5

389 52 27
                                    

لا أُحب التعامل مع البشر سواءً أعرفهم أم لا .
كُنتُ ببادِئِ أمرِها أشعر ببعض الضيق ولكن بالنهاية كان عملي الذي لا مفر منه .
لا أعلم لمَ طب !! ، لمَ ما دمتُّ أكره تعاملات البشر! ..
ولكن سنعود لأنه القدر.. الذي لا مفر منه!
مضى ما يُقارب شهر وأنا كلُ يومٍ بغرفتها .
كانت لطيفة ، ملامِحها تبعثُ بالهدوء و السكينة ، كانت تملِكُ بحرين رائِقين و كم راقَت لي .
قلّلتُ بالآونة الأخيرة مِنْ ذهابي لها ..
بدأت بالفعل أُحب المكوث بجانبها نائمةً كانت أم مستيقظة و هذا ليس بِصالِحي .

فور اكتِشافي لهذا الذي صرت عليه و أن  الوضع يزدَاد سوءً بمرور الأيام انقطعتُّ عن الذهاب .
هذا اليوم الثالث الذي لم أرها فيه ، لا أُريد التعلق بأحد ، لا أريد !

أقِفُ كما اعتدتُ منذ بداية الرحلة و.. لا شيء ، أنا وموسيقاي و الهواء البارد و الكثير مِن الشرود في اللا شيء .
تتناطح الأمواج أمامي فتتناثر حُبيبات الماء مداعبة وجهِي لأُغمض عيناي وتُعاد الكرّة مرّات و مرّات .
ما زال هناك الكثير من الأيام ، ما زالت رِحلتي طويلة و أخشى علىّ مِن نفسي .. لمَ أنتِ ؟ ، ولمَ لمْ يجد القبطان غيري ليسأله !
سفينةٌ كبيرة كهذة من المؤكد بها أطباء غيري .
لا يهم ، سأكون بخير .. آمُل هذا .

- - -

مرَّ عشرة أيام تقريبًا و كُنت قد بدأت بالسيطرة على ذاك المُتمرد و بدأت أتناسىٰ أمرَها ، لم أرها مُنذ تركتُ زيارتها ولا أعلم حالها .
لا يُهمني !
كانت بخير بآخِر يوم قبل تركِها .

اِشتممتُ رائِحة غريبة ، شيءٌ يحترق.. ربما أحرقوا شيئًا بمطبخ السفينة ؟! .

كنتُ بالغرفة حينها فخرجتُّ لهواء البحر علّ هذه الرائحة تتلاشى .

كُنت في طريقي لمكانِي المعتاد حين رأيتها ، تقف بمكانٍ هادِئ نسبيًا و لا أعلم ما تفعله .
أخذتُ خطواتٍ ثابته نحو مكاني وكأن شيئًا لم يكن .. لقد انتهى أمرُها .

بقيتُ بداخل رأسي التي صِرت أُحب التجول بها .
أُحب الشرود في أشياء كثيرة عدا تعامُلاتِي مع البشر أو ذكرياتي ، عدا ذلك فأنا أُحب أفكاري ، أُحب الإنصات لصوت دقاتي و أنفاسي .

كُنت قد أنهيت آخر رواية كَتَبْتُها قبل هذه الرحلة بشهور قليلة ، رُبَّمّا هذا وقتٌ مُناسب لاختيار فكرةٍ جديدة .

بدأت الرائحة تُزعجني و.. توقفت السفينة !
ذهبت لمكتب مساعد القبطان وسألته فأجابَ بِما لمْ أتوَقَع

"لقد احترق المحرك و.. المهندسون لا يستطيعون إصلاحه.. ما زالت محاولاتنا قائمة ولكن .. لا جدوى إلى الآن"

أومأت وذهبت لغرفتي .. حسنًا ، يبدوا أن هذه الرحلة ستطول أكثر !

أمسكت بكَمانِي وبدأت أعزف إحدي الألحان وأنا شاردٌ في اللا شيء .

فور إدراكي لما أعزف توقفت وتركته جانبًا .
تجمعت دموعي ولكن سرعان ما مسحتها و حاولت التفكير في أي شيء عدا هذا..
توقفت أمام نافذتي و أنا أحاول انتشال نفسي مِن ذكرياتي ولكن .. لقد فشلت هذه المرة !
بعض الدموع القليلة فرت وحبستُّ أضعاف أضعافِها .. هدأتُ مع اختفاء أشعة الشمس .
خرجت لأجد خبر احتراق المحرك على ألسنة الجميع .
ذهبتُ لمقدمة السفينة وأنا أتأمل الظلام.. لا قمر حتى يُضيء الأفق ، فقط الظلام!
سمعتُ صوتها الهادِئ يَصدُر من خلفي

"أهلًا أيُّها الطبيب.."

التفتُّ لأجدها ، ما الذي آتى بكِ الآن !

" كيف حالُكِ ؟"

أومَأت و هي تَهمِس

"بخير ."

نظرت أمامي وقد بدأ بِتَمرُده من جديد ، عمّ الصمت فقطعتهُ بقولِي

"اهتمي بدواءِك فيبدو أن الرحلة ستطول ."

"حسنًا.. لقد تحسنت كثيرًا ، شكرًا لك"

بقيتُ صامِتًا أُحصي دقّاتي و أنا أنظر للنُجيمات القليلة

" عن إذنِك ."

كان أنا وذهبت بعدها لغرفتي ، ذهَبَتْ كُل محاولاتِي سُدًى .
حسنًا ، لن أخرج من الغرفة بعد الآن .. معي كماني ولا حاجة للطعام ، ليهدأ هذا المُتمرِّد أولًا .


••

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
اللّحنُ الصَامِتْ || The Silent melodyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن