تحركت مقلتيها للجهتين تحت جفنيها المسدلين ، قبل أن تفتحهما ببطءٍ و تعب ..
استغرقت ثوانٍ حتى اتضحت رؤيتها المشوشة ، و شعرت بدوارٍ طفيف عندما حركت رأسها لتتبين هذا المكان البارد الغريب ..
لتصطدم برؤية "داوود" جالس في كرسي بجوار سريرها ، و ملقي برأسه فوق يدها التي شعرت بها بين راحتيه أيضًا ..
بدا و كأنه غافيًا ، بينما عادت إليها الأحداث السابقة في لمحة !
تذكرت كل ما حدث قبل انفصالها عن الواقع .. إذن لقد خابت عملية انتحارها ، و ربما هذا المكان المتواجدة به الآن هو الملجأ حيث سيلقي بها "داوود" ..
تدفقت الدموع من عينيها و نزفت حارة على خديها ..
علا صوت أنينها الواهن المتألم ، فتسلل إلى مسامع "داوود" الذي انتفض معتدلًا من فوره ، و نظر إليها بتلهفٍ ..
-كاري ! أميرتي الصغيرة
قالها و هو يشدد على يدها بين قبضتيه ، لتنظر إليه في حزن و بؤس ..
-هل تركتني ؟
تمتمت بصوتٍ ضعيف مبحوح ، فعقد حاجبيه مرددًا :
-تركتك !
-أين أنا الآن ؟ هل أنهيت إجراءاتك و وضعتني بملجأ ما ؟ هل تنازلت عني دادي ؟ أقصد .. ديفيد !
و رمته بنظرة متخاذلة ، لينفي قولها بهزة سلبية من رأسه ، ثم يقول بلطف و هو يمسد على يدها :
-صغيرتي .. اطمئني . أنا لن أتركك أبدًا . مستحيل أن أتنازل عنكِ . أنتِ هنا بعيادة طبية . جئت بكِ البارحة لأنقذ حياتي !
- لتنقذ حياتك ؟!!
رددت بغرابةٍ ، ليبتسم بخفة و يجيبها :
-نعم .. فحياتي باتت مرتبطة بحياتك . و اختفائك من حياتي يعني اختفائي أنا عن الدنيا كلها !
و أردف بشجنٍ ، و هو يتلمس وجنتها الناعمة بأصابعه :
-أنتِ صغيرتي . بسمتي . بهجتي . و كل شيء حلو بعمري .. و أنتِ هاجسي و شقائي أيضًا .. من شدة خوفي و قلقي عليكِ طوال الوقت . أشعر و كأني أريد أن أخبئك داخل برج عاجي حتى لا يقوَ مخلوقًا على الوصول إليكِ .. أنتِ أغلى شيء أملكه أيتها العزيزة . و أنا ممتن للقدر الذي وضعني بطريقك لأكون مسؤولًا عنكِ !
كانت ترنو إليه في ذهولٍ ، من أول حرف لآخر حرف ..
فتحت فمها و أغلقته ثانيةً بتوتر .. ثم حاولت الرد :
-أنت .. أنت تقول كل هذا ؟ .. كيف و أنت قلت أنك لم تعد تريدني بحياتك ؟
- كنت غاضب !
قالها ببساطة ، فسألته بشك :
-و الآن !
أجاب مبتسمًا :
-الآن لست غاضبًا !
-تعني أننا سنعود معًا للمنزل ؟ و لن تتركني و تذهب كما قلت ؟
طمأنها بنظرة واعدة :
-لن أتركك و أذهب إلى أيّ مكان قطتي
لكنه رفع سبابته أمام عينيها كتحذير قائلًا :
-و لكن يجب أن آخذ منكِ وعدًا بألا تتصرفي بسوء مجددًا لئلا أغضب ثانيةً !
أشرق وجهها الجميل بابتسامة ناعمة و هي تقول :
-أعدك .. أعدك دادي ديڤيد . لن أفعل شيئًا من شأنه أن يزعجك مرةً أخرى
رمقها بابتسامة راضية ، و مال صوبها قليلًا ليقبل وجنتها ، ثم مسح على شعرها الذهبي بحنان ..
لتحل بغتة على ذاكرته صورة العمة "نورا" ، و فورًا يتذكر حديثها !
اختفت بسمته شيئًا فشيء ، فلاحظت "كريمان" امتعاضه البائن ..
- ما بك ؟
سألته في قلق ، ليجفل قائلًا بغموض :
- لا شيء عزيزتي !
دققت النظر فيه ، ليؤكد لها حدسها بوجود شيء خطأ ..
فعاودت سؤاله بإلحاح :
- دادي .. ما بك ؟
تنهد باستسلام ، و قال :
-هناك موضوع كنت أريد أن أبحثه معكِ حالما تتعافين !
-أنا معافية .. تكلم !
ران الصمت للحظات ، قبل أن يقطعه :
- العمة نورا . طلبتك لماهر !
قطبت بحيرة :
-طلبتني لماهر ؟ لا أفهمك ! ماذا تعني بطلبتني لماهر ؟
-أعني بأنها تريد أن تتزوجا
قالها بصعوبة ، لتتوسع عينيها بصدمة ، و ترد بنزقٍ :
-ماذا تقول ؟ كيف تطلب هذا ؟ أنا لا أريد الزواج من ماهر أو غيره !
-و لِمَ كريمان ؟ لِمَ لا تريدين ؟ هذا سيكون أفضل لكِ . ستحصلين على زوجًا يلبي لكِ متطلباتك و إحتياجاتك
قال ذلك ليستطيع قراءة أفكارها ، بينما تاهت أنفاسها ، و هي تحاول أن تقول :
- أنا .. أنا . أنا فقط لا أريد الزواج .. هل توافق أنت على مسألة زواجي ؟
رفع كتفاه ، و قال مغلوبًا على أمره :
-إذا كان الزواج سيعصمك من الوقوع في الخطأ . فأنا أوافق طبعًا !
-و لكني لا أوافق !
صرخت بعصبية ، و تابعت بتصميمٍ :
-لن أتزوج من ماهر
زم شفتيه بنفاذ صبر ، و سألها باقتضاب :
-لماذا إذن سمحتِ له بأن يقترب منكِ إلى هذا الحد ؟ لماذا سمحتِ له باقتحامك ؟ كان سيفعل لو لم أكن وصلت في الوقت المناسب !
تنهدت تعبة ، و قالت بخفوت :
-لقد أخطأت .. صحيح أنني أردت أن أجرب شيئًا جديدًا لطالما أشتهيته . و لكن .. و لكن أنت محق . ما كان يجب أن أسمح له بالاقتراب مني
-و لكن يا صغيرتي عاجلًا أم آجلًا ستتزوجين !
قال بلطف ، ثم أردف بلهجة حزينة :
-لن تبقي هكذا طوال عمرك . و أنا لا أريد أن أكون أنانيًا و أبقى محتفظًا بكِ لنفسي .. يجب أن أتركك لتواجهي العالم و لتؤسسي حياتك الخاصة . يجب أن تتزوجي و تنجبي أطفالًا يواكبونكِ مسيرة حياتك و يعاونكِ في الكبر .. فأنا لن أبقى لديكِ للأبد . حتمًا سأرحل ذات يوم و أتركك . حينها لا يجب أن تكوني وحدك !
و ضعت كفها على فمه لتسكته ، و قالت باكية :
-لا تقل ذلك .. أرجوك . من قال لك بأنني سأتحمل حدوث هذا ؟ سأموت إذا حدث لك مكروهًا . ليس لي سواك .و لا أريد حياتي بدونك !
هدئها بلمساتٍ لطيفة قائلًا :
-كاري ! هدئي من روعك يا صغيرتي .. لا تجزعي هكذا . أنا لا أقصد تخويفك . لا تقلقي أنا هنا معك . أعدك لن أذهب لمكان قبل أن أؤمن لكِ حياة كريمة مستقرة
قالت بأنين متألم :
-لا أريد تلك الحياة بدونك !
ابتسم برقة ، و هو يقول :
-كنت إلى جانبك دائمًا . و سأظل هكذا أبدًا .. و لكن يجب أن تتزوجي . إن لم تكونين الآن بحاجة لرجل في حياتك فستكتشفين هذا لاحقًا .. بمرور الوقت سيزداد شعورك بالحاجة . و أنا لا أريد أن تخطئي مجددًا يا عزيزتي
أومأت موافقة ، و هي تعلن بصرامة :
-حسنًا جدًا كما تريد .. لتتزوجني أنت إذن !

أنت تقرأ
جمرة فوق الثلوج ( مكتملة )
Romance-لا أريد سماع تلك الترهات مرةً أخرى . أتسمعين ؟ أنا والدك . لا يصح أن تقولي ذلك . لا يوجد أب يتزوج من ابنته أنتِ تعرفين هذا ! -و لكنك لست والدي ! صرخت فيه ... -أنت لا تمت لي بصلة مـُحرمة . أنا أحل لك تمامًا هل تفهم ذلك ؟ هز رأسه باضطرابٍ قائلًا : ...