ماضي يخنقني

893 17 4
                                    

الفصل الثاني
ماضى يخنقنى
سارت نهله فى الشارع ودموعها تسيل على خديها أنهارا، شاردة حزينه جائعه كأنها متشردة ليس لها مؤوى،  أين أهلها الآن ؟ أين حجرتها التى كانت تبنى أحلامها عن ؟ كل ذلك فقدتهم بسبب حبها الوهمى حبها الأعمى لشخص أقل ما يوصف به هو الخسه والندالة ... أين تذهب الآن؟ تذهب لأهلها كيف تواجههم ؟ سيقتلونها بالتأكيد هى تريد أن تذهب إليهم ولكن بشرط أن يقتلوها فورا فلن تتحمل نظرة واحده من الاحتقار والسقوط أمامهم.
ياليت أموت الآن  واستريح من هذا العذاب هكذا شعرت..أحست بألم فى أسفل بطنها من السير والإرهاق والتعب..  جلست على الرصيف تنشد بعض الراحه حتى تواصل السير تواصل مشوارها الأسود الذي لا تعرف له معالم، نظرت إلى السماء السوداء الذى تظللها، الليل والنجوم تلمع بها النجوم مسكنها السماء وتساءلت :
وأنا اين مسكنى الآن؟ ...مسكنى هو بيت الألم وفرشتى عذابى, وغطائى دموعى نظرت إلى السماء تستجير بخالقها قالت والكلمات خرجت مذبوحة متوسلة:
_يارب أنا عارفة إن مليش عين  ومليش مبرر ولا عزر ازاى حطلب منك تسترنى وانا فضحت نفسى ...ازاى اطلب منك ترحمنى وانا مرحمتش نفسى يوم مغلطت مفكرتش فى إن كل ده حيحصلى ...يارب, يارب انا عارفه انى غلطت وذنبى عظيم بس رحمتك اوسع يارب سامحنى انا اوعدك انى مش حغلط تانى خليك معايا وتوب عليا انك انت التواب الرحيم انا دلوقت مليش غيرك ادعوه واستجير بيه يارب انا غريبه فاوونى ..انا مكسورة فاجبرني جائعه فاطعمنى ....يارب يارب يارب،
وظلت تدعو الله بدموع غزيرة وشهقات كادت أن توقف قلبها حتى سمعت صوت اوقف دعاءها وابتهالها صوت ساخر ..صوت قال في جرئة ووقاحة:
_اييييه ياموزة مالك الجو بتاعك مزعلك ولا ايه تعالى بس وانا اصالحك عليه نظرت الى مصدر الصوت فوجدت شابين ينظران لها بشهوة وواقاحه ..فانقبض قلبها وتعالت دقاته وقامت لتمشى وتترك المكان ولكن الشابين اوقفاها، وشهر أحدهم مطواه وكاد ان يغرسها فى جمبها وقد قال وكاد أن يلتصق بها:
_اي حركه مش حتلاقى نفسك امشى من سكات احسنلك فاهمه ولا لا ياحلوة.

لم تستطيع نهلة النطق قلبها يرتجف ويزداد خفقانه، وعيناها زائغتان وركبتيها ترقصان من الخوف.
فأومأت بالإيجاب وانصاعت لهما ومشت معهما ....حتى جاءت سيارة تمشى بجوارهم تصدر صرير عالى كأنها انحرفت عن مسارها سببت الرعب للشابين، خافا على عمرهما فظنا اغن السيارة ستنحرف وتصتدم بهما هما الثلاثه فتفرق كل شاب فى ناحيه فوجدتها  نهله فرصه وفرت، وظلت تجرى بكل قوتها وعندما عدلت السيارة الكبيرة مسارها واستقامت واختفت فى الطريق عند إذن انتبها الشابين لنهله التى فرت منهما، فظلا يركضان خلفها وقال واحد منهما:
_استنى يبت    حنجيبك يعنى حنجيبك.

ولكن نهله لم تستمع لهما وظلت تجرى وهم يطاردونها فانحرفت فى شارع جانبى كانت تجرى على غير هدى كان كل هدفها أن تنجو من هذان الشابين فقط لاغير ....وظلت تجرى حتى وجدت نفسها فى محطة القطار وبرغم الليل إلا أن هناك بعض الزحام.. حاولت أن تندس بينهما ولكن الشابين يتبعانها وهم لها بالمرصاد وهى تلهث من فرط التعب، والعرق يتصبب من وجهها والآلام فظيعه أسفل بطنها كادت أن تعوقها عن الجرى وقف الشابين يلتفتان يمينا وشمالاً يبحثان عنها، فقال أحدهم بلهفه:
_ اهى ..
وكانت تقف بقرب من القطار تمسك أسفل بطنها من شدة الألم وجبينها يتصبب عرقا، وعندما سمعت صوت أحدهما يشير إليها انتفضت وقامت وظلت تدور بعينيها عن مخرج ..هما يقتربان وهى حائرة لا تعلم أين تذهب فلم تجد غير القطار الذى كان على وشك التحرك فألقت بنفسها فيه وهى تلهث وتتنفس بصعوبه،   وظلا الشابان يجريان ليلحقا بها ولكن من سوء حظهما وحسن حظ نهله لم يستطيعان فكذا على اسنانهما وهما يكوران ايديهما فى غيظ وندم.
ونعود لنهله التى عندما استقلت القطار جلست على مقعد فارغ وظلت تلهث من فرط المجهود الذى بذلته فى الجرى والهرب من الوغدان اللذان كانا يطاردنها، وعندما هدأت قليلا اطلقت لدموعها العنان تخفى وجهها بين يديها تلعن حبها واليوم الذى احبت فيه، ركبت القطار ولا تعلم أين ستذهب وإلى أى محطه سترسو اسندت رأسها على المقعد تريح جسدها المنهك بعد قليل سمعت صوت سيدة تقول لها ...لو سمحتى الكرسى ده فاضى
فتفتح نهله عيونها بفزع ...وتبتلع ريقها بصعوبه وتقول لها بحذر:
_اااه ..  ايوة فاضى
استغربت السيدة الخوف الذى بدى على وجهها فقالت وهى تبتسم لها بتودد صادق :
_طب ممكن بعد أذنك أقعد معاكى  اصلى حامل ومش طايقه الزحمه 
قالت نهله ومازال الخوف مرتسم على وجهها: _اتتفضلى
السيدة:
_مالك حبيبتى فى حاجه مضايقكى انا أزعجتك لما قعدت معاكي.
نهله بحرص:
_لا لا ابدا اصلى تعبانه شوية
السيدة بنفس ابتسامتها الودود:
_لا سلامتك حبيبتى الف سلامه
نهله:
_الله يسلمك ... ومرة واحدة أمسكت نهله أسفل بطنها وتقبض عليه بقوة وتصرخ :
_آااه .. ااااه
قالت السيدة وهي تقرب منها رأسها بخوف: _مالك حبيبتى فيه إيه؟
نهله وهى تتألم وما حدث لها غرس فيها الخوف  من أى أحد:
_مفيشش
السيدة بإصرار:
_متخافيش منى اعتبرينى اختك ...قوليلى مالك يمكن أقدر اسعدك
نهله وهي تتوجع وقد احتقن وجهها من فرط الألم الذي تشعر به:
_ألم فظييييييع هنا.
واشارت للمنطقه التى تمسكها فى أسفل بطنها
لاحظت السيدة نقاط من الدماء أسفل نهله وقد تلوث ثوبها أيضا فاتسعت عيناها بقلق قائلة:
_الله إيه الدم ده ؟
نظرت نهله الى أثر الدماء على ثوبها فوضعت يدها على فمها وهى تشهق بخوف وقالت:
_مممش ععارفه
السيدة بستفسار انتى عليك البيروود
قالت نهلة دون النظر لها:
_اااانا حامل
السيدة :
_حامل ؟  ..انتى متجوزة ؟
نهله:
_اااااه.. أيوة
السيدة بانزعاج:
_كده الدم ده يخوف ليكون لقدر الله نزيف ولا حاجه
نهله بداخلها:
_ياريت يكون نزيف واموت واستريح من الدنيا خالص يارب تموت يااارب.
السيده وهي تحاول أن تساعدها على النهوض:
_قووومى معايا
نهله باستغراب ووجل:
_على فين
السيدة:
_حنروح الحمام تغيرى هدومك قومى بسرعه.
فاسندتها ثم استردت وهى تمسك يدها_ _متخافيش أنا معايا حبوب للنزيف كان كتبهالى الدكتور لان حملى كان ضعيف وكنت ساعات بنزف ومخلياه علطول فى شنتطتى انتى تدخلى تتشطفى وانا حديكى غيار من عندى وغيرى هدومك ماشى ياااا .....انتى اسمك ايه
نهله بضعف وامتنان:
_نهله
السيدة بابتسامة:
_اسمك جميل اوووى يانهله وانا ياستى اسمى خلود...يلا ادخلى وأنا مستنياكي اهو
ودخلت نهله الحمام الموجود فى القطار وقامت بتغيير ملابسها بملابس السيدة التى اعطتها لها وبعد قليل خرجت وهى تبتسم بشكر لخلود قائلة:
_انا متشكرة اوووى  ليكى
_شكرا ايه بس..الناس لبعضيها ومن هنا ورايح احنا اخوات انتى ماتعرفيش اناحبيتك ازاى وبجد استريحتلك
_وانا كمان ارتحتلك جدا.
اجلستها خلود وأخرجت من حقيبة يدها شريط به اقراص من الدواء وأخرجت أيضاً زجاجة عصير واعطتهما لنهله قائلة:
_خدى ياحبيبتى القرص ده حيوقف النزيف مؤقتا وحيسكن الألم كمان لغايه ماتوصلى واهلك يوديكى المستشفى .
شعرت نهله بغصه فى حلقها فهى الآن ليس لها أهل، ولن تجد من ينجدها ولكنها حاولت أن تخفى آلامها، وابتلعت مصيبتها فى فمها   هى لا تعرف هذه السيدة برغم مساعدتها لها ولكنها فقدت الثقه فى الجميع، بسبب الوغد الحقير الذى أحبته ثم غرر بها وألقى بها كالزباله فى الشارع.
اخرجتها خلود من شىودها مردفة:
_هاه حاسه بايه دلوقت ؟
نهلة بنظرة بامتنان
_الحمد لله   أحسن ...بجد متشكرة قوى مش عارفة أشكرك إزاي على ال عملتيه معايا ربنا يجازيكي خير يارب.
رسمت خلود على وجهها ضيقا علمية بعتاب:
_الله أنت عايزانى أزعل منك ولا إيه مش قلنا مفيش بينا شكر..ومن هنا ورايح حتكون زي الأخوات.
ابتسمت نهلة لها بامتنان وشكر.
خلود:
_انتى منين يانهله ورايحه فين؟
نهله وهى تبتلع ريقها بارتباك :
_ااانا.. أنا من القاهرة وورايحه اسكندريه
خلود مبتسمة:
_ يااه إيه الصدف دى أنا كمان رايحه اسكندريه..  ريحه عند أهل جوزى حولد هناك عندهم.. أصلى جوزى اتجوزنى من غير ماعلمهم لانه حبنى قوووى  بس هما كانوا رافضين، لانه من عيله غنيه قوووى وانا فقيرة فرفضو الجوازه ومحدش حضر فرحنا اتجوزنا, وحملت بأول مولود لينا لكن للأسف اتوفى فى حادثه وملحقش يشوف ابنه. بعتلهم عشان اروحلهم وكمان عشان شوفوا ابنهم ال في بطني وميتحرموش منه..ويظهر إن موت ابنهم حنن قلبهم شوية، ووافقو فبعتولى جواب عشان اروحلهم، متتخيليش أنا فرحانه قد إيه، مش عشانى والله ..عشان ابنى يعرف إن له عيله وميترباش يتيم.
كانت خلود من النوع الثرثار ولا تأبه أن تحكى أشياء تخصها لأى أحد،  وظلت تحكى لها قصه حياتها ونهله تستمع ..وتتحسر على حالها وعلى ماضيها المخزى وعلى حاضرها المؤلم وعلى مستقبلها المبهم والذى ليس له معالم
خلود وهى تواصل حديثها عن حياتها الشخصيه ...شوفى يا نهله ده خاتم جوازنا وقد أدمعت عينا خلود لتذكرها زوجها الفقيد قالت والدموع تتلألأ في عينيها:
: ده هديه  رامز ليا الله يرحمه كان بيحبنى قوووى, واعطته لها لكى تره فامسكت به نهله فابتسمت بإعجاب وهى تنظر للخاتم وبدون أن تشعر ارتدته وقد تمنت أن يلبسها حمدى خاتم مثله.. لكنه ألبسها الخزى والعار تنظر ليدها والخاتم بها وتمط شفتيها بأسف .... وفجأه يخرجها من تأملها للخاتم ..اااا.........

ياترى إيه ال حصل خله نهله تبص بفزع ...حنعرف فى الحلقه الجايه استنونى...؟؟؟؟؟  
#سهير_عدلى_الشهيرة_بسهير_على

ماضي يخنقنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن