتفتت له بابتسامة جادة
- خير يا دكتور
-بعد اذنك كنت عايز اتكلم معاكي دقيقة بس
فابتعدن صديقاتها قليلاً ليتركاهما:
- مشروعك ممتاز حقيقي، أنا متفائل بيكي جدًا يا حياة هتبقى من أشطر ال interior designers.
فابتسمت لإطارءه:
- ميرسي يا دكتور
- ان شاء الله نشوفك تاني في الكلية بس معيدة المرة دي..
فعلقت باقتضاب:
- والله يا دكتور مش بفكر في المجال ده ولا بحبه.
هربت منه الكلمات فعلق أخيرًا قبل أن يتركها لصديقاتها:
- عمومًا مبروك و عقبال ال graduation.
رجعت لهن و حاوطتها هنا المشاغبة بتساؤلاتها:
- قالك إيه!؟
فردت بملل
- كله كلام فاضي ..
لترد إحدى صديقاتها:
-بتعامليه جد أوفر يا حياة
فردت عليها:
- والله دي طريقتي مع اللي مش محدد هو عايز إيه ..
وانتهي اليوم بها علي فراشها تدون بمذكراتها..
عادة لم تتخل عنها منذ نعومة أظافرها، تحب تدوين كل لحظة هامة بحياتها؛ الأحداث الجِسام، وما يؤرقها أيضًا تدونه عل العبئ يخف من على صدرها.
دخلت عليها والدتها تشاكسها كما تفعل دائمًا معها ومع أخويها ومن ثم جلست بجانبها ودَّت قول شيئًا ما بابتسامة:
- عندي ليكي خبر.
فتحمست حياة للأمر و تركت قلمها و دفترها جانبًا:
-خير
فأكملت أمها بابتسامة:
- في واحد متقدملك
لم تتحمس كثيرًا للأمر و انطفأت ابتسامتها زافرة أنفاسها بملل وهي تلتقط قلمها و دفترها مرة أخرى، ظانه بأنه فارس:
- ماما أنا حاليًا مش مستعدة لخطوبة و جواز و الجو ده
- طب مش لما تعرفي مين الأول
فردت بعدم اهتمام:
- مين؟
صمتت والدتها لثوانٍ و من ثم رمت قنبلتها:
-أدهم
لوهله سحبت أنفاس حياة و تسارعت دقات قلبها وارتبكت فسألت بحذر عله يكون شخص آخر غير من يشغل عقلها
- أدهم مين!
-أنت تعرفي كام أدهم!، أدهم البحار
فابتسمت حياة و من ثم ضحكت ضحكات صاخبة أضحكت والدتها:
- يا بنتي مالك في إيه..
- كفاية هزار يا ماما، الواحد ضحك كتير النهاردة
و من ثم عادت لدفتر مذكراتها ترسم خطوطًا عشوائية بالقلم لتتابع:
-أدهم إيه بس اللي يتقدملي، العبي غيرها.
- و الله يا بنتي ما بهزر، جمال كلم باباكي
رفعت رأسها تلك المرة ولم تتفوه بشيء، كادت أن تفضحها دقات قلبها من فرط الحفقان والذهول المرتسم علي ملامح وجهها.
قصت منى الأمر ومن ثم ذيلت حديثها بسؤالها:
-موافقة تقابليه، ويجوا يتقدموا هنا في البيت بشكل رسمي؟
وكان لحمرة وجنتيها الرد ولكن والدتها لم تكتفي لتعيد سؤالها عليها مرة أخرى وكان لحياة فقط الرد بكلمة:
- ماشي.
وحين خرجت مني من الغرفة، لم تتمالك حياة نفسها وأدمعت عيناها الفَرِحه ومازال قلبها يخفق بسرعة رهيبة .. لا تصدق أن من احبته منذ نعومة اظافرها وطالما حلمت به يتقدم للزواج ..يريدها زوجة له..
ولكن لما كان هذا الجفاء طوال السنوات الماضية، أمر الخطبة هذا غريب حقًا وكأن به شيئًا مجهول..
وعند ذكر مجهول تلك حدثت نفسها بلوم
"ولِما بالضرورة وجود شيئًا مجهول، أليس من حقك السعادة،حياة؟!"
وأخذت تسأل نفسها
ترى أحبها مثلما أحبته دون التلميح أو البوح و الاعتراف كي لا يخجلها، أم أن الأمر تقليدي لتوثيق شراكة بين والديهما وكما ترى بالمسلسلات والأفلام.
وحقيقةً الفكرة الأخيرة أضحكتها، وجعلتها تنعت نفسها بالغبية، فأي زواج تقليدي سيتبعه أدهم الكاره للتقاليد والكاسر للقواعد!
وانتهى بها تفكيرها أنه على الأغلب معجب بها..
ولم تدري المسكينة أن الأمر أعمق كثيرًا عما تفكر به..
نفضت كل تلك الأفكار سرعًا واقنعت نفسها بأنه سيتضح كل شيء عند مجيئهم .. المهم الآن هو ان تحاول تهدئة قلبها الذي لو قدر علي الصياح لصاح فرحةً..

اللي بيتابع الرواية يثبت وجوده ب vote🤍😍

مِرساةُ قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن