الفصل الثاني

91 7 6
                                    

• 2 •

الأحد 27 نوفمبر 1987م
يستيقظ "عمرو" من نومه أحمر العينين من كثرة البكاء أمس لأن خاله كاد يدفنه حينٍ لولا صديقه "معاذ" لما نجى من تلك الحفرة، دلف لداخل الحمام بعد أن نزل للأسفل، بيت "معاذ" ليس بالكبير متوسط الحجم، خرج "عمرو" من الحمام فقابل صديقه داخل المطبخ يعد طعام الإفطار، القى عليه السلام وحلس على المائدة، قال "عمرو" والحزن يغطي ملامحه :
- "معاذ" سأذهب اليوم كي أسكن مع والدي
كاد "معاذ" يهم بالاعتراض؛ فأسرع "عمرو" ليقول :
- لا تعترض يا صديقي فقد اشتقت لوالدي
قال "معاذ" بهدوء ليخفي نبرة الحزن لكنه لم يستطع :
- كما تشاء يا "عمرو" وأن لم يستقبلك والدك فأن باب أخاك مفتوح لاستقبالك في أي وقت تشاء
لم ينبس أحدهم بشيء أخر، تناولوا طعام الإفطار، خرج الأثنان من المنزل، دلف "عمرو" لسيارة صديقه لكي يوصله لوجهته، أنطلق "معاذ" بالسيارة ذاهباً لـ فيلا "عزت"، وقف تحت الفيلا غادر "عمرو" السيارة وتقدم ناحية الفيلا، اوقفه حارس البوابة، قال "عمرو" في هدوء :
- دعني أدخل لأبي
افسح له الحارس الطريق وهو ينظر له بدهشة واستنكار، طرق الباب عدت مرات، فتحت فتاة لم يتحاوز عمرها التسع سنوات لتنظر له قليلاً وتتنحى جانباً، كان "عزت" يتناول طعام الإفطار وعندما رأى "عمرو" بصق ما في فمه وهو يسعل، وقف "عمرو" ينظر لوالده بتفحص، قال "عزت" في غضب :
- من أنت وماذا تفعل ها هنا
ابتسامة ساخرة اطلت من فمه وهو يلور فمه ممتعضاً :
- أنا أبنك غير الشرعي هل نسيتني أم ماذا يا والدي العزيز
نظر غير مصدق أن هذا أبنه، لكنه صرخ فيه بغضب قائلاً :
- أنا ليس لدي أي أبناء غير أبنتي الصغيرة "كاميليا" أغرب عن هنا الآن وإلا طلبت لك الأمن ليطردك في الحال
انسحب "عمرو" وقبل أن يغادر من الباب قال بلهجة باردة :
- أنت من جلبته لنفسك يا والدي العزيز أم أقول يا "عزت محمود" باشا رجل الاعمال الذي يبيع المخدرات خلف ستار شركاته وداعاً ولكن "تذكر دائماً أن الخوف يولد الكفر"
اغلق الباب خلفه بقوة، نظر "عزت" لأبنته التي تنظر له بدورها في ذهول، ظل يفكر في جملة أبنه الأخيرة لكنه نفض عن عقله تلك الأفكار، يمشي "عمرو" وهو حزين على حاله، وصل لمنزل عمه في الشارع المقابل لفيلا والده، طرق على الباب، فتح عمه الباب وتفاجئ من وجوده، ارتمى "عمرو" في أحضان عمه وهو يبكي قهراً وألمٍ على حاله يبكي على تلك العائلة التي نبذته، دموع ساخنة تعبر عن مدى ألمه لكن هل الحزن يفيد بشيء، ربت عمه على كتفه مواساة لذلك الفتى المسكين، يا ليت الدموع تصلح القلب الذي انكسر ذلاً لكنها تزيد الوجع في النفوس والقلوب، دلف "عمرو" لداخل منزل عمه ذو الأساس البسيط، قال عمه متسائلاً عن سبب بكاءه هذا :
- ماذا بك يا "عمرو" أخبرني لما تبكي هكذا وما الذي جاء بك إلى هنا في هذا الوقت المبكر
بنبرة منكسرة قال "عمرو" :
- لقد جاءت منذ قليل مع صديقي لرأيت أبي وعندما ذهبت له قال لي أنه ليس والدي وعليَ أن أخرج قبل أن يطلب الأمن لكي يطردني، لماذا لا أحد يحبني يا عمي هل أنا بي عيبٍ أم ماذا؟!
قال عمه كي يخفف عنه ألمه :
- أنت مثل أولادي يا "عمرو" ومن لا يحبك تجاهله تماماً لأن الغدر يأتي من أقرب الناس لك يا "عمرو" فلا تثق فيهم، أنت الآن فرد من عائلتي ستعيش معنا هنا إلى الأبد
عانقه "عمرو" بحب شديد، حب الأبن لأبيه.
٭ ٭ ٭
الخميس 25 أبريل 2006م ( الساعة الثانية عشر مساءً )
جالس كما هو يتأمل الزهور الجميلة في حديقة فيلته وهو يسترجع كل تلك الإحداث المحزنة، لكنه تذكر عندما قامت معركة بينه وبين شقيق زوجة خاله بدون سبب يذكر، قام من حديقته، وهو يتذكر عندما أعطى له عمه تلك الفيلا بعد أن أتم دراسته الجامعية وتخرج من كلية حقوق ولم يجد وظيفة محاماة فافتتح له عمه مكتب محاماة خاص به، تذكر عندما طلب من صديقه "معاذ" أن يعيش معه في فيلته هذه، فكاد "معاذاً" أن يرفض فوجد الحزن في مقلتي "عمرو" فرضخ لطلبه هذا، دلف لداخل الفيلا فوجد "معاذ" يشاهد الأخبار بتركيز، جلس بجانبه، صدم من الخبر المذاع على التلفاز على قناة صدى البلد، يقول مذيع قناة صدى البلد بلهجة جافة :
- اليوم ننشر خبر بخصوص "عمرو عزت محمود" لقد قدم جده فيه بلاغ باغتصاب شقيقته من الأم ومطلوب القبض عليه بتهمة الاغتصاب وزنا المحارم، وتم عرض مبلغ عشر مليون جنيه لمن يبلغ عنه الشرطة
أغلق "عمرو" التلفاز، التفت لصديقه وقال غاضباً :
- سأريك يا جدي سأريكم جميعاً أن الذي يأتي على شخص ضعيف لن يعلم ما سيحصل له وسأطبق عليكم مثل "أتقي شر الحليم إذا غضب"
وجه كلامه لـ "معاذ" وقال بلهجة لا تقبل النقاش :
- أوصلني بسيارتك لمنزل العائلة لأرى لما هذا البلاغ الكاذب الذي قدمه جدي هذا هيا بنا
لم يجادله "معاذ" وأغلق باب الفيلا، دلف الأثنان لداخل السيارة، أدار محركها "معاذ" وضغط على المكبح وانطلق بها، استدار يميناً و وقف عند إشارة المرور الحمراء، الطريق يعج بسيارات كثيرة ولا أحد يستطيع العبور، ساعة كاملة ولم تتحرك إشارة المرور وظلت حمراء كما هي، نفخ ضيقاً كأن قلبه سيتوقف، تراجع "معاذ" للخلف بظهر سيارته وسلك طريقاً مختصراً، زاد من سرعتها كي يصل بسرعة، وقف أمام منزل العائلة الضخم، وجد بعض الصحفيين يتحدثون مع جده ويأخذون بعض اللقطات، غادر السيارة سار باتجاههم بكل ثقته ويقينه بأنه سيطردهم، حمحم بصوت خفيض، التفت الجميع ناحية مصدر ذاك الصوت، اتسعت اعينهم ذهولاً، أشار لهم بأن يرحلوا فلم يستجيبوا، رفع سلاحه في وجوههم بعد أن سحبه من بنطاله، فزعو جميعهم من ذاك السلاح وبهتت وجوههم وفروا هاربين، نظر له جده غاضباً من فعلته، دلف لداخل الفيلا فوجدهم يتناولون طعام الغداء، خوف مبهم سيطر عليهم بعد أن جاء "عمرو" إلى هنا، نار تحرق قلبه والغضب يسيطر عليه، قال ساخراً وهو يلوي فمه باشمئزاز ونفور منهم :
- جدي أبلغ عني وقال بأنني اغتصبت أختي يا لا سخرية القدر التي تضعني مع عائلة فاسدة مثل عائلتكم، قل لي يا "أسماعيل" بيك أين هي "ناريمان" أختي، أحضروها هنا الآن وإلا قتلتكم جميعاً
ذهبت والدته وهي تنتفض من الخوف والذعر، بعد خمس دقائق عادت وبيدها فتاة مقطعة الملابس متورمة الوجه يبدوا عليها علامات الاغتصاب واضحة، ذهل تجاهها ليحتضنها، بصقت في وجه "عمرو" وهي تبكي كذباً، وفي حزن مزيف قالت :
- أذهب إلى الجحيم أنت لست أخي أنت ابن حرام وقد اغتصبتني، ابتعد عني ابتعد
وقامت بالإتصال بالشرطة وأبلغتهم مكانه، غادر "عمرو" المكان وهو يبكي، نظروا في أثره بشماتة، قالت "ناريمان" وهي توجه كلامها لوالدتها بعد أن توقفت عن البكاء المزيف :
- أمي لماذا فعلتم هذا هو لم يفعل لكم شيئاً سيئاً فلما تكرهونه لهذه الدرجة
قالت والدتها وهي تكذب :
- لقد اغتصبني يا بنيتي هل أصمت بعدما اغتصبني
قالت "ناريمان" بحقد :
- لا يا أمي مكان ذاك التافه هو السجن
وشعور بداخلها يخبرها أن والدتها تكذب عليها، لم ينبس أيً منهم وظلوا صامتين.
٭ ٭ ٭
خرج "عمرو" مسرعاً ودلف سيارة صديقه وهو يقول غاضباً :
- "معاذ" أنا أفكر في الانتقام منهم أجمعهم
قال "معاذ" وهو حزين بعد أن انطلق بالسيارة :
- دعنا نفكر في حل أخر غير الانتقام يا صديقي
ولم ينبس أيٍ منهم بحرف واحد.
٭ ٭ ٭
الثلاثاء 15 سبتمبر 2003م ( الساعة الثالثة مساءً )
قتال، قتال كبير يدور في ذلك الشارع الضيق، قتال بالعصا والاحجار، عيناه تتقدان غضباً نعم أنه "عمرو"، ذاك الأخير قد قال أن والدته زانية، وقد اشتعل فتيل الغضب والنار تتقد في داخله، امسكه "عمرو" من ملابسه وسدد له بقبضته في وجهه جعلته يترنح قليلاً لكنه كالثور الهائج لم يتقبل الهزيمة أنه شقيق زوجة خاله، بقبضة كالصخرة وفي وجهه، تلقاها الأخر في وجهه مباشرة، نفض "عمرو" ملابسه وقال في استهزاء :
- هل أنت غبي يا هذا تسب أمي بأبشع الألفاظ وتظنني سأقف صامتاً، من الآن وصاعداً أن اقتربت من هذا الشارع سأجعلك تزور عزرائيل ذات نفسه.
صمت كل من بالشارع ولم ينبس أي منهم، نكس الأخر رأسه أرضاً وانصرف في خزي وهو يسأل نفسه لما سبه بأمه بتلك الألفاظ ولم يعرف السبب أو ربما يعرفه ولا يريد أن يصارح نفسه بأن أخته هي من أرغمته على فعل هذا، تركهم "عمرو" ودلف لسيارته وأنطلق بها ذاهباً لبيت عمه.
٭ ٭ ٭
السبت 25 أبريل 2006م ( الساعة الواحدة مساءً )
يجلس داخل فيلا في "بور سعيد" وهو يغلي من الغضب كيف لأخته أن تصدق والدته وتكذبه هو وكيف بصقت على وجهه ولم يفتح فمه، جلس "معاذ" بجانبه وهو يقول في هدوء :
- ماذا ستفعل الآن أنت مطارد من الشرطة وهذا المكان آمن لكن لربما تتبعنا أحدهم، "عمرو" أنا لا أوئيد فكرة الانتقام تلك فلنفكر في حل أخر
قال "عمرو" غاضباً وقد تحولت عيناه للأسود:
- أليست هذه فكرتك من تسعة عشر عاماً يا صديقي قل لي لماذا يكرهني الجميع هل لأنني ابن غير شرعي وما ذنبي أنا بأخطاء والدتي، هل العيب بي أنا
أكمل كلامه كالمجانين :
- نعم أنا بي عيوب كثيرة، سأقتل نفسي لا بل سأقتلهم جميعاً ما دمت حياً
ربت "معاذ" على كتفه كي يهدئ قليلاً، لكنه يتنفس بسرعة و وجهه بدأ يتحول لـ الون الأزرق، نعم لديه ضيق في التنفس منذ أن ولد، لا يدري "معاذ" ماذا يفعل أو كيف يتصرف في تلك المواقف، حمله كطفل صغير ودلف به لداخل السيارة وذهب به لأقرب مشفى.
٭ ٭ ٭
هل هناك جملة معينة أثرت بكم؟
إلى اللقاء في الفصل القادم
من جحيم ابن آدم

رواية جحيم ابن آدم | الكينج | مالك أمير | (الجزء الأول) مكتملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن