الفصل الثامن والأخير

162 11 1
                                    

مر الكثير منذ خرجت من غرفتها، منذ خطبة إبراهيم ومريم التي كانت قبل...
لا تعرف لكنها مدة طويلة تقريبًا.
مدة طويلة وربما هي ابدية.
حالها كحال أميرة البرج التي حبستها أمها المزيفة في برج نائي عن الناس، فعل والدها نفس الشيء ظنًا منه أنه بذلك يحميها، لم يفهم أنه دمر حياتها بفعلته تلك، حرمها من حب حياتها.
مُنذر...
الذي تخلى عنها عندما قررت خوض الحرب لأجله..رفضها مرة تلو الاخرى، إلى أن طعنها طعنته الأخيرة وارتبط بغيرها.
تاركًا إياها تعيسة، بروح تتأكل.
بعد سنوات طويلة عاشتها وحيدة خانعة ارتشفت بضع قطرات من ينبوع الحب فرغبت فيه، استعدت لتحارب لأجله، لكن صاحب الينبوع حرم عليها الارتشاف، عاقبها بالظمأ للأبد فاستسلمت وعادت للضعف..بل أن الخذلان حطمها شظايا.

هنا كان لقاءهم الأول، أول دقة وبداية الحكاية، وقفت أمام حوض السباحة الكبير حيث قررت أن تنهي الحكاية مكان بدأها.
جلست ووضعت قدمها داخل الماء البارد كقلبها الذي غلفه الحزن.
اغمضت عينيها ودندنت الأغنية التي غنتها سابقًا..بينما تخرج الأقراص من عُلبتها.
بدونك أنا مركب تائه..بدونك أنا أغنية حزينة..وقد كانت.
سعيدة أنها أحبت، حزينة لأنها هُجرت، تعيسة بوجود أب متحكم، ظنت أنها قادرة على القتال لكنها هشة جدًا.
فأمام رفض مُنذر لها وضغط والدها كُسرت عزيمتها.
لذا قررت الهرب من تلك الدنيا لدنيا اخرى سبقتها إليها والدتها، قالوا لها سابقًا أن تلك الدنيا أفضل من التي هي بها الآن.
حسمت أمرها ولم تقاوم النوم، القت جسدها وتركت الماء يبتلعها، يسحبها لقاعه.
لحظات وكانت تطفو فوقه وثوبها الأبيض يحيط بها كملاك سقط من السماء..أو إنسان غدرت به الحياة.
***
وصل إلى الطابق الذي اخبرته عنه موظفة الاستقبال فوجدهم هناك.
إبراهيم يحتضن مريم الباكية، والد منار يدفن رأسه بين يديه جالسًا بإنهاك فوق الكرسي.
مظهرهم اوقف قلبه وبقدم من هلام اقترب منهم يخشى السؤال فيسمع اجابة تقتله.
كانت مريم من هاتفته مخبرة إياه أن ميار حاولت الانتحار، انهم يحاولون انقاذها..أنها تحتاجه جوارها.

انسحبت من حضن خطيبها عندما لاحظته ووقفت أمامه فشعر أن قلبه هبط وتمنى لو كان أصمًا كي لا يسمع خبر رحيلها فيموت بعدها.

-"ترفض رؤية أي أحد..حاول الدخول انت لها"
بصوت مرهق قالت مريم وجملتها كانت بمثابة روح رُدت إليه ليتنفس الصعداء وينهار فوق الجدار الذي تحمل وزنه مشكورًا.

قابلت عينيه عيني الرجل الذي هدد عمه قبل أشهر وكان حينها متجبر شديد، عكس إنكساره الحالي.
-"لا تنتظر اعتذاري..كدت أفقد ابنتي بسببك"
قال بخفوت وعاد يردف برجاء:
-"اعد لي ابنتي فأنا لن اتحمل رؤيتها ساكنة بلا روح مجددًا"

عندما دخل لها وجدها مستلقية فوق فراشها شاردة بالظلام خارج النافذة فتقدم منها وبرفق دس زهرة دوار الشمس بين خصلاتها الساكنة.
امسك كفها وجلس على الكرسي جوار الفراش تحت نظرات عينيها الباكية.
قبل كفها زافرًا براحة أنها لم تنفعل وتطرده صارخة كما فعلت مع والدها واصدقائها.
رفع يده الاخرى إلى وجنتها ومسح دمعة هبطت هناك بينما يقول:
-"أهُنت عليكِ يا زهرتي؟ اردتي تركي ببساطة هكذا!"
-"انت تركتني أولًا"
صوتها خرج ضعيفًا لكنه جلب الابتسامة لثغره وعاد يقبل كفها بحب لاستجابتها التي لم تمنحها لأحد منذ استيقظت.
-"خشيت عليكِ يا حبيبتي..أنا لست الرجل الصحيح..انتِ تستحقين الأفضل"
-أنا احببتك أنت رغم أن الأفضل على حد قولك كان معي"
-"وأنا وقعت اسيرك من اللحظة الاولى التي رأيتك فيها..تلك اللحظة تشابكت روحي بروحك كأنني خلقت من أجلك"
أعترف وقبل كفها مرة اخرى قبل أن يرفع عينيه إليها فيجد فيهما فرحة بسيطة سرعان ما اختفت وهي تهمس:
-"لا تشفق علي يا مُنذر..انت مرتبط بأخرى فلا تجبر نفسك على إدعاء حبي لـ..."
قاطعها بوضع كفها برفق فوق ثغرها قبل أن ينحني ويقبله بخفة داعبت قلبها الذي يعشقه.
ابتعد عنها بابتسامة اذابتها وبدأ يسرد كلمات احتضنتها.
-"اسمعيني يا من أخذتِ كل معاني اسمك..أنا أحبك..أحبك منذ رأيت زهرتي الشمس اللذين تحمليهم في عينيكِ..احببتك وتعذبت بذلك وانا اظن أنكِ فتاة صغيرة لم تتجاوز الثامنة عشر وكم ارتاح قلبي عندما عرفت الحقيقة..احببتك رغم انني لا اليق بك..احببتك رغم كذبك علي..لا أملك ولا أريد غيرك..حبيبتي ورفقية دربي..لا تشكي في مشاعري تجاهك مرة اخرى يا ميار..اياكِ"
كفها الصغير تشبث بكفه بحب فابتسم لها وجلس فوق الفراش ليأخذها بحنان في احضانه يخبرها:
-"ستخرجين من هنا وتتخلصي من اكتئابك بمساعدة طبيبة ممتازة..لن تستسلمي للحزن مجددًا..ستقاتلي من أجل رغبتك..كما أفعل أنا"
قبل رأسها واردف:
-"سأقاتل لأليق بكِ..سأعمل بجد وادخر كل ما املك لأجعل حياتك أقرب لتلك التي عشتيها ببيت والدك..لن الزمك بانتظاري لكـ..."
-"لا اريد أي شيء..رغم ذلك سانتظرك للأبد يا مُنذر..لن اتركك ترحل عني مجددًا..سأقف في وجه الجميع..لن اسمح لمعاير المجتمع واراء الناس بابعادي عنك فلا تفرط في انت..لا استطيع القتال بدونك"
-"ابدًا..لن اتركك ابدًا"
اعطوا وعود منطوق بمشاعر حقيقية فكانت أغلظ العهود.
***
بعد أيام...

محراب كافرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن