الفصل السادس

111 8 0
                                    

بعد تردد دام طويلًا استجمعت شجاعتها وطرقت الباب اخيرًا، شجعت نفسها داخليًا، ذكرت نفسها أنها هنا لتعتذر منه، لتحارب لأجله، لأنها تحبه.
رغم ذلك ارتجفت عندما فُتح الباب.
-"من انتِ؟"
سألت الطفلة التي طلت من خلف الباب واضطرب قلب ميار لفكرة أن تكون تلك الصغيرة ابنة مُنذر، لكن عادت تذكر نفسها أنها الكاذبة في الحكاية وليس هو.
انحنت حتى وصلت للصغيرة ومدت يدها تقول برفق:
-"أنا صديقة لمُنذر..هل تعرفينه؟"
-"تعرفين أخي؟"
تعجبت أحلام التي ظهرت من خلف الباب فرفعت ميار نفسها بوجنة متوردة خجلًا وسحبت يدها تقول:
-"أسفة على تطفلي دون استأذان لكن مُنذر لا يجيب على هاتفه ويجب أن أحدثه"
ببديهة سريعة أدركت أحلام أن تلك الفتاة ميار..هوس أخيها.
-"تفضلي مُنذر هنا"
قالت أحلام وابتعدت لتدلف ميار وتجلس حيث اشارت لها أحلام ريثما يخرج مُنذر من غرفته.

قلبها يكاد يقفز خارج صدرها لكنها تحاول بيأس التماسك، تعلقت عينيها بالباب الذي اختفت خلفه أحلام بأمل أن تراه بعدما عذبها ببعاده أيام.
وكالتائه الذي وجد مرشده أو ظمأن..كان رؤيتها له رشفتها الأبدية.

نهضت واقفة تواجهه بينما يقترب منها بملامح متعددة ومتضادة.
مشعث الشعر طويل الذقن لم ينهي اغلاق ازرار قميصه فظهر تيشيرته الأسود يعانق عضلات صدره القوي، كان بأسوأ حالته والأرهاق بادٍ عليه رغم ذلك أسرها كأنه أمير هبط لتوه عن حصانه الأبيض لأرض أحلامها الوردية.

عينها النادمة الملهوفة اخترقت قلبه، اذابت آخر ذرات سخطه وتمنى لو يقترب منها أكثر، يحتضنها ويملأ صدره بعطرها الذي غاب عنه أيام عاشها كأنها سنوات عذاب.
كانت واقفة هنا حقًا، فوق أرض شقته البسيطة، تصرخ بالفخامة والثراء وسط الاثاث الفقير.
وعندها ادرك كم كان مغفلًا حينما علق نفسه بحلم بعيد وعلقها معه.

-"ما الذي اتى بكِ؟"
سألها بهدوء ورأى الدموح المكبوحة في مقلتيها فانقبض قلبه.
هل ظلت تبكي طوال الأيام السابقة؟
هو المجروح هنا وهي تبكي بدلًا منه مجهدة زهرتيها!
-"أردت أن تسمعني قبل أن تحكم علي"
همست بندم وتدحرجت أولى عبراتها فوق صدغها تدعو يده لتكفيفها لكنه امتنع.
اخذ خطوة للوراء لعلها تحميه من تأثير بكائها عليه وهو يقول:
-"لا داعي لهذا..انتِ لا تدينين لي بشيء"
-"بلا..أنا أحبك يا مُنذر"
احتدت واقتربت الخطوة التي ابتعدها رافعة كفيها لوجنته تسأله بارتجاف:
-"وانت مازالت تحبني..أليس كذلك؟"
-"ارحلي يا ميار..وجودك هنا غير لائق وغير مرغوب فيه كذلك"
قال وابعد يدها عنه وراقب دموعها الصامتة بثبوت يحسد عليه، قبض كفيه جانبه وبهدوء مميت ألقى أمره الأخير:
-"كفكفي دموعك والحقي بي..سأطلب لكِ سيارة أجرى"
ثم اختفى خلف باب الشقة واغلقه لتنهار ميار فوق الأريكة باكية، بينما هو استند على الباب يسمع نحيبها فيتمزق قلبه لكن ما من شيء يستطيع فعله ليخفف عنها، الحل الأمثل هو الابتعاد كما اخبرته صديقتها مريم في مكالمتها قبل أيام...
(إن كنت تحب ميار حقًا ابتعد عنها..انت تؤذيها..أولًا بظلمك لها وعدم سماع الحقيقة منها وثانيًا لأن لا مستقبل لها معك..والدها بالتأكيد سيرفضك
أنا لم ارها واقعة في الحب قبل الآن وكان هذا ليسعدني لكنني أعرف أنك الشخص الخطأ..ستضعها في موقع اختيار..إما انت أو والدها وستتمزق صديقتي بينكما..صحيح أنها اجبرت على خطبتها لكن شخص كإبراهيم هو المناسب لها..لذا يا مُنذر..اتركها لتعود لحياتها ومسارها الطبيعي وجنبها حروب هي أضعف من خوضها)
ألم قلبه سيخفت يومًا، سيحاول التغلب على حبه لها، سيذكر نفسه أنها سعيدة مع غيره الآن وسيجبر نفسه على السعادة من أجلها وهي محاطة بعائلتها التي تشبهها..بعيدًا عن فقره الذي طالما نُبذ بسببه.
***
خمنت أن الطارق ميار فلم تهتم بهندمة خصلاتها الثائرة خارج طوقها أو ملابسها التي انزلق أحد كتفيها ليظهر كتفها القمحي.
تركت الكتاب الذي في يدها ووضعت قدمها الصغيرة في خفها ذو الريش الوردي واتجهت لفتح الباب.

محراب كافرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن