3 {ماورائيات}

346 44 96
                                    


••بسم الله••

الفصل الثالث: ماورائيات

أن تغرق نفسك في الأوهام هو أمرٌ وارد لدى جميع البشر، حتى النملة الصغيرة البريئة تعتقد أحيانا أنها قادرةٌ على السباحة، لن نكذب على أنفسنا ونلفق الكذب حتى الممات، نحن صغار الحجم كالنملة تماما، نغرق في الهموم والمشاكل ولا نصل لحلول نهائية، الحياة هي القصة الوحيدة في هذا الكون التي لا يمكننا تصنيف نهايتها! لأنها مجهولة جدا.

الصراخ الذي أطلقته قبل لحظاتٍ كان كإنذار موت بالنسبة لأهل المنزل، عمتي ويانلي وقفتا أمام باب غرفتي ولم يتجرآ على الدخول حتى، ضحكت! فالباب لم يكن مغلقا، بل كانت كلٌ منهما تسعى لإنقاذ وحماية الثانية، أما أنا... فلا أحد يكترث لما قد يحل بي، المخاطر العاطفية أولى يا سيداتي.

ألقيتُ بنظرة ثانية من خلال النافذة ليقف ذلك الرجل في منتصف الطريق كأنه مصدوم بسبب صراخي، اعتقدت للوهلة الأولى أنه لا يقصدني، وأنني وضعت نفسي في أسوء موقف قد يحدث، ربما هو مهرجٌ مرعب يسير في الطريق! أو رجل أراد إخافة الناس، ولكنه ليس الهالوين، ولن أعطي عذرا لشخص كان ينظر ناحية نافذتي لفترة طويلة!

بقيت أنظر نحوه بشجاعةٍ متصنعة، وكانت يانيلي تطرق على الباب بثبات، لعلها تتأكد من أني لازلت على قيد الحياة، أوربما أرادت أن تعرف ما إن كنت خائفةً من شيء ما حقا أم أنني أتظاهر.
- «بلير! لمَ صرختِ؟ هل أنت بخير؟»

لم أجبها، وبقيت أنظر ناحية المُقنع الذي لوح نحوي بجرأةٍ لأزفر بحنق وقد تأكدتُ بعد تصرفه ذاك أنه ليس وحشا أو وهما، بل مجنون يسعى لتخويف الفتيات في أوقات متأخرة من الليل.
انتفضتُ من مكاني أخيرا لأرتدي معطفا خفيفا وأخرج من غرفتي، سرتُ بتململ متجاهلةً وجود كلتاهما، ثم عدت بخطواتي قليلا موجهةً كلامي لعمتي: «هل كنتِ ستدخلين أم تنتظرين ضيافة؟ ماذا لو متت!»

اتسعت حدقتاها بسبب ماقلته، لعلها كانت تحسب أنني بكماء! أو أنني شخص لايجيد الإجابة، ولكن هيهات، كل ما في الأمر هو أنني ومن شدة كآبتي لم يعد لدي وقت لرد الإهانات، فساعتي تشير دوما نحو الصفر، وتعطيني تنبيها بأن وقت التنفس قد نفذ.

«هل تعلمين أن مستوى وقاحتكِ قد ارتفع هذه الأيام؟» يانيلي التي ردت بتعجرف فركلتُ قدمها كرد فعلٍ ولكني فوجئت بعمتي التي سحبت شعري لأصرخ بتألم.
- «يبدو أن علي إعادة تربيتك.»

أجبتها وأنا أمنع نفسي من البكاء بصعوبة: «لست بحاجة لذلك، يمكنني رؤية تربيتك الرائعة.» وأشرت إلى يانيلي التي استشاطت غضبا بينما قامت أمها بضربي من كل جهة في جسدي، وكما أنني اعتدت على البقع الحمراء التي تخلفها يدها، أصبحت معتادة على شعري المنكوش بفعل أصابعها العنيفة، وربما لاحقا سأعتاد على ما هو أسوء.

أين السبيلُ إليها؟ [2] حيث تعيش القصص. اكتشف الآن