الفصل الرابع

173 37 17
                                    

أحب إعداد الطعام! حسناً، أنا لا احب الطعام ذاته لكن أحب طبخه فحسب على الرغم من إني طباخ سيء جداً.

قرأت وصفة معكرونة في إحدى المجلات وها أنا ذا بدأت بإعدادها. آمل أن تكون جيدة، لكن تحسباً فقط طلبت البيتزا. لا أريد أن أبقى جائعاً الليلة...

أضاف المكونات النهائية للمعكرونة وهو يحاول جاهداً تجاهل ما يراه أو ما يتخيل رؤيته.

انتهى من إعداد طبق المعكرونة ويبدو جيداً نسبياً لكن ليوبولد ليس سعيداً. عليه أن يكون سعيد بما فعله لولا العصافير السوداء التي يتخيل رؤيتها جاعلة منه يلتفت في الأرجاء، و ينظر للأرض بأعين خائفة يبحث عن الشيء الذي لمحه للتو وهو يقترب منه.

لا يوجد شيء، أنا فقط أتخيل رؤية ذلك. على الأرجح إن الجميع يتخيلون مثل هذه الاشياء.

أخذ نفساً عميقاً وأمسك بالطبق ليأخذه ويضعه على الطاولة. أحرق أصابعه لأن الطبق كان ساخناً وأجبر نفسه على حمله حتى لا يقع ويضيع مجهوده.

جلس و تناول أول لقمة. جرب بعض لقيمات أخرى ثم توقف؛ فالطعم لا يُستساغ!

كان يحاول تجاهل كل شيء على أمل أن يستمتع بالعشاء لكن الآن استفاق. مذاق الطبق مزعج ورائحته السيئة تملئ المكان. أغمض ليوبولد عيناه بقوة وتكتف بينما يحاول التنفس ومشتتاً تركيزه عن العصافير التي يتوهم وجودها.

بعد ثواني من التفكير قرر النهوض والخروج من شقته قبل أن ينتهي به الأمر بنوبة هلع كالتي حدثت في الماضي.

جلس على درجات السلم الذي بجانب باب مسكنه. لا يزال يشعر بالرعب وجسده لا يتوقف عن الأرتجاف، ليحاول التفكير بأشياء اخرى، أشياء جيدة، ذكريات سعيدة ربما لكن ذاكرته لم تأخذه إلا إلى أكثر الأماكن ظلمة في عقله...

لحظات وإذا به يرى وجهاً مألوفاً يصعد السلالم؛ ماثيو الذي يسكن في الطابق أسفل منه. قال حالما رأى ليوبولد: «أنتظرني هنا ولا تتحرك» ثم نزل وأختفى.

ماثيو؛ ربما الشخص الوحيد الجيد في هذا الحي، طيب القلب بصدق ويحب المساعدة. على الرغم من كونه طبيب واسع الشهرة فلا يزال متواضعاً جداً.

عيبه هو إنه غبي، لا يعرف متى يجب أن يتدخل ويساعد ومتى يتراجع فحسب. أعلم إن نيته حسِنة لكنه يصبح مزعجاً أحياناً. بغض النظر عن ذلك، فأغلب صفاته تعجبني وخصوصاً صراحته المطلقة؛ يقول كل ما يخطر على باله من غير تفكير مطول او تحسين للمصطلحات.

لا يمكن أن أرى نفسي أقول كل ما افكر به.

عاد ماثيو ومعه حقيبة عدته الطبية، وعرف ليوبولد ما يحاول فعله فهذا يحدث كثيراً بينهما. جلس إلى جانب ليو واخذ كفيه المُحمران ليضع بعض المرهم عليهم.

«كيف عرفت إنني أحرقت يدي؟» سأل ليوبولد

«رائحة طبخك المقززة منشرة في البناية لذا قلت لنفسي؛ اوه، لا بد إنها تلك الفترة من الشهر. تقبل إنك سيء في الطبخ وتوقف عن تعذيب نفسك وإحراق جسدك، أبله!» نطق موبخاً أياه

صمت ليركز على وضع المرهم ولما أنتهى رفع نظره إلى عينا ليوبولد وقال مبتسماً «ثم إنك تستهلك كل ما لدي من مرهم الحروق»

حتماً قام بتشتيت ذهن ليوبولد. أستمر الآخر بتوبيخه وترجيه أن لا يطبخ مجدداً بينما هو يستشعر النسيم الخفيف الذي يأتي من نافذة الرواق، كما إنه وجد ألوان جدران البناية مهدئة للتوتر، ليخف ارتجاف جسده الآن.

وصلت البيتزا التي طلبها ليوبولد وبدأ الشابان بتناولها، جالسان على السلالم ويتحدثان عن هذا وذاك. في نهاية الأمر، مساء ليوبولد لم يُدمر بالكامل ولا يوجد ما يزعجه حالياً.

فجأة هو فكر بأمنية: «أتمنى أن يستمر هذا الشعور. أتمنى أن اتوقف عن التفكير بالموت».

×××

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 02, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

في الحي الميتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن