الألم

164 16 3
                                    


هذهِ القرية.. من طريقة بنائها وكثرة بنيانها تدلّ على أنها كانت قرية عامرة وأكثر أهلها من الميسورين؛ فما سرُّ هجرانهم لها؟ وعندما تغيب الشمس عنها كل يوم مؤذنة بدخول الليل تحدث فيها أمور غريبة وأهوال عجيبة فما سر ذلك؟ وهل أهلها تركوها من أجل هذا؟ أم أن هذه الأمور حدثت بعد ذلك؟ سنكتشف كلّ ذلك وغيره من خلال رجل مرّ هو وعائلته بهذه القرية عن طريق المصادفة. كان هناك رجل اسمه عزام متوسط في العمر والجسم ذو لحية سوداء قد خالطها بعض الشيب يحب الشعر العربي ويتمثل به كثيرا بحسب المواقف التي تمر عليه، وكانت


برفقته زوجته التي كانت تصغره بخمسة سنين واسمها أسماء مخلصة له متيمة به ودودة مليحة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في نفسها وبيته وماله إذا غاب عنها، ولهما ابن يافع اسمه أحمد يحب التعلم وخوض التجارب ، يعين والديه ولا يشق عليهما،وكذلك لهما ابنتان صغيرتان كالزهرتين أو إن شئت قلت كالفراشتين جمالا ورشاقة إحداهما علياء والأخرى حسناء ، كانواجميعاً مسافرين على عربة لهم تجرها الخيول ومعهم بعض دوابهم تسير معهم وكثير من أحمالهم على الحمير. يسيرون وهم مشتاقون إلى من يريدون الذهاب إليهم.. السفر طويل وممل ولكن عندما يتخيلون فرحة الوصول و متعة اللقاء يقطعون من

المسافات ما لا يشعرون به.. يتحدثون تارة .. ويتضاحكون أخرى.. ويسودهم الصمت أحيانا إنه السفر هكذا حاله ممل وممتع ، ضروري ومفجع،ولكن عنوانه الأكبر أنه قطعة من العذاب.. فيه الإغتراب وفراق المسكن والأحباب.. تحوفه الأخطار وترصد الأشرار.. يمنع لذيذ النوم والطعام والشراب.. ومع ذلك لابد منه وفيه شيء من المتعة وكثير من الفوائد. ولهذا القسم من السفر قال عزام متمثلا: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحــــــــبة ماجدِ فإن قيل في الأسفار ذل وغربة  وقطع فيافٍ وارتكاب الـــــشدائدِ فمـــوت الفتى خير له من حياته بدار هوان بين واشٍ وحاســـــدِ

ثم قالت الزوجة إني قد اشتقت إلى أهلي كثيراً فكم بقي لنا من الأيام حتى نصل إليهم يا زوجي العزيز؟ نعم .. ربما .. ربما نصل بعد أسبوع إن شاء الله. قال أحمد يا أمي أتظنين أن جدتي تعرفني بعد إن كبرتُ وتغيرت؟ نعم ستعرفك بالتأكيد فأنت حفيدها الوحيد يابني. وأنا وعلياء يا أمي هل ستعرفنا جدتي ؟ نعم نعم بالتأكيد ستعرفكما ففيكما رائحة أمكما. ولأن الحديث ذو شجون شعب وأودية يتصل بعضه ببعض صار جل حديثهم بعد هذه المحادثة عن الجدة وقريتها وكيف نشئت 


امهم هناك إنها لحقٌ قصص مثيرة وذكريات جميلة خالط حديثهم الكثير من الفرح وشيء من البكاء والترح إنها الذكريات سلاح معنوي تفعل في النفوس فعلتها.. فمن كانت له ذكريات جميلة عاش حياة سعيدة سوية، ومن كانت له ذكريات مؤلمة عاش حياة كئيبة إن ترك لذكرياته البئيسة العنان فالماضي للحاضر إما بناء وإما هدم .. واللبيب هو الذي يجعل من ماضيه انجازا لمستقبله بغض النظر عن الماضي كئيبا كان أو جميلا،فالجميل دافع والأليم درس. 

خبايا القرية المهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن