5|عليلُ النّفسِ

416 43 116
                                    


ركنَ أوَّاب سيّارتهُ أمامَ الباب الخارجِيِّ لمنزلهِ، بعدَ أنْ فرَغَ من مُهمّة جمْعِ أغراضِ المَبيتِ.

استقبلهُ إسلام في أبهى حُلّة لهُ، فهيئته تنقلب مئة وثمانينَ درجة بعدَ أن تهدأَ خُصلاتهُ الفَوْضَويّة.

ربّت أوّاب أعلى رأسَ الأصغر قائلاً:
«يا إلهِي! مَظهركَ أكثر لطافَةً اليوم! يبدُو أنَّ كثرةَ المَبيتِ فِي الخَارج تُنسينِيهِ»

ابتسمَ لهُ وَخرجت والدتهُ إليهمَا، فرمقها أوّاب بنظراتِ استغرابٍ، مُخاطبًا إيَّاها:
«أمّي! أستخرجينَ هكذَا؟»

تعجبتْ هي الأخرى من طرح سؤالٍ كهذَا عليهَا، وأخذت تجوبُ عباءتهَا بناظريها:
«ما الّذي تقصدهُ؟»

أجابها مُبتسمًا:
«غطاءُ وجهكِ!»

ردّت باِنفعالٍ:
«لقد نسيتهُ بالفِعل، يبدو أن بالِي مشغولٌ بضياء، انتظرنِي لحظة سأضعهُ»

لم يبعد ناظريهِ عنهَا وهِي تبتعدُ إلى الدّاخل:
«أدعو أن يُفرغَ الله عَلينا الصَّبر، إنّني أحاول تجاهل فكرة أن تنتهي أيامنَا أنا وَهوَ في أيّ لحظة، إنّه يستمر في توصيتي بعدم التعلق بهِ؛ لأنّه مدركٌ تمامًا أنّني ضعيفٌ هنا وجدًا»

شدّ على يدِ شقيقهِ الصّغير ومَشَى.

«وإن حدثَ وفارقنَا لابدّ من تجاوز الأمر في النهاية، فهل أريدُ أنْ ينتهي بي ذلكَ إلى الخُسران وأن يضيعَ كلُّ سَعيِي؟ أمي أيضًا تبدُو هشة بحاجة لمن يُساندها، عليّ حقًا أن أناقشها في الموضوع لعلّنا نخطو تلك الخطوة معًا»

مُلِئ جَفناهُ من سائِل الحُزنِ، ردّهُ بصعوبةٍ؛ فهو لا يريدُ أنْ يتِّوترَ الجوَّ.

«نحن نغرقُ في الألم بما نحنُ عليه من ضعف، لذا علينَا خلعهُ لنستمر كلٌّ إلى نهاية شريطِه الخاص»

...
في ظلِّ ذلكَ السّقفْ كانَ ضياء ينتابهُ قلقٌ اتجاهَ عدم مجيء عمّه، هُو لن يرتاح لأنّ الوضع لم يسرْ كالمعتادْ!

قامَ لإِنعاشِ زَهرَتيهِ في الشُّرفة.
«ربّما حدَث أن منعهُ الطبيب من الدُّخول عليّ؛ كونهُ يعرفُ أنّه سيزيدُ حالي سوءًا، أو لربّما هو امتنعَ كنوع من كبح النَّفس»

آخر كلماته خرجتْ كمحاولة إحسان ظنٍّ، استجابةً مع كون أوّاب يتأمل في والدهِ خيرًا رغم معاملته القاسية الصّارخة.

التقى ناظرهُ معَ طائر حمامٍ يرفرفُ صاعدًا، كَان ذلكَ قريبًا جدًا منهُ، فتراجع على عقبهِ، دبَّت رفرفةُ الجناح في أذنيه وَابتهج لِهَذا المَشهد.

النّبضة الأَخِيرَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن