١٢-ليس بحلم

243 9 1
                                    

"فريدة... ابنتي."
سمعت صوتها ولكن حين فتحت عيناي لم أجد أحداً بجواري...
لقد كان حلماً... كان صورتها وصوتها القابع في رأسي لسنوات مجرد حلم لا أكثر، حتى ملامحها...
كنت أكذب على نفسي حين قلت أني لم أفكر فيها طيلة السنوات الماضية، بل كنت أتساءل دائماً كيف ستبدو بعد كل تلك السنوات؟ كيف سيبصيبها الشيب... والحزن والندم على تركنا؟ كيف ستهرم وكيف ستتغير ملامحها بعد كل تلك الشهور والسنين؟
كيف...؟
لهذا كانت قابعة في رأسي في كل لحظة وكل ثانية، وحين كنت غاضبة وحزينة من العالم ظهرت تتجول في الأنحاء وتسقيني عذاباً فوق عذابي...

لمحت بعيناي سقفاً مجهولاً فتساءلت عن مكاني. حركت رأسي يميناً لأنظر للمكان من حولي بفضول وحين شممت رائحة المطهرات المميزة علمت أني بالمشفى.
ماذا أفعل بالمشفى؟
استعدت وعيي شيئاً فشيئاً لأشعر في البداية بتعب في جميع أنحاء جسدي وثقل في أطرافي وحين نظرت على ذراعي رأيت محلول معلق فيها ولم يشغلني محتواه في تلك اللحظة أكثر من انشغالي باليد التي أثقلت نهاية ذراعي وتشبثت بيدي بقوة... إنها يد زوجي.
كان يحدق بيدي الخائرة التي ترتكز فوق فراش المشفى الأبيض ولا يوقن أني استيقظت بعد، فحدقت به لأقرأ ملامح وجهه التي بدت... قلقة.
لماذا كان يبدو بهذا الشكل؟ ليس الأمر وكأني كنت سأموت... أو حتى إن كنت كذلك لما كان يشغل عقله بما يحدث لي؟
هل كان يهتم لي لهذه الدرجة؟
إن كان يهتم بي حقاً لكان وافق على قراري منذ عدة أيام... ولكنه لم يفعل.
حركت يدي حركة بسيطة من تحت قبضته حتى أخرجها فانتبه لي ورفع ناظريه بنظرة اندهاش ليحدق بي. اقترب مني بملامحه الدهشة والقلقة ورفع يده اليمنى ليضعها فوق رأسي ويلامسها بلطف وهو يقول:
"فريدة... حبيبتي... كيف تشعرين؟"
"أنا... بخير."
رأيت رد فعل حمزة، رأيت ملامحه، رأيت خوفه... وتذكرت حسام.
"أخبرتك أني مع أصدقائي لا تتصلي!"
كان يصدني بعدم اهتمام حينما أمرض، كان يغلق الهاتف قبل نطقي بأي كلمة. لم يكن يهتم لأمري كاهتمامه بألعاب الفيديو وحين أكرر الاتصال بضع مرات احتياجاً له كان يصرخ بوجهي ثم يغلق الهاتف ويضعه على الوضع الصامت... وحين أعاتبه فيما بعد يعتذر بكل سطحية ويعدني بأن يهتم أكثر ولكن "تعود ريما لعادتها القديمة" دون أي تغيير.
والأكثر سوءً من هذا أن ذلك كان منذ زمن، ولطالما كان يحدث خلال السبع سنوات ولا ينتهي.
لقد تمسكت بحسام لوقت طويل جداً وتمسكي به لهذا الوقت هو ما أوصلني لهذا السد، هو ما جعلني أكره جميع الرجال ولا أعطي فرصة للرجل الذي يريني الود في كلماته ولمساته.
لقد ظلمت حمزة بزواجي منه بعد ترك حسام لي، وحتى وإن أصبح حمزة مثل حسام لاحقاً... هو لا يستحق ما يعيشه الآن.

أخذت يدي لأضعها فوق جسدي وأنا أحاول النهوض للجلوس بينما كنت أجاوبه بصوت خافت وضعيف ومن جهة أخرى كان يساعدني للنهوض.
حينما استطعت الجلوس والاستناد بظهري على مؤخرة السرير تنهدت بتعب ثم أعدت رأسي لحمزة بعد ثواني لأستفسر عما حدث لي.

زارني الطبيب لاحقاً ليسألني عدة أسئلة روتينية وأصف له ما حدث لي بالضبط وكيف غبت عن الوعي بعد أن شعرت بصعوبة في التنفس، وبعد أن استفسر ما إن كنت أعاني من أمراض تنفسية ونفيت الإجابة أخبرني في النهاية أن ما حدث لي هو نوبة هلع تحدث للمرء إذا رأى أو تذكر شيئاً أرعبه... فتذكرت المرأة التي أنجبتني على الفور، ألم يكن حلماً...؟
كان الأمر مريباً بالنسبة لي للغاية ولكني لم أكن مضطربة أو قلقة بعد أن طمأنني الطبيب على حالي بقوله أنه ليس بمرض أخاف منه أو أقلق ولكن هناك شخص لم يكن مطمئناً وبدا عليه الحزن والقلق أكثر مني، نعم... حمزة.
نظرت إلى ملامحه القلقة مجدداً، وأشبعت نظراتي منها...
كنت متناقضة، بين حربي مع نفسي ألا أضعف وأترك نفسي لمشاعري وبين غرقي في نظراته المحبة والقلقة التي أغدقني بها هذا اليوم... ولكني كنت متعبة للغاية لمتابعة تلك الحرب الآن، فغرقت فيها وتأثرت بها.
رفعت يدي لأضعها على رأسه ولامست خصلات شعره ببطء آمره بنبرة لطيف بألا يقلق، فتلقيت مزيداً من نظراته التي تسحبني بقوة إليه...!
"أنا... السبب فيما حدث لك؟"
كانت نبرته الخافتة مليئة بتأنيب الضمير وكم أرادت نفسي الشريرة استغلال الفرصة حتى ينفذ لي ما أريده لاحقاً... ولكني لم أستطع، فنفيت السؤال بأسف.
"لا... لست السبب أبداً."
نظر حمزة إلي بنظرة تشكيكية فاضطررت لأرسم ابتسامة ضعيفة حتى يقتنع أنه ليس السبب فارتخت عضلاته بطمئنينة وارتحت قليلاً لرؤيته هكذا، ولكن لم أملك الوقت لفعل الكثير لأنني حين رفعت رأسي عنه رأيتها... المرأة التي أنجبتني، فهمست:

"أمي..." 

زواج بلا حب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن