٧-لن أصدق

173 7 0
                                    

"كان يوماً جميلاً لا ينتسى..."
بينما كنت هائمة أفكر فيما فعلته في نفسي أغلق حمزة الباب من خلفي وسمعته يتحدث، فالتفت لأنظر له بوجهٍ مصدوم ورأيت الابتسامة على وجهه، وتلك الابتسامة لم تحسن من حالي أبداً بل زاد الأمر سوءً حينما تفاجأت بانهمار الدموع على وجنتاي دون سابق إنذار.
تفاجأ حمزة برؤية دموعي فاختفت ابتسامته على الفور وتبدلت بملامح مذعورة، فهرع نحوي.
"ماذا بكِ؟ هل أنتِ بخير؟!"
حاولت أن أبعد وجهي حتى لا يرى دموعي، غير مدركة أنه حدث بالفعل ولكنه لم يتركني أبكي وحيدة وأمسك كتفاي ليدرني وينظر إلى عيناي.
"فريدة..."
شهقت باكية ولم أستطع السيطرة على نفسي من بعد تلك اللحظة ورحت أنتحب بشدة فزدت من توتر حمزة فاقترب ليضمني بتلقائية وأخذ يربت على رأسي وظهري يخبرني بأنه معي ولا شيء يستحق دموعي، ولكنني كنت كطفلة في الثالثة من عمرها لا تتوقف عن البكاء بسهولة!
وجال خاطري ما لم أستطع أن أمنعه في تلك اللحظة: دموع ونحيب من أول ليلة زواج، يا لها من بداية رائعة حقاً...!!

...

كنت أجلس على الأريكة أطرق برأسي وأنظر لفستان زفافي المبلل بدموعي وحمزة يجلس بجواري ينظر لي في حيرة وقلق. بعد دقائق من البكاء توقفت دموعي أخيراً فجلسنا في صمت، ينتظرني حمزة لأنطق أولى كلماتي دون نحيب، وحين مل الانتظار أخيراً قال:
"هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بأي ألم؟"
كان بريئاً للغاية وأحببت تلك البراءة التي كان ينظر لي بها فهززت رأسي  نافية ثم رفعت يدي لأمسح وجنتاي الرطبتان محاولة أن أعيد الوضع كما كان قبل بكائي الهستيري، لا أعرف إن كنت سأستطيع فعل ذلك حقاً.
"الأمر فقط... قال لي والدي بضعة كلمات، فتأثرت."
رغم أن إجابتي كانت جزءً من الحقيقة لم أتوقع أن يصدقني، فشخصيتي القوية الواثقة من نفسها في الشهرين السابقين تبكي بهذا الشكل الطفولي لا تبدو الحجة حقيقية بالنسبة لي ولكن يبدو أنه صدقني بالفعل.
اختلست نظرة على وجهه لألاحظ ملامح الارتياح عليها ومن ثم شعرت بيده تتشبث بإحدى يداي وتمسكها بقوة، وبقدر شعوري بعدم الارتياح لشيء لم أعتد فعله سابقاً إلا أنني شعرت بشعور آخر غريب وهو الرغبة في إمساك تلك اليد مدى العمر.... كم هذا غريب؟
"أنا أعرف... أن كل هذا جديد عليكِ، أنتِ تبنين حياةً جديدة من الصفر وتكونين عائلة مع شخص لم تعرفيه إلا لفترة قصيرة..."
ضغط حمزة على يدي قليلاً وهو ينظر بنظرات مترددة وبدا لي أنه... خائف؟
"أقدر خوفك... وأعرفه."
"تعرفه؟"
لم أكن أتوقع أن الرجال يشعرون بالخوف من الزواج مثل النساء...؟
كان حمزة يجعلني أرى جانباً آخر من الرجال لم أره مع حسام حتى لسبعة سنوات كاملة، وكان الأمر في منتهى الغرابة حقاً.
"نعم أعرفه يا فريدة... أنا لست ذلك الرجل العظيم الذي يشعر بالإطمئنان لبدء حياة جديدة وليس لدي ثقة كبيرة كما تظنين ولكن حتى لو امتلكتها لن أستطيع أن أفعل ذلك وحيداً... أحتاجك لإنجاح الأمر، إن عملنا سوياً على زواجنا سننجح... معاً سنفعل!"
كانت كلماته جميلة للغاية، مثل الكلمات التي نسمعها من المنميين البشريين الذين يرون الحياة بيضاء وينصحون الناس برؤيتها بعيونهم. لم أعترض يوماً على أساليبهم بل بالعكس كنت أحب إيجابيتهم ونظرتهم المتفائلة للحياة رغم مصاعبها حتى عليهم شخصياً ولكني لن أتملقهم وأغمض عيني عن أخطائهم وأخطاء البشر، وليسوا هم فقط فالجميع خطاؤون، فهكذا خلق الله البشر.
هذا هو حال الإنسان... لم يخلق مثالياً، خالي من العيوب.
حمزة كان مثلهم، كان يبدو متفائلاً إيجابياً ويرى الدنيا بعيونٍ بيضاء غير ملوثة. يظن أن الحياة تسير على وتيرة واحدة ويظن أنها لن تتغير، يظن أنه هو نفسه لن يتغير ولكن لا، أنا أعرف الحياة جيداً... بل أحفظها عن ظهر قلب. إنها لا تسير على وتيرة واحدة، الجميع يتغيرون حتى من قال أنه من المستحيل أن يتغير، هو أول شخص يفعل... لقد تعلمت ذلك من حسام!
لهذا أنا لا أصدق المنميين البشريين ولا أصدق حمزة...!!
كنت أرغب بتصديق المنميين البشريين وكنت أرغب بتصديق حمزة، أرغب بتصديق أنه في الحقيقة هو وكل الرجال الآخرون مختلفون عن حسام وأن الرجال في الحقيقة يتصفون بسمات اسمهم، رجال حقاً... أرغب في ذلك بشدة ولكني لا أستطيع، لن أستطيع!
لا أستطيع تصديق حمزة، لا أستطيع تصديق زوجي والوثوق به.
فاعذرني يا حمزة، لقد أخذت نصيبي من تصديق الرجال بالفعل، صدقت رجلاً لسبعة سنوات كاملة ولكنه خذلني، فكيف أثق في رجل آخر وأصدقه بعد كل هذا...؟!
مهما قال هذا الرجل ومهما وعد لن أستطيع أن أقتنع بكلامه لأني أعرف أن الحياة لم تكن يوماً بسيطة وتحقيق الوعود ما هي إلا رفاهية لا يمتلكها الكثيرون...!!
ولكن أنتم بالتأكيد تشعرون بتناقض شخصيتي الآن، فكيف لا أطيق الرجال حتى أني أعيب في زوجي الذي يجلس أمامي ويواسيني ولكني أشيد بأبي وأطلق عليه دائماً لقب الرجل العظيم.
إن ذلك الرجل لا مثيل له حقاً، ربما كنت صغيرة حين رحلت أمي وتركتنا ولكني أتذكر تلك الذكريات بوضوح أكثر من أخي وأختي. فبعد رحيل تلك المرأة رفض أبي الزواج مجدداً وتخلى عن حياته من أجلنا وصرف كل قرش في جيبه حتى يشتري لنا ما نريد وإن كنت لا أرى فضله علي إذاً فأنا ابنة عاقة.
نعم صحيح... حتى لا ينزعج قرائي من الرجال – إن صمدوا حتى هذا الفصل في الأساس – فالتفرحوا أنا لا أظن أن النساء مثاليات أيضاً، أنا إحدى تلك الأمثلة... أنا امرأة مجنونة لو تُركت لي الفرصة لخرجت لعريسي من أول مقابلة بالمأذون لنتزوج حتى قبل معرفة اسمه.
في النهاية ما أحب أن أقوله هو أن لا أحد مثالي، إننا بشر في النهاية!

زواج بلا حب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن