الفصل الخامس

1.4K 53 11
                                    

الفصل الخامس
دقات هادئة ثم فتحت باب المكتب، دخل سراج يبحث عن والده بعينيه، وجده يقف أمام النافذة الكبيرة المطلة على الحديقة، من ملامحه تبين أنه شارد.
كان سليم يعود بذاكرته إلى الماضي، ويلوم نفسه على اختيارات قد تكون خطأ رغم معرفته بذلك قام بها رغم يقينه بالنتيجة، يربح الجولة الآن، الباقي في وقته.
أيقظه صوت سراج من التعمق في التفكير: أبي.
التفت له دون أي تعبير على وجهه، تابع سراج كلامه وهو يحثه على الخروج معه: لقد طلبت من أم أحمد أن تأتي بالقهوة في الحديقة أفضل من هنا.
ارتشف سراج من قهوته بعد أن جلس في مكانه المفضل، بعيدًا رغم علمه أنه تحت أنظار وأسماع المتطفلين، يعرف أن أغلب من بالمنزل جواسيس لوالدته وجده، رغم أن جدِه لم يعد بجبروته السابق بعد أن أعياه المرض حتى أنه أصبح يستعمل الكرسي الإلكتروني للتنقل، لكن جواسيسه لازالوا بنفس القوة وهو قادر على تحريك الجميع كقطعه شطرنج من كرسيه بكل سهولة.
- هل عرفت شيء من فرح؟
بصوت محشرج يملأه القلق قال سليم، كانت نظراته متلهفة لسماع أي شيء، نعم يعرف أنه أحد أسباب ما حدث، بل الأسوأ أنه لم يتدخل لمنع الكارثة.
بثقة يحسد عليها أجابه سراج: فرح تعرف مكانها، بل أنا واثق بأنهما تحادثها على الهاتف إن لم يكن وجهًا لوجه.
- كيف عرفت؟ ماذا قالت لك؟
لم يجب فورًا بل تابع شرب القهوة: أنت أكثر وسامة من العريس!
نظر سليم له بصدمة مستنكرًا جملته: نعم! هل تهذي يا فتى؟ لا ينقصني كلام فارغ ، ابنة عمتك مختفية منذ أكثر من أسبوع، كما أنها لم تأخذ شيء معها،

ذهبت بعد فضيحة مدوية، حتى الآن لا أعرف من ألوم عليها، هي أم أخيك، وزوجته.
باستنكار شديد: زوجته !أتلقب تلك العقربة الصفراء بزوجته وليس غسق؟! حقًا فرح محقة كم نحن عائلة...
قاطعه سليم وقد اشتد غضبه حتى احمر وجهه، وبرزت عروق رقبته: لا تحاسبني على كلامي، هل بِت أنت وزوجتك أحن مني على غسق؟ أعرف أني اتخذت قرار زواجها دون الرجوع لها، ولكن هل كان أمامي حل آخر ولم أجربه؟ أهل والدها رفضوها، بل إنهم قالوا أنها ليست ابنتهم، وأن أختي قامت بإلصاقها بابنهم ظلمًا،  هل تعرف بماذا شعرت وقتها وهم ينالون من سمعة وشرف أختي حتى بعد وفاتها؟ جدك رفض حتى أن يستلم جثمان ابنته، سفارتها قررت ترحيلها، الكل تآمر ضدي، لم أجد ما أفعله غير أن أزوجها من ساجي؛  كان الحل لتبقى في منزل العائلة رغمًا عن أنف جدك.
بصوت هادئ يحمل اتهامات مباشرة قام سراج برشق والده بكلمات أصابته في منتصف قلبه: لكنك تركتها تصارع وحدها،  ثم وافقت على زواج ساجي بل وحضرت زفافه، هل هذا عدل؟
هو محق لقد بارك زواج ساجي! لم يستطع الرفض، أراد أن يحظى ساجي بحبه أن يسعد، أن يقيم له زفاف يليق بساجي القاسم، هو ابنه البكر، فخره الدائم، لماذا لا يعطيه ما يريد، هو فقط غض نظره عن أن رغبة ساجي فيها ألم لغسق.
أطرق برأسه للأسفل في خزي من نفسه ومن أنانيته، ففي قانون البشر لا أحد يوازي الأبناء حبًا.
تنهد سراج وقد أحس بألم والده، كلماته كانت قاسية حتى وإن كانت حقيقة.
حاول أن تكون لهجته أقل حدة قدر الامكان: إنها جملة تقولها لي غسق دائمًا عندما نحضر أحد الأفراح، أنت أكثر وسامة من العريس، تقولها لإغاظة فرح، وقد أعادتها عليّ فرح عندما سألتها عن مكان غسق، فعرفت بأنها تعرف مكانها، كما أن هدوء فرح المستفز أكد لي ذلك خصوصًا مع وضع غسق.

غسق الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن