_3_

170 24 34
                                    

.
.
.

أخذت الظلمة تنتشر في البهو بينما ٱنسحبت آخر خيوط الشمس العسجديّة خارجة عبر النافذة الزجاجية الضخمة لتعلن نهاية اليوم، مشكّلة لوحة فنية يعلوها الرونق الهادئ الراقي، لوحة لم يشهدها أحد سواه.

اِستلقى على الأرضية دون حركة وسط الهدوء. إنه على تلك الحال منذ إثنى عشر ساعة تقريبا. حرك جفنيه ليفتح عينيه تدريجيا. جال ببصره في المكان ليدرك أنه بمفرده. اِتكأ على مرفقه ليقف.

ماذا يفعل هنا؟ ما هذا المكان؟ كيف وصل إلى هذا البهو؟ كلها أسئلة تراكمت في ذهنه لتزيده حيرة على وحدته.

تقدم من النافذة بخطى ثابتة ليشاهد الغروب. توارت الشمس خلف الجبال ليظهر ٱنعكاسه على البلور. شاب عشريني طويل نسبيا ذي بشرة قمحية، شعر أشقر مموج تعلوه خصل كستنائية فاتحة، عينين واسعتين خضراوين قانيتين و فم صغير. كان يرتدي بذلة فاخرة سوداء مع ربطة عنق ذهبية.

لم تتم تسميته بإلاه الشمس عبثا.

﴿أبولو

تراجعت إلى الخلف لأغادر هذا البهو الذي لا أعرف حتى كيف وصلت إليه. دفعت الباب الرئيسي لأجد نفسي في مملكة ما. الصمت يسيطر على المكان ليكون رفيقا للظلمة. أضاءت بعض المشاعل المكان جزئيا. سرت وحيدا دون وجهة و قد تملكني القلق. لجأ المتساكنون إلى منازلهم لتصبح الطرقات خالية.

أخيرا تناهى إلى مسمعي ضجيج ما. توجهت نحو مصدره في حذر لأطل عند أحد الأزقة. لمحت عربة بخارية ذات مقطورة خشبية مركونة أمام بناء ما. ظهرت فتاة صغيرة تبلغ من العمر التاسعة تقريبا. أطلت من المقطورة لتهتف هامسة:
- جاك، هيا فلنذهب.

خرج صبي في نفس العمر ليضع قلادة ذهبية حول عنقه مجيبا:
- ها أنا هنا يا جان، هذا كل شيء.

قفز نحو مقعد القيادة في خفة ليشغل المحركات. تقدمت من العربة في تردد لأنبس:
- عذرا، لدي سؤال من فضلكما.

نظرا إليّ لتتسعا أعينهما. استدار الصبي نحو الفتاة ليقول:
- جان، ماذا أفعل؟
لترد هي بعد أن ألقت نظرة شاملة عليّ من أخمص قدماي إلى قمة شعري جعلتني أشعر بالغرابة:
- يبدو غنيا. بذلته فاخرة. شعره مرتب. حذاؤه نظيف و ربطة عنقه لماعة.
نطقت الكلمة الأخيرة بطريقة درامية لترتسم ٱبتسامة عريضة على وجهها و هي تشاهد ربطة العنق خاصتي.

﴿ في العالم الموازي_ حب مشمس﴾حيث تعيش القصص. اكتشف الآن