تلاشت البسمة العفوية التي ملأت وجهها منذ قليل ، لتحل محلها إمارات الصدمة و التجهم !
طالعت الرجل الواقف أمامها في صمت ذاهل ، إنه .. إنه حقًا يشبهها كثيرًا ، و بصورة مخيفة ..
و لكن لا يمكن ، لا يمكن أن يأتي بعد كل تلك السنوات ، كيف علم بها ؟ كيف استطاع الوصول إليها و هي هنا ؟ لِمَ لم يفعل و هي هناك ببلده ؟ و لِمَ في هذا الوقت بالتحديد ؟ أين كان من قبل ؟
هذه التبريرات خرجت بها "كريمان" في وقت زمني قصير ، ليلتقيا حاجباها في عبسة مستنكرة ، و هي تقول :
-ماذا تقول أنت ؟ هل تمزح معي يا هذا ؟ من أنت بالضبط و ماذا تريد ؟
رد الرجل الوسيم بابتسامة تحببية :
-عزيزتي . لم آتِ إلى هنا لأمزح معك . أنا والدك . أخيرًا عثرت عليكِ بعد سنوات طويلة من العناء و البحث . أخيرًا وجدتك . و أعدك لن أضلك مجددًا !
و هم بالاقتراب منها ، يريد أن يعانقها ، إلا أنها قفزت للخلف صارخة :
-ابتعد عنـــي . لا تقترب . ديڤيـــد . دااادي ديڤيـــــد !
كانت مذعورة ، ليأتي "داوود" في اللحظة التالية مباشرةً و هو يركض على صراخها ..
فلاذت به من فورها ، و اختبأت خلف ظهره مرتجفة ، و هي تتشبث بقميصه بكلتا قبضتيها ..
نظر "داوود" نحو ذاك الغريب الذي وقف بمكانه بلا حراك ، رمقه بنظرات مشتعلة ..
-من أنت ؟
سأله مزمجرًا بعنف ، ليجيب الأخير بثباتٍ :
-ماك آرثر .. آندرو ماك آرثر . أنا والد كريمـان يا سيد ديڤيد !
قالها بثقة ، لتتوسع عينا "داوود" في صدمة ، و يتدلى فكه للأسفل و هو يمعن النظر فيه ، للوهلة الأولى ، خانه التشابه بينهما ، لكنه سرعان ما لاحظه !
نفس العينان ، نفس لون الشعر و البشرة ، أدرك "داوود" ملتاعًا أن "كريمان" التي تقف خلفه ، للآسف تحمل الكثير من ملامح هذا الرجل ..
-لقد سمعت عنك الكثير في لندن !
قالها المدعو "آندرو" مخاطبًا "داوود" بلطفٍ :
-عرفت بأنك أحد أقرباء المرحومة زينب . و عرفت بأنك توليت أمر ابنتي و سجلتها باسمك و عاملتها و كأنها ابنتك حقًا
ثم شكره بابتسامة لطيفة :
-أنا أشكرك على اهتمامك بها . صدقًا أنا مدين لك بحياتي !
- و ماذا تريد بعد ذلك ؟
استوضحه "داوود" بخشونة ، فرد ببساطة :
- أريد ابنتي . أنا جئت مخصوصا لأجلها . لآخذها معي و نعود إلى بلادنا !
-أنسى . لن تحصل عليها أبدًا !
قالها "داوود" بتحدٍ ، ليباغته الأخير بغضب لم يحاول أن يخفيه :
-ماذا تعني ؟ هل تمنعني عن حقي في ابنتي ؟ من تظن نفسك ؟ أنت لا شيء . أنا هنا الآن و سآخذها رغمًا عنك !
- الآن تذكرت أنها ابنتك ؟ أين كنت طوال السنوات الماضية ؟ لِمَ تركت أمها ؟ لِمَ تركتها هي تتعفن داخل دور الرعاية كيتيمة و أنت على قيد الحياة ؟
و أردف مستنكرًا :
- أتظنني سأسلمها إليك بسهولة هكذا ؟ أنت تحلم أيها السيد . كريمان لي أنا . أنا من ربيتها . أنا من اعتنيت بها . أنا كل شيء بالنسبة لها . أما أنت ! فهي لا تعرفك حتى . و لا تريد أن تعرفك
جادله " آندرو" ببرودٍ تام :
-هذا الكلام لن يغير من الحقيقة شيئًا . أنا والدها . و أستطيع أن أفعل الكثير . بإمكاني مثلًا الذهاب إلى القنصلية البريطانية حالًا لرفع دعوة ضدك . و حالما أثبت أنها ابنتي لن أتكبد حتى عناء المطالبة بها . أنت بنفسك شئت أم أبيت سوف تأتي إليَّ لتسلمني إياها !
-في أحلامك فقط يجوز حدوث هذا !
ردد بحدة ، ثم صاح آمرًا بغلظة :
- و الآن أخرج من منزلي . لا تفكر في العودة إلى هنا أبدًا . إذا جئت ثانيةً . أعدك لن تجد ما يسرك !
رمقه "آندرو" شزرًا .. و اقترب منه قليلًا ، و هو يرفع إصبعه السبابة أمام عينيه منذرًا :
-تذكر .. هذا ليس أخر المطاف . أنا من سيربح بالنهاية . تذكر هذا جيدًا !
ثم نظر إلى "كريمان" المختبئة خلفه ، و قال بلطف مبتسمًا :
-إلى اللقاء حلوتي .. كريمان . لا أريدك أن تقلقي أو تخافي مني . أنا دادي عزيزتي . أنا والدك الحقيقي . قطعت آلاف الأميال لأجلك . قريبًا سأجتمع أنا و إياكِ . و أعدك .. سأعوضك سنوات غيابي عنكِ . سأبذل ما بوسعي . سأقدم لكِ عمري الآت و كل ما أملك !
كانت تنظر إليه من وراء كتف "داوود" بعينين خائفتين ، و هي منكمشة في رعب كغزال مذعور متآهب لخطر حتمي ..
بينما رحل في هدوءٍ ، فالتفت إليها "داوود" ليجدها شاحبة بالكامل ، و شفتاها بيضاء منفرجتان عن بعضهما من المفاجأة ..
-كاري ! صغيرتي
قالها "داوود" و هو يمسك بكتفيها ، و يضغطهما برفق لتشعر بالأمان ، و تابع :
-ما بكِ ؟ هدئي من روعك . لم يحدث شيء !
زمت شفتيها المرتجفتين ، و قالت بصعوبة :
-د ديـ ـڤـ د ! .. هذا الرجل . هذا الرجل .. هل سيأخذني حقًا ؟ هل ستتركه يفعل ذلك ؟
هز رأسه نفيًا ، و قال :
-صغيرتي . اطمئني لن يحدث هذا أعدك . لا أحد يستطيع أن يأخذك مني . لن أسمح بذلك ! "
و ضم رأسها إلى صدره متمتمًا بثباتٍ زائف :
-لا شيء يمكن أن يفرقنا عزيزتي .. لن يفرقنا سوى الموت !
وعدها بذلك .. و لكنه غير متأكد من وعده هذا البتة !!!
أنت تقرأ
جمرة فوق الثلوج ( مكتملة )
Romance-لا أريد سماع تلك الترهات مرةً أخرى . أتسمعين ؟ أنا والدك . لا يصح أن تقولي ذلك . لا يوجد أب يتزوج من ابنته أنتِ تعرفين هذا ! -و لكنك لست والدي ! صرخت فيه ... -أنت لا تمت لي بصلة مـُحرمة . أنا أحل لك تمامًا هل تفهم ذلك ؟ هز رأسه باضطرابٍ قائلًا : ...