الفصل الثالث والعشرون

85 4 1
                                    

ربتت علي وجنته عده مرات منادية إياه، ولكنه لا يجيبها، لا يفتح عينيه وتشعر نبضه ضعيفًا تحت إصبعيها ويحاول الحديث هباءًا، أنفاسه متقطعه والأمر يرعبها ولا تعلم ماذا تفعل، وكان هو أول من لجأت إليه بعد أن هاتفت الإسعاف حيث أمسكت بهاتفها تصيح به باكيه:
- زياد، بابا تعبان أوي وأنا لوحدي ممكن تيجيلي!

وفي خلال عشر دقائق كان عندها يشاركها نفس المقعد بسيارة الإسعاف إلى المشفى حيث أن والدها مشتبه بأزمة قلبية حادة، وقد دخل إلى المشفى والإجراءات تولى أمرها زياد وأخبرها الطبيب بعد قليل:
- هيحتاج قسطرة حالًا.. محتاجين إقرار من حضرتك قبلها علي طول هتمضيه.

وكل شيء يتكالب فوق رأسها وهي مرتعبه من أن يصيبه أي شيء فجلست تبكي وزياد أتى يحاول تهدئتها:
- اهدي متخافيش هيبقي كويس إن شاء الله
فقالت بتيه:
- انا مش عارفه اكلم ماما وريان دلوقتي ولا امضي ولا اعمل ايه!
- انا بقول نطمن عليه الأول بعدين كلميهم عشان ريان ميجيش سايق بسرعه
وقعت علي الاقرار ووقفت تنتظر والدها خارج غرفة العمليات في توتر بلغ اقصاه، رغم كل ما عانته معه يبقي والدها، تبقي مرتعبه ان مسه شيء.
وثوانٍ فصلتهما عن وصول سوزان أم زياد التي احتضنت الفتاة القلقة بعطف أمومي مربته علي وجنتها لتطمئنها:
- هيقوم بألف سلامة يا حبيبتي متخافيش.
وخرج الطبيب مطمئنًا إياها بعد اقل من ساعة:
- الحمدلله عملنا القسطرة وهو أفضل دلوقتي، ساعة بس وتقدروا تشوفوه، حمدلله علي السلامة.
تنهدت وذفرت دموع ارتياح ما أن رأته خارجًا أمامها علي فراش متحرك صوب غرفة ليطالعها بنظرة متعبه، ومرت الساعه فكانت أمامه ممسكة بكفه تقبلها:
- حمدلله على سلامتك يا بابا
- حمدلله علي سلامتك يا عمى
فجاءهم صوته المرهق يربت علي يد ابنته:
- الله يسلمكم، مش عارف من غير ما تلحقيني كان الله اعلم مصيري ايه دلوقتي.
- بعد الشر عليك يا بابا الحمدلله ..
ووجه كلامه للآخر:
- ربنا يخليك علي وقفتك معانا يا ابني انت راجل بجد.
وابتسم له زياد:
- ده واجبي
كانت قد هاتفت والدتها وشقيقها وطمأنتهما عليه بعدما اطمأنت عليه من الطبيب ولكنهما بالطبع أصرا علي الحضور وفي خلال ثلاث ساعات كانا بالغرفة واستأذن زياد فور وصولهما وخرجت هنا وراءه توصله لتقول بحرج:
- مش عارفه اقولك ايه بجد، انا اسفه اني خضيتك وعطلتك
ليقول بلوم:
- ده كلام يزعل، انا مبسوط اني اول واحد جه في بالك

وخرج والدها بعد عدة أيام واستقرت حالته، واقترحت عليها صديقتها المقربة أخذ إجازة ريثما يسترد والدها صحته وأنها ستتولى المشاريع المسئولة هي عنها وأذعنت بالفعل للأمر في امتنان حيث كانت تعتني به مع أمها والفترة كانت مرهقة بحق. والحق أنها لم تتركها للحظه حتى ولم تكن متواجدة معها وكذلك كان هو من ملك قلبها، لم يتركها هو ايضًا، بل أكثر ما أسعدها هو أثناء زيارته وأهله للاطمئنان علي والدها باغت الجميع يستأذن والدها ليحددوا موعد زفافهما، ورغم أن والدها ملامحه أظهرت اعتراضًا في البداية لرغبتهم في تعجيل الأمر إلا ان زياد كان ذكيًا في التعامل معه واتفقوا علي أن يصبح زفافهما بعد أربعة أشهر، وقلبها لا يتحمل جرعة السعادة المفاجأة التي حلت به بعد الاتفاق ومنذ الكثير لم تشعر بحياتها جميلة إلى ذلك المدى، وكان هو سر كل ما حل بها من سرور.

مِرساةُ قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن