دفعَ مقِبضَ البابِ فِي اِضطرابٍ وألقَى السّلام، فقابلهُ شابٌ عِشرينيٌّ بشعرٍ أكحلٍ قصيرٍ وعينان حادّتان بذات اللّون، والمشاكلُ تنضح من ملامحهِ الجّافة، كان يصرخُ مُسْندًا ظهرهُ على السّرير، وضاربًا بيدهِ على الدّرج يَمينه!«فَلتحضرُوا إليّ الطَّبيب حالاً يَا كُومةَ الحَمقَى! ما المعنَى من كونِي عاجزًا عن تحريكِ ساقَيَّ! ما الّذي أَفسدتموهُ فيّ؟!»
شَتمٌ ولَومٌ وصُراخٌ كان هذا أوّلَ ما تلقّته مَسامعُ ضِياء.
سلّط علَيهِ ضِياء البصرَ مَعَ علاماتِ التّعجبِ التِي نضحتْ بهَا ملامحهُ وحدَّثهُ بنبرةٍ هَادئةٍ:
«هَدِّئ منْ رَوْعكَ يا فتَى، لعلَّ الطّبيب مشغُولٌ قليلاً، إِن أحببتَ فَيُمكنُنِي مُناداة المُمَرضِينَ مِن أَجلكَ»حَمْلقَ أَفحمُ الشّعرِ فِيهِ بنظراتٍ تأرّجتْ نَارًا، ثُمّ أطلقَ الدَّوِيَّ فِي كَلمات:
«ومَا الّذِي تنتظرهُ يا فرخَ الدّجاجة؟»ورمَى بيدهِ مُشِيرًا لهُ بالاِنقلاعِ من أمَامهِ!
رفَعَ ضِيَاء حاجبهُ، وَلمسَ خصلاَتهِ خيوطَ الشَّمس؛ فقد اِلتمسَ المقصدَ من نعتهِ بفرخِ الدّجاجة، لطَالمَا كَرِهَ قلّة الاِحترام، وكانتْ من أكثرِ مَا يَهُزُّ أوتارَ الغضبِ لديهِ؛ لِتُصدرَ لحنهَا غيرَ المُحَبّبِ.
أردفَ مُؤَنّبًا وَمغرقًا إيّاهُ فِي عمقِ نظراتهِ المعَاتبة:
«إنْ أردتَ مَعْرُوفًا اِطلبهُ بأدبٍ، لِعلْمِكَ لاَ أحد هُنَا يعملُ تحتَ إمرَتِكَ، لا أنَا ولا حتَّى العاملِينَ! لِذَا فلْتحترمْ نفسكَ»
استفزَّ هذَا الرّد فتَى المَشاكل، فَأردفَ مُرتبكًا فقدْ صَدَمهُ أنَّ أحدًا تجرَّأ عَلى الرّدِ عليهِ؛ فهُو مُعتادٌ على تلقِّي الخوفِ كردِّ فعلٍ لِهَيجانهِ:
«ماذَا؟ أَعِدْ مَا قُلتَهُ!»مشَى ضِياء بخطواتٍ ثابتةٍ نحوَ فراشهِ، وكأنّ أحرف الآخرِ اصطدمتْ بجدَارِ مَسامعهِ وسقطتْ بدلَ أَنْ تَخترقهَا.
أنت تقرأ
النّبضة الأَخِيرَة
Historia Cortaبينَ جُدرانِ عَالمٍ يَغمره البَياضُ والألمْ اُحْتجِز طائرٌ كسيرُ الجَناح ينتمِي إلَى غيومِ السَّماء. وبفضلٍ من الله لَمْ يُغطِّ رمادُ الكآبةِ قلبهُ، بلْ كان يُضيء لنفسهِ ويشعلُ فتيلَ من حولهِ، حتَّى في أسوءِ تأرجحٍ لِحالتِهِ المرضية كانَ يسعى لإِبصا...